Part 2
وعلى اعتاب شهر ديسمبر , تحت ضوء قمره , في ليلة بارده ساكنه , يصاحب هدوءها نسمات هواء خفيفه , يقف هناك على سطح احد البنايات متأملًا الوجهه امامه , تاركًا نفسه لتلك النسمات التي تضرب بخفتها وجهه , وسرعان ما ارتسمت على ملامحه الجامده ابتسامه لينّه , حين سمع دبة خطوات احدهم من خلفه , ليلتف بخفه وقال بذات الابتسامه : اهلًا بك ..
ليجبه الأخر مبتسمًا : اهلًا بك آبي ...
.........
فلاش باك :
قبل 18عشر عام , في ليلة حامية الوطيس بين المهربين على منطقة حدوديه , يختبئ طفل في السادسه من عمره تقريبًا داخل احد البيوت المهجورة , تحت احد الاسره , مغلقًا اذنيه بيداه , مغمضًا عيناه وترتجف كل حواسه خوفًا , وتكور على نفسه اكثر , حين شعر بدخول احدهم الى المنزل مسرعًا واغلق الباب ..
لم يعرف ماذا يفعل , وكيف يهرب , هو هاربًا ذاتًا , قد ظن بسذاجته انه هرب من الجحيم , فما ادراه ان ما ينتظره جحيم اكبر , حاول جاهدًا ان لا يصدر صوتًا , ولكن حين عاد بجسده للخلف اصطدمت قدمه ب احدى ارجل السرير ف هلع اكثر وحاول تخبئه نفسه من مجهول قادم ..
اما على الجهه الاخرى بنفس المكان , طفل اخر , ملطخ بالغبار والاوساخ والدماء ايضًا , من رأسه حتى اخفض قدميه , يركض هاربًا تحت الرصاص الحي بعدما اوقع بين التجار وشن حربًا انتقامًا لطفولته , وما ادرى الطفل ذو الثانيه عشر من عمره ب امور الانتقام وما شابه , ولكن ما عاشه من سنوات قاسيه , جعلت منه هذا الفتى , وحين ادرك بعدما استطاع تفجير الشحنات انه ملاحق من قبل جماعته والجهه الاخرى , فر هاربًا , حتى قادته قدماه الى احد البيوت المهجوره على الاطراف , ودخل مسرعًا الى المنزل مختبئًا , بيده سكين عله يحمي نفسه فيها ,ورفعها خوفًا حين سمع ارتطام شيءٍ ما , وبسبب الظلام قال بخوف مرتجفًا : هل هناك احدٌ ما ؟
وحين لم يجد ردًا , حاول البحث رغم خوفه , واحين اقترب بخوف من السرير , زاد من خوف الطفل الاخر , لتخرج رغمًا عنه شهقات بكاء حاول جاهدًا كتمها ..
جثى الاكبر على ركبتيه حين علم مصدر الصوت , وانتابه القلق ومشاعر غريبه حين رأى طفلًا اخر بكل هذا الخوف , ولكن ماذا قد يفعل هو له ؟ انه يحمي نفسه بالكاد , اراد الهرب مجددًا وتركه , ولكن هناك شيء بداخله لم يسمح له , ودون تفكير , مد يده الصغيره الملطخه نحو الصغير وقال : لا تخف انا هنا , بجابنك .
رفع الاصغر عيناه الدامعه بقلق , ولا يعلم هل يثق ام لا , وما ادراه هو الاخر بمعنى الثقه , ولكن كل من وثق بهم اذوه ليقل بنبره مرتجفه : لا تؤذيني ارجوك ..
ليجبه الأكبر : لا اؤذيك , لا تقلق .. وشد على نبرته بخوف حين شعر ب اقتراب احدهم : انا بجانبك لا تخف , ولكن يجب ان نهرب , هيا , هيا ايها الصغير ...
مد الاصغر يده , وامسك بيد الأكبر , كان كلا كفيهما صغير جدًا على هذا الخوف والمعاناه , وبدل ان تتلطخ بالطين نتيجة لعبهم , تتلطخ بالدماء , انها الحياه , غير عادله .
سحب الأكبر الاصغر من اسفل السرير وقال : لا تخف , الآن سنهرب من هنا .. وقبل ان يكمل جملته , حتى كسر الباب احدى الرجال , بيده سلاحٌ , وبيده الأخرى ضوء خفيف جدًا ..
ارتجفت اوصال الطفليين خوفًا , وخبئ الأكبر الاصغر خلفه وعاد به للوراء , ليقل الرجل بغضب : ايها ال**** فارتولو , هل تدرك اي حرب افتعلت ب *** ايها ال *** !!
اما فارتولو ف بقي يعود للخلف خائفًا مخبئًا من خلفه حتى اصطدم بالحائط , ليقترب الرجل منه بغضب ناويًا سحبه : لتتجهز الى ماذا سيحدث بك يا ابن ال*** , ان لم اقتلع جلدك هذا لا اكون رجلًا ايها ال ***
ليقل فارتولو بخوف ونبره باكيه : لا تقترب , لا تقترب ..
وما ان رأى الرجل طفلًا اخر ف قال : ومن هذا ال *** ؟ هل ابن زنا اخر ! لنقتلكم كلاكم لا مشكله .
وما ان مد يده وامسك بيد فارتولو , حتى نفضها الاخر بعنف ودفعه بقوته الواهنه , ليتراجع للخلف , وسقط ارضًا حين لم يستطع التوازن , وامسك فارتولو بيد الصغير ناويًا الهروب , ليمسك الرجل بقدمه , ليقع فارتولو ارضًا على وجهه , ولم يستطع الهروب بسبب قبضة الرجل المحكمه على قدمه , ليصرخ بالصغير : اهرب ايها الصغير , اهرب ..
ولكن الطفل لسبب يجهله , لم يستطع ترك اول شخص شعر بالامان معه ولو لدقائق معدوده والهرب , ليقترب من الرجل وحاول ضربه بقدمه الصغيره , لينهض الرجل ويدفعه ارضا وقد ارتطم رأسه ب احدى الزوايا ونزف , الا انه نهض حين رأى الرجل يجر فارتولو , امسك بقدميه محاولا منعه الذهاب , ليدفعه مره اخرى , مشهرًا سلاحه ناويًا اطلاق النار عليه وقتله , قبل ان ينهض فارتولو مسرعًا وغرز سكينه بقلب الرجل مبعدًا سلاحه للجهه الاخرى , ثم انتشلها مجددًا وعاد غرزها , قبل ان يقع الرجل ارضًا يسحب انفاسه الاخيره , وقد اخذ فارتولو السلاح وامسك بيد الصغير هاربًا للخارج
تاركًا خلفه اول جثه قتلها في سبيل حماية نفسه وحماية الصغير الذي حمل موضوع حمايته على عاتقه ، تحت صوت الرعد وضوء البرق ، يصاحبها صوت سلاحٍ لم يهمد حتى شرقت شمس صباح يوم جديد ..
كان قد ابتعد بقدميه الداميه
عشرات الكيلومترات طوال الليل ، حتى جثى الطفل الذي بجانبه على ركبته باكيًا من فرط التعب ليجثوا فارتولو امامه قائلًا : ارجوك تحمل ، كدنا ان نصل ..
الا ان الطفل امامه اجهش بالبكاء اكثر وقال : تعبت كثيرًا .
ليمسح فارتولو على وجنتيه وقال : اعلم ذلك ، اعلم ولكن لا نريد ان يمسك بنا الوحوش مجددًا ..
ومن ثم ناظره قليلًا ، وادرك هو الطفل ايضًا ان الطفل امامه انهكت قواه تمامًا ولن يستطيع المسير اكثر ولم يستطع تركه كما تركوه الكثير من قبل ..
ليعطي الصغير ظهره وقال : هيا سأحملك ..
حاوط الطفل رقبة فارتولو ، بينما امسك فارتولو قدميه ورفعه ثم مشى به نحو مكانٍ امن .
وظل على حاله يمشي نحو طريق المجهول ، حتى وصل الى مكان شعر أنه امن او بعيد كفايه ، حتى يستطيع الاختباء فيه حتى تغرب الشمس مجددا ويقدر على الهروب مجددًا مختبئًا تحت عتمة السماء ..
وسرعان ما توجه نحو كهف رآه وانزل الطفل من على ظهره وادخله الكهف وجلسا امام بعضهم البعض والصمت سيد المكان ..
عن ماذا قد يتحدثوا اصلًا ، وهل ما عاشوه يعيشه من في سنهم ؟ حتى قطع هذا الصمت صوت فارتولو حين قال : لا بد أنك جائع ..
اومئ الصغير ليبتسم فارتولو قائلًا : وانا كذلك ، لو كانت أمّي لصنعت لنا طعامًا كثيرًا
-هل تعلم من هي أمك ؟
=اتذكرها قليلًا ، وانت ؟
نفى الطفل برأسه ثم قال : كيف تكون الام ؟
ابتسم فارتولو ثم قال :لا اتذكر كثيرًا ولكن شيء حنون غالبًا ، آمِّن ، دافئ ، منذ ان فقدتها وانا لا اشعر سوى بالبرد ..
= ليت لدي أم ، أب .. عائلة
، ثم ابتسم واكمل : هل لديك أب إذًا ؟ اخبرني كيف يكون ؟
لتحتد ملامح فارتولو ثم قال : ليس لدي ، ولو كان لدي ، انه اشبه بالوحوش الذين هربنا منهم ، وحتى اسوأ ، هم من رمونا هنا ..
جفلت ملامح الصغير خوفًا ليكمل فارتولو : لذلك كن شاكرًا ان لا عائله لديك
ليقل الصغير ببراءه : ربما ابي جيد ..
تنهد فارتولو بغضب ثم قال : ابي وابي ، هل لنا ان نغلق الموضوع ، لو كان ابيك جيدًا ما كنت هنا الآن .
صمت الصغير ، ليناظره فارتولو ثم قال : سأخرج وابحث عن شيء نأكله لا تتحرك .
ليجبه الصغير : هل اخرج معك ؟
=هل تستطيع المشي انت ؟
-لقد حملتني طوال الطريق ، قد اساعدك
=قل انك خائفٌ ان تبقى لوحدك وحسب .
صمت الصغير ليجبه فارتولو :لا تقلق سأبقى بالجوار ..
اومئ الطفل وبقي جالسًا بينما ذهب فارتولو باحثًا عن اي شيء قد يسد جوع معدهم الصغيره ، وعاد بعد مده بيده كيس به طعام عفن ، واضح جدًا انه بقايا طعام مأخوذه من القمامه ..
ليقل فارتولو : هذا ما وجدته .
ليجبه الصغير: إنك جيد جدًا ، انت الوحيد الذي عاملني جيدًا بعد بائع الحلوى ..
ابتسم فارتولو وقال : تعال لنأكل ، ثم تخبرني بكل شيء ..
اومئ الصغير وقد تناولوا طعامهم ، ليقل فارتولو: كيف اتيت الى هنا
-كنت أعمل بالشارع ، ابيع العلك ، وامسح السيارات، ثم اخر النهار يأتي أخي جوشكون ويأخذ المال مني ، إن لم يكن المال كافيًا ف إنه يضربني .
-وتقول انه اخيك بعد كل شيء .
=هكذا اخبرني ان اناديه
-تمام وكيف جئت الى هنا ؟
=في يوم كانت الاموال قليلة جدا ، ف ضربني بعصاته حتى نمت ..
=نمت ؟ هل ينام المرء حين يضرب ؟
-لا أعلم ، كان اخر ما اتذكره أنه كان يضربني ، ثم استيقظت بمكان اخر وجسدي يؤلمني ، لذلك ربما اكون قد نمت ..
ابتسم فارتولو ثم قال : لقد اغشي عليك ايها المغفل ..
=ماذا يعني ذلك ؟
-لا يهم اكمل ..
=ثم قررت الهرب ، لم تكن مرتي الاولى ، هربت كثيرًا وكان يمسكني ، وضربني كثيرًا
ثم رفع عن بطنه سترته المهترئه وقال : حتى انظر ..
ناظر فارتولو جسده الصغير الذي تبدو عليه اثار الجوع نظرا لنحافته ثم الكدمات التي تملئه ، ليكور شفتيه حزنًا ، ثم رفع سترته وقال : وانا لدي ايضًا لا تحزن ..
ابتسم الطفل ثم قال : حتى اخر مره ، لقد ركبت شاحنه مليئة بالخضراوات ، واختبئت بها ، ثم استيقظت ووجدت نفسي هنا ، لقد ضربت كثيرا ، لو اعود الى اخي جوشكون ، انه افضل منهم ، حتى وجدتني انت ..
لا أريد أن اعود الى احد ، هل يمكنني البقاء معك ؟
صمت فارتولو محاولًا ادراك وضعه ، حيث انه بالكاد يستطيع ايجاد قوت يومه وحماية نفسه ليقل الصغير وقد ثنى شفتيه : لن تتركني انت أيضًا اليس كذلك ؟
=انا اخاف ان يمسك اذى
-ولكنك حميتني وهربت بي ، نهرب مرة اخرى ..
صمت فارتولو ليكمل الطفل : ارجوك لا تتركني ..
ليبتسم فارتولو ثم رفع شعر الصغير وقال: انظر ، هذا الجرح ما زال داميًا ،هل يؤلمك؟
نفى الصغير ، ليمسحه فارتولو بكم سترته بعدما وضع قليلًا من الماء ..
ثم قال : ما هو اسمك ، لم تخبرني ايها الوسيم ؟
صمت الطفل قليلًا ثم قال : لا اعلم ..
=هل لا تعلم اسمك يا هذا .
-لا اعلم لم يكن لدي اسم ، لطالما كان اخي جوشكون يناديني ب *** و *** ..
حزن فارتولو ليقل الصغير : هل لديك انت اسم ؟
ليجبه ب سرور : صا... ثم صمت وقال : اسمي فارتولو، فارتولو سعد الدين ..
-فارتولو.. اسمك جميل ، وانا ايضًا اريد اسمًا ، هل تضع لي واحدًا ؟
=لما لا تضعه لوحدك
-ما ادراني
=فكر قليلًا ، ربما هناك اسم يعجبك .
صمت الطفل قليلا ثم قال :مارت
ضحك فارتولو ثم قال : يا له من اسم جميل ، من اين اتيت به ايها الوسيم ؟
=إنه اسم بائع الحلويات الذي اعطاني قطعة من الحلوى في العيد ..
ليمد فارتولو يده نحو الصغير مبتسمًا وقال : إذًا تشرفنا يا مارت ..
ليصافحه الصغير ثم قال : انت لقد حميتني ، ماذا يمكنني ان افعل من اجلك ؟
ناظره قليلا ثم فتح فارتولو ذراعيه وقال بكل براءه : عانقني .
.......
" إنتهاء الفلاش باك "
= عزيز أخيك ،كيف حالك أيها الوسيم
-لقد اشتقت اليك كثيرًا .
=مخادع ، بالأمس احتجزتني بقيت امام عينك .
-ولكن التصرف وكأنك عدو لم يروق لي كثيرًا ..
=ولكن لأقل لك ، لقد حميتني ، ماذا يمكنني أن أفعل من أجلك ؟
ليبتسم مارت فاتحًا ذراعيه ثم قال : عانقني ..
ابتسم فارتولو مستذكرًا جملته ثم قال: مخادع انت ..
ثم اقترب من اخيه وبادله العناق مطولًا ، حتى ابتعد وقال : لولاك لكنت الآن انا وابينا بالسجن حقًا ، ما هذه الخطه ايها المفوض الوسيم !
=لم أفعل شيء يا اخي ، فقط اخبرتكم بمعرفة المدير ب موعد اجتماعكم .
-توخى الحذر ، لا اريد ان يمسك سوء .
=لا تقلق ، انه يثق بي كثيرًا
-ولكن ليكن توخى الحذر اكثر .
اومئ مارت ثم اقترب من اخيه محتويًا وجنتيه وقال : ولكن ماذا حصل لك اليوم؟ لقد قلقت عليك ..
.....
*فلاش باك *
بعدما خرج فارتولو هامًا على وجهه من الزنزانه ، ب اصوات كثيرة في رأسه تكاد تقتله ، ف طلب من احد الضباط اخذه الى دورة المياه ، لم يغب عن انظار مارت حال اخيه الذي تغيّر حاله ف تبعه دون ان يراه احد الى هناك ..
ليجده جالسًا ارضًا ساندا ظهره على الحائط وقد تغير لونه نتيجة انقطاع انفاسه ..
ف اغلق الباب مسرعًا وركض نحوه وجثى امامه والخوف كل الخوف يعصف في قلبه ، بدأ يضرب على وجنتيه بخفه قائلًا : آبي ماذا يحدث ؟ هل انت بخير؟ انظر الي ..
ثم قبض على كفيه محاولًا اعادة الدم لجسده ، ثم على صدره وهو يقول : تنفس ، ارجوك ، ماذا يحدث ؟
الا ان فارتولو كان بعالم اخر ، لا يناظره حتى ، يعجز عن اخراج زفير شهيقه ، ليرفع مارت وجهه محاولًا جعله ينظر اليه وقال : انظر الي ، هيا ، تنفس ، ارجوك ..
ناظر فارتولو اخيه ، وبدأ يقلّده ب اخذ نفسه واخراجه ، حتى سعل بقوه ، ليحضر مارت بعض الماء وبلل بها وجه اخيه ، ثم احتضنه من الخلف شادًا على رأسه وصدره ، حتى تأكد ان انفاس اخيه عادت طبيعيه ، لينهض امامه بقلق وقال : هل انت بخير؟ ماذا حدث لك ؟
ناظره فارتولو بتيه ثم قال : لا أعلم ..
=ربما بسبب اصابتك السابقه ، هل لا زالت تؤلمك ؟ هل تأخذ ادويتك ب استمرار ..
لم يجبه فارتولو الذي شعر ان نفسه يؤلمه ليقل مارت : تمام لا تتعب نفسك ، ابي ينتظرك بالخارج ..
رفّع فارتولو نظره للأعلى متنهدًا محاولًا استجماع نفسه ثم نهض ورمى ببعض المياه على وجهه ثم قال حين اقترب مارت منه: تمام لا تقلق انا بخير
-هل حقًا ؟
ليبتسم فارتولو بصعوبه ثم احتوى وجهه اخيه وقال : صدقني انا بخير ..
انت اخرج حتى لا يشك احد ، وانا سأتبعك .
اومئ مارت وخرج ليتنهد فارتولو ثم تبعه نحو ابيه .
*انتهاء الفلاش باك *
......
صمت فارتولو قليلًا ثم اجابه : لم يحدث شيء ، إنها حاله أخيك الاعتياديه ، ربما لأن المهجع رطب ، اخبرتك ليكون مريحًا يا حضرة المفوض .
-لقد صدأت هذا واضح
=تأدب يا هذا من امامك
-أنا أعلم ان شيء حدث معك ولكنك تأبى اخباري
=هل تخرج من دور المحقق قليلًا يا اخي ، ذاتًا حققت معي بالأمس كثيرًا
ليبتسم مارت ثم قال : أقلق ،ماذا أفعل إني اقلق ! من لدّي غيرك بهذه الدنيا ؟
ليعانق فارتولو رأس اخيه مقبلًا اياه ثم قال : وكأن لدي غيرك ، إنك تعلم ذلك ، الكون ب اكمله ب كفه ، وانت بكفه اخرى .
ليبتسم مارت مجددًا ثم قال : أبي ينتظرنا ، هيا لا نتأخر .
-لنذهب ولكن لا تخبره بما حدث اليوم
......
ذات المساء ، في الحفره ، في منزل اب الحفره تحديدًا ، حيث يسود الهدوء كعادته على هذا المنزل الذي فقد ضجيجه وسعادته منذ سنوات ، يترأس طاولة العشاء ادريس كوشوفالي ، الذي يحاول بصموده ان يبقي الحفره ومنزله صامدين بعيدًا عن انهياره ..
ليقطع هذا الصمت قائلًا : هل ارسلتم الطعام الى والدتكم ؟
اومئت نيدرت ليكمل ادريس : سيخرج جومالي غدًا بالأكثر لا تقلقوا .
لتجبه داملا : لقد اخذت الادله ذاتًا ، لا يوجد شيء يدينه ..ولكن هل سيبقى الامر هكذا ، مره كل اسبوع على الاقل يدخل بها السجن ، الامر تعدّى طاقة تحمل الإنسان ، اين جومالي؟ بالسجن ؟ من اين اتي ؟ من السجن !
=تعلمين ان الامر رغمًا عنه !
-الامر ليس كذلك يا ابي ، ليبحث ، ليبحث كما اراد ولكن لا داعي لقتله او شجاره مع كل هؤلاء .
=حين يخرج صباحًا سأتحدث معه .
-بابا لا تفهمني بشكل خاطئ، اعلم مدى حساسية الأمر لديه ولديكم ولكن لن نقضي العمر بمحاولة اخراجه من السجن .
=تمام يا ابنتي ، اتفهم غضبك ، سأتحدث معه غدًا
ثم نهض من طاولته وقال : سأذهب ل أرى سلطان .
وفي غرفتها ، تجلس امام النافذه ، بشعر غزاه الشيب ، تناظر الخارج بعيون انطفئ بريقها ، ليقطع صمتها ادريس قائلًا بجفاء : لم تتناولي طعامك ؟
لتناظره بحزن ليقل لها : سيخرج جومالي غدًا .
ثم تنهد وقال حين قرب الطعام منها وحاول اطعامها : إن لم تأكلي طعامك ستمرضين مجددًا ، جسدك لا يحتمل قلة الغذاء هذه ..
لم تتفوه بحرف ، ظلت تناظره ، عله يبادلها ولكنه توقف عن ذلك منذ ثمانية عشر عام ، ثمانية عشر عام رعاها بها ولم ينظر لعيناها ولو لمره .. وكانت هي تنتظر ان يبادلها النظر علّه يفهم ما تريد سؤاله ومعرفته .. الا انه حرم على نفسه ذلك ، مثلما حرمت هي على نفسها الحديث .
.....
وفي أحد القصور البعيده عن المدينه ، يجلس هناك جلال بهيبته وغطرسته ليتقدم كلا ولديه نحوه لينهض مرحبًا بهم بفرح : اولادي .. اهلًا بكم ..
عانق مارت جلال بينما وقف فارتولو جانبًا ليقل جلال : إبني الاسد ،تمام لا اريد ان يمسك ضرر ولكن لا تغب عن عيني كثيرًا ! اشتاق اليك .
ابتسم مارت ثم قال : ماذا أفعل يا أبي ف انا في وكر الاسد لا استطيع المجئ متى ما اردت ، ولكن حتى انا اشتاق اليك كثيرًا يا حضرة بائع الكباب !! .
ضحك جلال ثم قال : لقد تماديت كثيرًا بالأمس لأقل لك ، لقد ظننت انك ستلقي القبض علّي حقًا ..
-ممثل من الطراز الرفيع ، اليس كذلك ؟
ليربت جلال على كتفه مبتسمًا ثم اعطاه فلاشه صغيره وقال : امسك، هذا الدليل الذي جعلتنا نصوره حين وضع احد رجال الشرطه الحبوب ..
اخذه مارت ثم قال : وهذا انتهينا منه ، تبقى أمر واحد ..
ثم التفت الى اخيه وقال : في الجنائيات ، فتح ملف ب اسمك ، انه يظنون انه قاتل متسلسل ، القاتل قاطع الالسنه ، انك تترك مثل علامة تميزك في قطعك للألسنه يا اخي ، واصبح الامر صعبًا عن البدايه ، حتى ان الملف سيخرج من يدي ولن استطيع محي اي دليل يمسك .
=ولكنك تعلم ان كل من قتلته كان قد اخطئ .
-تمام اخطئ ولكنك ستتوقف هذه الفتره ، اصبحت حديث البلاد الاول ، فقط لو اعلم سبب هوسك بقطع السنتهم .
-اخبرتك مئة مرة ان الامر يخرج عن سيطرتي لا داعي للسؤال في كل مره اذًا ، لأنه ببساطه لا يوجد سبب .
ومن ثم تركهم غاضبًا متوجهًا الى غرفته ليقل مارت: ماذا قلت انا له الان حتى يغضب !
-تمام لا تحزن يا بني ، تعلم انه لم يقصد الغضب منك ، وتعلم جيدًا انه لا يتحدث ولا يتفاعل بشغف مع احد سواك ، اما ذلك الآمر بسبب حاله نفسية يعيشها بسبب امر ما ، ولكن سنحل هذا لا تقلق .
ليتنهد مارت ثم قال : لأذهب واراه ..
ليجبه جلال : اذهب ثم اجلبه وتعالا ، اني انتظركم على العشاء .
اومئ مارت ثم صعد لأخيه ، طرق الباب ثم دخل ليجده يبدل ملابسه ليقل : انك تعلم انني لم أقصد شيء بالأسفل
-وانا لم اقل شيء
=ما كل هذا العبوس اذا ان لم تغضب !
-انا لا انتظر تبرير منك وانت تعلم هذا ، استقبل سكينك بصدري ولا احزن منك، ولكن ذلك الموضوع لا احبه ، حتى انني اكره نفسي حين استذكر انني فعلت امر كهذا ، ولكنه يحدث !
ليتنهد مارت ثم قال : لتذهب مجددًا ..
=الى اين ؟
صمت مارت وقد فهم فارتولو ما يريد قوله ليقل : لن اذهب الى ذلك المكان مجددًا ، انا لست فاقدًا لعقلي !! حتى انت تخبرني بذلك !
-انا لم أقل ذلك ولم اقل اذهب لذلك المشفى ، انا اخبرك ان تراجع طبيبًا نفسيًا اخر ، بضعة جلسات وتحل الامر معه ..
=كم مره ذهبت !
-وكل من ذهبت اليهم ضربتهم .
= لأن لا احد منهم يفهمني ، من الجيد انني لم اقتل احدًا .
ضحك مارت ثم قال : الغضب يليق بك ، تعلم هذا فارتولو !!!
=ايها المخادع .
-هيا هيا سأموت من جوعي ، ابي ينتظرنا على العشاء
ناظره فارتولو ليقاطعه مارت: إن لم تأكل لن آكل وسأعود الى منزلي جائعًا ليكن بعلمك .
-تعرف كيف تضربني من نقاط ضعفي ، هيا امشي امامي ايها المخادع .
........
في صباح اليوم التالي ، في المحكمه ، حيث خرج جومالي من عند القاضي مبتسمًا حين تم الإفراج عليه لعدم تواجد الادله التي تدينه ، ليجد والده ينتظره بالخارج ليتوجه نحوه مقبلًا يده ليقل ادريس : حمدلله على سلامتك ..
اومئ جومالي ليقل ادريس: اتبعني ، سنتحدث ب امر ما
تبع جومالي ابيه حتى الخارج ، ليجلس كلاهما على احد المقاعد الخارجيه ، ليتنهد ادريس بحزن ثم قال : لا استطيع الغضب منك ، في كل مره لا استطيع ولكن يا بني .. انتهى ، مر ثمانية عشر عام .
اخاك قد مات واحضروا لنا ملابسه ! واخيك ال..
ليقاطعه جومالي قائلًا بغضب : لم يمت ، طالما انني لم استلم جثمانه ف اخي ما زال حيًا ..
ثم هل نسيت صالح ؟
ليطئطئ ادريس رأسه وقد دمعت عيناه ليكمل جومالي : لم يصلني اي خبر عنه .
منذ ١٨ عاما بدأت مشواري ، ولن اتوقف قبل ان اجد اخواي ، او جثتهما .. غير ذلك لن اتوقف ..
-لا اقل لك لا تبحث ، هل توقفت انا؟ ولكن انك تهدر نفسك ! ما الفائدة من دخولك السجن بين كل حين واخر
-لقد استدرجني بمعلومات كاذبه فقط من أجل المال ، بينما انا احترق حتى اجد اخواي ، جل ما يهمه المال ؟ طلب جزائه واعطيته كما توجب.
تنهد ادريس للمرة الالف ربما ثم قال : انك تعلم ، لم يعد لدي ادنى طاقه لفقدان احدٍ اخر ، يكفيني ما اعانيه ، لا تختبرني بك انت ايضًا .
لقد توفي احدى ابنائي واثنان منهم مفقودين ، لم يتبقى لدي سواك انت وكهرمان ، اموت ان حصل لكم شيء .
تنهد جومالي فاعلًا حركة فمه المعتاده ثم قبل يد ابيه وقال: لا تقلق ، لن يحدث لي شيء على الآقل حتى اجد اخوتي .

أنت تقرأ
سَرْمَديّ
قصص عامة"حين يخضع الناس لضغوط لا تحتمل, ولتهديدات دائمة, فإنهم مجبرون إذا أرادوا تجنب الموت على إيجاد حلول ! وهذه الحلول : الجريمة, الفن, والجنون !" (مقتبس) يتناول سرمدي وسط إطار درامي قصة الآخوين فارتولو ومارت ، الذان جمعهم القدر قبل الدم .