-وحيد- ❤

166 12 2
                                    

Part 10 🎈

"بابا ارجوك ,هل يمكنك إخباري ماذا نفعل هنا ؟"
نطق بها جومالي بعدما طفح كيله وطاش حجره لصمت ابيه الذي وجده غير مبرر طوال هذه المده , بعدما قاد به طريق 4 ساعات يبعد عن الحفره ..
ليبتلع ادريس ريقه بخوف لم يعهده جومالي من قبل , واجاب ولده مصارعًا الحروف كي تخرج منه : " طرف خيطٍ يدُلّنا على صالح "
انفرج وجه جومالي وارتسمت ابتسامه على محياه سرعان ما تلاشت من صدمته وقال بتوتر : ماذا ؟ كيف ؟ هل صالح هنا ؟
وما ان هم ذاهبًا كي يسأل امسك به ادريس وقال بحذر : انتظر جومالي , ربما فخ .
=يا بابا هل تعتقد انه يهمني ان كان ذلك ؟ كم فخًا دخلت من اجل هذا الموضوع .
-لا اتحدث عن ذلك يا جومالي , انتظر , لا مجال للعب الآن , يجب ان نصل الى الحقيقة فقط .
ثم اخرج هاتفه من جيبه وقال : " منزل المزارع وحيد ، هذا هو عنواننا المطلوب ، لنبحث عنه دون اثارة الانتباه "
وعلى احد الابواب المهترأه نسبيًا بفعل الزمن وفقر اصحابها يقف ادريس وجومالي امامه , منتظرين الاجابه بعد طرقهم للباب , ورغم هدوء المكان حولهم , كان صريخ قلبهم يهز اركان عقلهم , ولا سيما ادريس , الذي شعر انه على بعد خطوة من ابنه , وارتفع ادرينالينه من فرط حماسه , وكأنه بعدما يفتح الباب , سيقفز ولده الى حضنه مناديًا ب اسمه ، وسيلثم رائحته ، ليس مجرد طرف خيط قد يدلهم اليه .
ووسط هذا الانتظار , كان قد لفت نظر ادريس ,إناء الزرع الذي ذبل نباته , ليقل متلعثمًا : لقد ذبل الزرع يا جومالي , هل يعقل ان المكان مهجور ؟
-ما العلاقه يا أبي , ربما قد غفلوا عن سقايتها ؟
=ربما , ولكن هل يغفل المزارع عن سقاية نباتاته ؟
اومئ جومالي موافقًا كلام ابيه بعدما بدى له منطقيًا الا ان طالما الموضوع يخص اخوته ف لن يتبع أي منطق ف قال : ربما اصبح رجلًا كبيرًا او مرض ، يعني لن نذهب الآن لأن الزرع قد ذبل ، ليتنهد ادريس ثم طرق الباب بشكل اعلى مجددًا ..
وهذه المره , وعلى عكس توقعاته , جاء صوت امرآه من الداخل , ليقل ادريس : هناك صوت , انتظر .
وما هي الا ثواني , حتى فتح الباب , وك شيء خالف توقعاتهم مرة اخرى , خرجت امرآه مسنّة على مشارف الستين من عمرها  ,نحيله , ورغم تجاعيد وجهها الا ان عيناها وملامحها , تظهر الى اي مدى كانت جميلة بشبابها , الا ورغم كبرها , كانت على قدر من القوة
ليقل جومالي : يا خاله ؟ نآسف على ازعاجك
-ماذا هناك ؟
-هل هنا منزل المزارع وحيد ؟
ابتسمت العجوز بخفه وقالت : من الجيد , ما زال هناك من يذكره .
ليقل ادريس وقد نفذ صبره : ماذا يعني هذا ؟ ثم اخذ نفسه وقال : انظري يا أختي انا هنا ب مسألة حياة او موت , اين هو وحيد ؟
=هل تبقى وحيد حتى تلقاه ؟
-ماذا يعني ؟
=لما تسأل عنه انت ؟ عساه خيرًا ؟
-من تكونين انت ؟ هل زوجته ؟
=ارملته .
جحظ ادريس عيناه وقال : هل مات؟
تنهدت العجوز بحزن وقد سقطت دمعه يتيمه من عيناها : لقد اخذوه مني , ومنذ سنوات طويله , ماذا تريد منه ؟ لم يكن لدى وحيد آحد كي يسأل عنه
تنهد ادريس وقال : لدي ابن ضائع , ارسلت لي رساله  مفادها :" الخطوة الاولى ل ايجادك طفلك تبدأ من هنا "
قوست المرآه شفتها حزنًا وقالت : ليجمعك الله بضالتك ولكن يا بني , انا عجوز وحيده هنا , من ارسل هذه الرساله ربما يتلاعب بك , هل ضاع حديثًا ؟
- لقد مر على الآمر سنوات كثيرة ، لا بد آنه اصبح بطولي غالبًا ، يفوق عمره الخامسه والعشرين .
تغيرت ملامح العجوز ثم قالت بتساؤل : وما اسمه ؟
-صالح .
جحظت المرأة عيناها بخفه لم تكن تنوي ايضاحها , وقد ظهر الخوف على ملامحها ثم قالت بسرعه : لا , لا يوجد شيء هنا قد يدلك عليه , وحيد مات , وانا لوحدي هنا .. هيا بالسلامه , ليجمعكم الله به .
وما ان عادت الى الداخل وقبل ان تغلق الباب وسط حيرة ادريس وجومالي اللذان لاحظا تغير معالم المرآه حين أُتيَّ بسيرة صالح , اوقفها جومالي وقال : انتظري يا خاله , انتظري .
حاولت العجوز الاعتراض قائله : ما قلة التربية هذه ؟
-انك تخفين شيئًا يا خاله وهذا واضح .
= ما الذي قد اخفيه ، هل اعرفك حتى أخفي عنك شيئًا, اتركني وشأني .
-هل اتركك وشأنك ؟ من ارسلنا الى هنا , يعلم تماما ان هناك شيء يجب ان نعرفه من هنا .
=عديم التربيه , اذهب , لا يوجد شيء لأخبرك به .
ليوقف ادريس جومالي ثم امسك ب يد العجوز وقال : ارجوك , انظري انا لم اتوسل من قبل , ولكن اتوسل اليك , انك كنت تعلمين شيئًا عن صالح ف اخبريني , لقد احترق قلبي حتى اصبح ارض قاحله بفقدانه .. لقد ذهب بريق عيناي بذهابه , ارجوك وانا اب ,وانا يحترق قلبي على ابني .. لم انم منذ اكثر من عشرون عام ل ليلة دون ان اسمع بكاء طفل صغير ، والآقسى أنني لم اسمع صوت بكاء إبني ابدًا !!  ابني يلاحقني ب احلامي يقول لماذا لم تأتي يا ابي ؟ لما لم تنقذني ؟ هل تعلمين اي عجز هذا ؟ وانت بالتأكيد ام وتعلمين معنى خوف الاب والام على آطفالهم .
تنهدت العجوز بحزن ورغم خوفها قد لان قلبها , لترفع يدها وربتت على وجه ادريس بخفه ثم وبتردد رمته خلفها قالت: تعال معي ..
.....
وفي الناحية الاخرى , حيث يقف مارت مصدومًا امام المغلف الذي مده جلال اليه بينما يقف فارتولو خلفه , وقد شعر ب شيء من عدم الطمأنينه , لأنه يعلم مدى حساسية الموضوع لدى اخيه ليقل بتأهب : هل تأكدت ؟
ناظره جلال بخفه ثم قال : لا احضر شيء لست متأكد منه وانت تعلم هذا .
ووسط هدوء مارت وعدم ابداءه اي ردة فعل وكأن كل اوصاله تجمدت , اخذ فارتولو المغلف وفتحه ثم ناظر جلال بريبه وقال : ما هذا ؟
-عنوان .
=اعلم انه عنوان , هذا عنوان ميتم" وسط المدينه ".
رفع مارت عيناه نحو اخيه مصدومًا ليقل مارت : هل وضعوني ب ميتم ؟ انا ؟ انا لا اذكر شيئًا كهذا !!
ثم شد على رأسه وقال وقد تبعثرت الحروف بحنجرته : لما لا اذكر ؟ لا اذكر , وعيت وانا بالشارع ..
وما ان اراد جلال الاقتراب من ولده , سبقه فارتولو ووقف امامه , ثم احتوى وجنتيه محاولًا تهدئته وقال : لا تضغط على نفسك , تمام اهدئ , دعنا نتأكد ..
ليناظر مارت اخيه وقد تساقطت دموعه وقال بصوت يكاد يسمع وقد ابتسم بغصه:  لم يكن لدي عائله  ؟
بادل فارتولو اخيه الابتسام زورًا ثم قال : دعنا نتأكد يا مارت .
ثم التف الى جلال وقال : هل تأكدت ان مارت نشئ في هذا الميتم ؟ اين عائلته اذا ؟
=انتم تعلمون انني لم اوقف بحث عن عائلة مارت منذ ان طلب مني ذلك , رفعت كل حجر قد يخبئ آسفله أي معلومه .
ليقاطعه فارتولو قائلًا : لن تقص لنا الحكاية منذ البدايه اليس كذلك , فقط اخبرني اين عائلته ؟
تنهد جلال بغضب كتمه ثم اكمل : لم اوقف بحث في كل المياتم والملاجئ , في كل مكان قد كبر به اطفال الشارع , حتى وصلني خبر ان مارت كان في الثالثه من عمره حين اتي به الى هذا الميتم ,ولم يقطن به طويلا , بالكاد بضعة اشهر , وبحادثة غامضه فُقد اثره .. لم اذهب الى هناك شخصيًا ولم اراجع الملفات , قلت اراد هذه اللحظة , ليذهب هو ؛ لهذا احضرتكم .
ليلتف مارت الى اخيه وقال وقد تساقطت دموعه : ان كان صحيحًا وجودي بالميتم , هذا يعني انه ليس لدي عائله .
ليناظره فارتولو بقهر على حال اخيه ثم قال : ربما ضعت عنهم , ربما فقدوك .. لا تفقد الامل .
ليبتسم مارت وسط دموعه وقال بحماس : لا يهم , لا يهم اي شيء اخر , يكفي ان اعرف اسمي الحقيقي , ان اعلم حقيقتي .
ابتسم فارتولو لأخيه , بينما اقترب جلال منه وربت على وجنته ليشكره مارت ليقل جلال : انت ابني , افعل اي شيء من اجلك , يكفي ان ارى ابني سعيدًا والإبتسامه لا تفارقه، وعقله الذكي يعمل بمنطق , لا تغلبه عاطفته .
ابتسم مارت بينما التف جلال نحو فارتولو , وما ان اراد ان يربت على وجنته , ليعود فارتولو بخطواته للخلف مبتعدًا , تاركًا يد ابيه معلقه بالهواء , لينزلها جلال واكمل كأن شيء لم يكن : لا يوجد لدي سوى ابنائي , بالتأكيد سأفعل اي ما يجعلهم سعداء .
ومن ثم قال : سأذهب الآن لقد تأخرت , تأكد صباحًا من ذهابك الى الميتم , كي تراجع  ان كانت هذه المعلومات تخصك !
اومئ مارت وذهب جلال , ليلتف مارت نحو اخيه وقال بسعاده عجز عن اخفاءها : لو بقي الأمر علّي لذهبت الان .
ابتسم فارتولو على سعادة اخيه ليكمل مارت متنهدًا ودموعه لم تتوقف ومع ذلك ما زال يضحك : اشعر انني اقترب جدًا , اشعر انني قريب من حقيقتي , على بعد خطوة فقط , اسوأ ما قد يعيشه المرء ان يحرم من حقيقته , يعيش وسط المجهول , دون اسم ولا هويه ، لا تربطه جذور ب اي منطقه , ف يحس بنفسه قابلًا للتلاشي ب اي وقت , لأن لا جذر متين له يثبته .
ثم مسح دموعه وابتسم وقال : اقتربت ان اعرف كل هذا , ثم اقترب من اخيه وادًا عناقه , ليمسك فارتولو كلا يداه وانزلهما ارضًا , ثم ابتسم بخفه حين عاد بخطوته للخلف قليلًا .. وشعر ب انكسار الفرحه بعين اخيه , وحقيقة لم يحتمل , الا ان عقله العنيد هذا , لم يعد يفكر ب شيء سوى حماية اخيه , وطالما انه اقتنع انه يلحق الضرر به , لن يقتنع بخلاف ذلك بسهوله , ويدرك مارت جيدًا ان تصرفات اخيه هذه لا تنبت عن زعل او مخاصمه , هي حمايه ليست إلا بمنظوره .
ورغم كل هذا ,حين لم يحتمل فارتولو نظرة الحزن بعين اخيه , ولم يستطع ان يخالف ما يوجبه عليه عقله و ك حل وسط , رفع يده وربت بخفه على وجنتي مارت .
ليمسك مارت يده وقال : هل ما زلت غاضبًا مني ؟ الن ننهي هذا الأمر ؟
=ما العلاقه , لست غاضبًا , حتى لو كنت ذلك , لن يؤثر غضبي اليوم على اي شيء , ماذا اريد سوى ان تكون سعيدًا مطمئنًا , لا شيء يهمني بهذه الدنيا سوى سعادتك .
-ما زلت ترفض الحديث معي ، او حتى الآقتراب منّي !
=غدًا لن تذهب هناك وحدك , سأجد طريقه وارافقك .
تنهد مارت حين غيّر اخيه الموضوع وقال : لا نلفت النظر .
-لن ادعك تذهب الى هناك وحدك  على أي حال , ان اردت استطيع ان احضر ادارة الميتم وكل الملفات هنا .
ضحك مارت وقال : ويحك , تمام سنذهب سويًا , ولكن لن يراك احد .
=بالنهاية وجودي خلف ضابط شرطة يثير الشبهه .
-لا يحدث لي شيء , كي لا تكون المتهم الاول .
ليدفع فارتولو مارت من كتفه بخفه وقال : قل توبة , هيا انا سأذهب .
-لو تبقى هنا , يعني اقترب الصباح , ستعود مجددًا , نخرج سويًا .
= ان حضرت الشاي آبقى.
-احضره , فقط ابقى .
.......................................
اما عند ادريس وجومالي , يجلس كلاهما مقابل العجوز والقلق يملئ قلوبهم من الحقيقة التي تنتظرهم , ليقل ادريس : هل تعرفين صالح ؟
-هل تعرف أنت صالح ؟
=أخبرتك يا أختي ، أنا ابوه .
-أين كنت طوال هذه السنين؟
=لم يبقى مكان لم أبحث فيه ولم أجده ، وكأن الآرض شُقت وابتلعته .
-ما الذي قد يثبت لي أنك والد صالح ؟ او آنك رجلًا طيبًا لست أحد الزبانيه الذين يبحثون عنه لكي يؤذوه ؟
تنهد إدريس بحزن وقال : هل اؤذي انا طفلي قط ؟ أقسم لك آن صالح إبني ، إبني الذي لم آره منذ آن خُلِّق ، اخذوه منّي قبل آن آشم رائحته واحفظها داخلي ، قبل أن أمسك ب يده الصغيره ، قبل أن اضمه الى صدري ، أرجوك إن كنت تعرفين عنه اي شيء فقط اخبريني ، اعطيني بعض الآمل كي استمر بالبحث ، هل تعرفينه؟
تنهدت العجوز وقد نظرت إلى عيناه ، ومن لهفته بدى صادقًا لتقل : هل يُعقل ان لا أعرف صالح؟ إبني عديم الحظ .
ناظرها ادريس بريبه وقال : هل تعلمين اين هو ؟
-من اين لي ان اعلم ؟
ليقاطعها جومالي بتوتر وقال : يا خالة هل يمكنك ان تخبرينا عنه , وكيف تعرفينه ؟ ما شكله ! هل يأتي اليك؟
ابتسمت العجوز بخفه ثم قالت : يقولون لي ناهد , كنت معلمة القرية , زوجي وحيد كان يعمل في الزراعه , لقد احببنا بعضنا البعض كثيرًا , حتى انني تحديت عائلتي كي اتزوجه , توفي ابي وهو غاضب مني لزواجي من وحيد , ورغم كل هذا , لا ابدل الدنيا كلها ب وحيد , كان رجلًا معطائًا حنونًا قلبه يسع الجميع , لم ارى رجلا بحنيته من قبل , شجاع وقوي ..
كان كل شيء جميلًا ولكن .. لم تدم سعادتنا , حين مر على زواجنا 5 سنوات , ولم انجب طفلًا بعد .. وبعد  مراجعتي طبيبة القرية آنذاك , عرفت انني لا استطيع الانجاب , وقد تأقلمت مع هذا كله , واردت الانفصال والعوده لمنزل عائلتي التي كانت غاضبه مني , كي يتزوج وحيد ويرى اطفاله , كنت احبه الى هذه الدرجه , ضحيت بسعادتي كي اراه سعيدًا ، كان يستحق آن يكون ابًا كثيرًا .
قلّب جومالي عيناه حيث بالوقت الذي ينتظر اي خبر ولو بسيط عن اخيه , تخبره المرآه بقصة حياتها ..
لتناظره ناهد وقالت : قصة تقليديه مُملّة اليس كذلك ؟
-المغفرة يا خاله , ولكن ..
لتقاطعه ناهد ثم اكملت : كان حنونًا لدرجة تليق به الآبوة كثيرًا , اردت ان ارى اطفاله , وبعد ان نشبت بيننا مشاكل كثيرة وصراعات بخصوص هذا الموضوع وحين اصريت على الطلاق .. وكانت اصواتنا قد ملئت القريه , طرق باب منزلنا بخفه عدة مرات .
حينها توقفت اصواتنا انا و وحيد , وتوجهنا الى الباب , كي نرى من يطرق الباب وسط اصواتنا العاليه هذه ، وصدمت ولا انكر صدمة وحيد حينها , حين كان طفلًأ صغيرًا , بطول ركبتي , نحيل جدًا ..
ناظرناه انا و وحيد بصدمه وبادلنا النظرات هو , قبل ان يخر فاقدًا لوعيه .. حمله وحيد ودخل به للداخل , واحضرت انا ملابس جديدة ومياه دافئه كي اغسله .
ولكن الطفل آبى الاستيقاظ , وقد قلق وحيد جدًا , ف هم مسرعًا واحضر الطبيب واعطاه الدواء اللازم حينها ..
كانت حرارته مرتفعه جدًا ,ويعاني من سوء تغذيه , كان هذا واضحًا على هيئته ذاتًا , بقينا طوال الليل بجانبه ..
ثم ابتسمت وقالت : كان طفلًا جميلًا جدًا , لديه وجنه حنطيه يطغو عليها احمرار بفعل البرد , عيناه واسعه , حتى ان احدى عيناه لديها قليلًا من الاحمرار, اخبرنا الطبيب انه مرض فايروسي,ولكن لاقت به بشكل جيد , شعره يغطي رقبته , طفل قبلته الملائكه ..
ابتسم ادريس وقد تساقطت دموعه حين وصفت له طفله بينما كان جومالي يستمع ب تركيز , رغم دموعه التي تتأرجح على هدبيه .
ليقل ادريس وقد غص بحروفه : اكملي ,اكملي ارجوك .
تنهدت ناهد ثم اكملت : في صباح اليوم التالي, كنا قد استيقظنا وما زال الفتى نائمًا , كان يغط بالنوم بشكل جميل .. اقتربت منه , مسحت على شعره وقلت : استيقظ يا عزيزي , هيا استيقظ , لقد شرقت الشمس , ستتناول فطورك .
واستجاب الفتى لي وفتح عيناه المتعبه بخفه , وما ان ادرك مكانه , حتى نهض مسرعًا بهلع وعاد للخلف محتضنًا نفسه بخوف , اقتربت منه احاول طمئنته , الا ان الولد كان خائفًا جدًا , اردت منه اخباري ب اسمه , ولكن بدلًا من ذلك بدأ بالبكاء , كان طفلًا لم يكمل السادسه من عمره بعد .
وكنت قد عجزت عن تهدئته وربطت يداي حين زاد بكاء الفتى وشهيقه حتى شعرت لوهله آنه سيختنق ب انفاسه , بالوقت ذاته حيث اتى وحيد بعدما ذهب للفرن وعاد بيده خبز ساخن من اجله, وضعه مسرعًا على الطاوله وهم نحو الفتى وجلس بجانبه وقال : ايها الوسيم ؟ لماذا تبكي ؟
عاد الفتى بجسده للخلف خوفًا من وحيد , الا ان وحيد اصر على مراضاته , وفعل اكثر شيء يستطيع فعله , كانت ميزة لديه ذاتًا , كان يستطيع ان يشعرك بالامان ..
ليقترب من الفتى واخذه الى حضنه رغم ان الفتى عارض بالبدايه , الا ان وحيد عانقه بشده وقال : لا تخف يا عزيزي ، أخبرني ماذا يحدث ؟ أنت هنا بمأمن .
وشعر الفتى بشيء من الأمان ليدفن رأسه بصدر وحيد وبكى ، تسائلت حينها , اي الم عاشه هذا الطفل حتى يبكي بكل هذا الالم والخوف ؟ كان يبكي منتحبًا مدركًا لكل ما عاشه , وكأنه واخيرًا وجد حضن يستوعب بكاؤه هذا ..
واحتضنه وحيد وتركه يبكي حتى هدأ ثم ابعده ومسح دموعه وقال : ايها الوسيم , هل انتهيت من البكاء ؟
ناظره صالح بعيناه الدامعه , ليمسح وحيد دموعه ثم قال له : انت رجل قوي اليس كذلك ؟ والرجال لا يبكون .
وارتاب وحيد بعض الشيء حين لم يجيبه الطفل , ليعاود الكره قائلًا : انظر الى ناهد , تبكي ليلًا ونهار .. وكنت أبكي حقًا على صوت بكاء صالح ليكمل وحيد: :البنات يبكون بكثره ، لأن الإناث يتميّزن ب احساسهن المُرهف ، بينما نحن الرجال نتميز بالقوة ، وأنت رجلًا قوي ، اليس كذلك ؟
حينها اومئ صالح موافقًا رغم امتلاء جفونه بدمعه الا أنه بقيَّ صامتًا، ثم اخذه وحيد , وغسله , وكان قد احضر ملابس جديده من السوق من اجله , واطعمه ..
وحقيقة جاء الطفل الى حياتنا , مثل الحل لكل العقد التي ملئتها , وبالوقت الذي وصل الامر بيننا الى الطلاق وبعدما ملئت اصواتنا ارجاء المنزل ، وطرق صالح للباب هو من اوقفنا ، انتهت كل مشاكلنا بنفس الطريقه , وبعدما بحث وحيد وادرك ان الطفل لا يوجد لديه احد , قررنا ان نتبناه , نأخذه ولدًا لنا , يُملي علينا المنزل ..
وكان صالح هكذا , طفل مثل السكر , يذوب بقلبك , ولا تستطيع التخلي عنه مهما حدث ,ولكن حظه لم يكن هكذا ابدًا .
مر شهر على مكوثه لدينا, كان الطفل فاقدًا لنطقه بشكل كامل , يواجه الكوابيس طوال الليل , ظل فترة طويلة  يستيقظ مفزوعًا ويكمل باقي الليله باكيًا, حتى استطعنا انا ووحيد معالجته وطمئنته , ف لم تعد تزوره تلك الكوابيس ..
لقد مكث لدينا سنه ب اكملها , تبدلت حياتنا بوجوده , لقد اضاف الالوان والحياه الينا , كان قد عاد نطقه اليه بعد شهر من بقاؤه لدينا , واستطعنا ان نعلم ان اسمه صالح ..
خيره وحيد ان اراد تغيير اسمه ولكن صالح رفض ذلك وقال : اريد ان ابقى متذكرًا من اكون ..
ثم طالعت ناهد كل من ادريس وجومالي وقالت : حتى اجوبته , تدل على عقلانيته ..
بقي صالح لدينا عام , كان يذهب صباحًا معي للمدرسة كي يتعلم , ومساءًا ياخذه ابيه الى المزرعه كي يعاونه بالزراعه وسط اصرار صالح .
ثم ابتسمت وقالت : ذات مرة لقد اخبرني انه يريد ان يصبح معلمًا لّلغه التركية مثلي , وهمس لي قائلًا : لا تخبري ابي .
الا ان وحيد حينها قد سمعه , وقال مصطنعًا الغضب : وما بها الزراعه صالح آفندي .
ثم هم نحوه وانقض فوقه ملاعبًا اياه , وقد ضحك صالح بشده , كان قلبي يرفرف من الفرح على صدى صوت ضحكاته  ، ماذا قد اريد اكثر ؟ حتى ابتعد وحيد عنه وقال صالح : سأبني مدرسة داخل مزرعه , سأعمل مدرسًا من جهة , وسأزرع من جهة ، سأزرع الورود والياسمين بكل الاطراف ، كانت احلامه بسيطه على قدره .
كانت دموع ادريس تتساقط بغزاره , شعر لوهله وكأن كل مشاعر الابوه هذه يعيشها مع طفله .
لتتنهد ناهد بحزن ثم قالت : حين بدأ بالحديث اخبرني ان اسمه صالح , وان والدته توفت امامه , قتلها زوج والدته ثم ارسلوه الى جده , ولكنه لم يلاقي جده قط , كان قد خطف او شيء من هذا القبيل قبل ان يصل اليه .
لم يخبرني شيئًا عن والده او عائلته او عن من اين هو وكان يتجنب الحديث عن هذا الموضوع ، إلا انه ومن غضبه كان واضحًا انه يعلم عنك .
ليقاطعها جومالي وقال : هل كان يعلم عنا ؟
-اظن هذا ولكن لم يقل شيئًأ طوال فترة بقاؤه لدينا , سوى مرة واحده , بالليله التي جاء الينا فيها وقد فقد وعيه , كان يهذي بقوله "أبي" وما شابه مثل : لماذا لم تأتي يا أبي .
شهق ادريس ووضع يده على قلبه متألمًا لتربت العجوز على يده ثم اكملت : وكما اخبرتكم , كل شيء كان بغاية الجمال , قبل تلك الليله , ليلة سوداء حالكه , هجم على منزلنا عدد كبير من الرجال المسلحين ووضعوني وانا ووحيد وصالح تحت تهديد السلاح , ثم وبعدما عاثوا بمنزلنا فسادًا , اخذ الرجال صالح منّا .
حينها فقدت انا وعيي وفقد وحيد صوابه , ربما لم يبقى صالح لدينا سوى سنة واحده ولكن انا قمت له بالامومه ووحيد قام بالابوه كما لو انه من صلبنا ..
لم يستطع وحيد حينها مجابهة الرجال وحده وكانوا قد اطلقوا عليه ف اصابوه بكتفه حين اراد اخذ صالح منهم .
لا استطيع نسيان صوت ابني وهو يستنجد بنا باكيًا , كان صالح يعرفهم , كانت الجماعه التي اختطفته حين ارسل الى جده , وبقي لديهم شهور افقدوه فيها سلامه من شذة ما اذوه , وادرك صالح حينها انه عاد لعذابه مجددًا .
وفي تلك الجلبه وبعدما اطلقوا على وحيد وفقدت انا وعيي لمدة بسيطه , كانت العصابه قد استطاعت اخذ صالح , واستيقظت انا بعدها واسعفت وحيد وتمت معالجته .
حينها قد طاش حجر وحيد , جن جنونه , وعزم على اعادة الفتى الينا , حتى انه اراد بيع المنزل والذهاب واحضار صالح وبعدها نسافر خارج البلاد , ولا يعثر علينا احدًا .
ووسط بحث وحيد عن اي طرف خيط وجد نفسه يغرق وسط مجموعة عصابات منظمة مموله , وخفايا واسرار تسقط تلك المنظمات ..
لم يخبرني وحيد بكل شيء حينها , ولكن اخبرني انه استطاع معرفة من هو والد صالح الحقيقي ، وأن اختطافه مدبر ليس إلا ، وعلم انك على قدر من القوة وتستطيع انقاذ ابنك الذي خطف منك , ولكن لم يخبرني ب اي تفاصيل , عن من تكون او من اين انت , ولكن وحيد عزم على الذهاب واخبارك كي تستطيعوا انقاذ صالح حتى لو كلفه الأمر ان يعود صالح اليكم ، كان يكفيه ان يكون آمنًا .
ليقل ادريس : وماذا حدث بعدها ؟ لما لم يأتي احدًا !!
=كما اخبرتك غرق وحيد بقذارة تلك العصابات كثيرًا , حتى انه باع مزرعته وانفق حقها رشوة الى العاملين هناك حتى يستطيع الوصول لصالح وحين علم عنك واراد اخبارك , علمت رئاسة تلك العصابه بذلك ..
كان شهر ديسمبر , الثلوج تغلق الشوارع , والبرد يجمد الاوصال , اجلس انا بقرب هذه المدفأه ادعو الى الله ان يعيد الى ابني , وفي تلك اللحظة دوهم منزلي من رجال تلك العصابه , ودخلوا ومعهم وحيد , كانت قد تبعثرت ملامحه من شده ضربهم له , كان يبقى واعيًا بالكاد , ف اخبره الرجل انه سينسى موضوع صالح بتاتًا الا انني اشرت له بالرفض ورفض وحيد كذلك .
ليأمر رجاله بضربي , لقد ضربوني امام زوجي كثيرًا , وهو عاجز عن حمايتي , الا انه لم يقبل التخلي عن صالح , وقد سحب ذلك الرجل الفرصه الذي ظن انه اعطاه اياها ب تخييره بين نسيان صالح واعطاؤه حياته بدلًا من ذلك .
ف سلب منه حياته امام عيناي , اطلق النار على جسده ب اماكن متفرقه .. لتتساقط دموع ناهد وهي تقص ما حدث وكأن المشهد يعاد امامها ثم اكملت : لم يسمح لي بعناقه , ولا حتى توديعه , امر رجاله ب اخذه كي يخفوا الجثه , لا اعرف قبر زوجي اين , او حتى ان صنعوا له قبر , وحين اردت انا المقاومه , اطلق علي النار برصاصه ذات عيار قليل , مرت من جانب رأسي واستقرت هناك , ودخلت غيبوبه حينها طويلة الامد , استيقظت بعدها بعدما ازالوا الرصاصة من رأسي , وعادت العصابه لقتلي , حينها تظاهرت بفقداني للذاكره كي انجو من يديهم .
بعدها وبعد ان فقدت كل شيء جميل كان بحياتي , لم اجد لحياتي داعي , ولكن كنت جبانة جدًا لدرجة ان انتحر وانهي حياتي .. يقولون اسهل شيء بالحياه بالموت ولكن الاقبال عليه يتطلب جرأه .
اعادني أبي الى منزله ومكثت هناك حتى توفى بعد مده قصيرة  ثم أخذت أمي التي لم تمكث طويلا بعد وفاة أبي وتبعته وانتقلت الى هنا , قلت ربما يجدني صالح , ربما يعود الى هنا ويجد والدته , كي ينتقم لنفسه ولوالده ولي , ولكنه لم يأتي .
تنهد ادريس ومسح دموعه وقال : من خطف ابني , خطفه متعمدًا كي يؤذيني به , الأمر لم يكن كيد نساء مثلما ظننت , الفتى ارسل الى جده ولكن اخذه احدهم قبل ان يصل الى هناك , وبحثوا عنه حين هرب , هذا يدل على انهم يريدون صالح وبشكل شخصي .
ليقل جومالي : يا خاله , لم يخبرك العم وحيد رحمه الله ب اي شيء عن هذه العصابه ومن يكون خلفها ؟
نفت ناهد وقالت : لم يخبرني اي شيء , ذهب وذهب السر معه .
نهض جومالي غاضبًا ثم قال : اللعنه على امر كهذا .
بينما قال ادريس : يا اختي , لتذهبي معنا الى الحفرة , تبقين لدينا , هناك من يخدمك .
-ربما يعود صالح .
=لن يعود صالح , لقد اصبح صالح شابًا كبيرًا لو اراد العوده لعاد منذ مده , ومن ثم جيد جيئك , ربما لو جاء صالح الينا , لأستطعتي التعرف عليه ونترك خبرًا عند الجيران ان عاد صالح ف يعطوه عنوانك .
تنهدت ناهد ليكمل ادريس : جومالي ساعد خالتك ناهد بتجهيز نفسها .
لتنهض ناهد ثم اخذت حقيبة صغيرة وضعت بها بعض الآشياء وقالت : انتهيت .
.............
وعلى طلوع الشمس فجرًا كان قد وصل الاب ادريس وجومالي الحفرة بعد ان قاد جومالي طوال الليل غاضبًا , غاضًا نظره عن دموع ابيه التي تتساقط رغمًا عنه طوال الطريق , حتى وصلّا المنزل , ليساعد جومالي ناهد بالنزول , قبل ان تتوجه نحو ادريس وناولته حقيبة صغيره وقالت : لا اريد ان اكون انانية , ولكن هذه الأشياء تخص صالح , ظننت من الجيد اعطاؤك اياها .
ارتجفت اوصال ادريس ومد يده بذات الرجفه ليأخذ الحقيبه من يد ناهد , بينما اوصل جومالي ناهد الى غرفتها , بقي ادريس واقفًا مكانه يتأمل الحقيبة التي بين يديه مصدومًا .
ثم تمالك نفسه وذهب الى غرفة المكتب وفتح الحقيبه , ليجد فيها ملابس طفل صغير يبدو عليها عتقها , وبتردد تام , مد يده الى احد الاقمصه ثم اخذه بذات التردد , وقد تساقطت دموعه قبل ان يضمه الى صدره مقبلًا اياه مستنشقًا رائحة طفله التي حرم منها .
ثم اخذ قطعه اخرى وضمها الى صدره , كأنه يحتضن صالح لا ملابسه , وقد شهق باكيًا حتى تعالت شهقات بكاؤه , على سمع كل من جومالي وكهرمان من خلف الباب والعجز كل العجز يتملكهم ، خاصةً وانهم اعتادوا اباهم رغم ثقل مصائبه صامدًا ، ف صوت شهقات بكاؤه التي كادت تفقده نفسه كانت ثقيله على صدرهم ، اما  ادريس ف بذات بكاؤه مد يده داخل الحقيبه حين وجد مغلفًا صغيرًا ف اخذه وفتحه , و أخذ نفسًا عجز عن إخراجه حين وجدها صورًا تعود لصالح بطفولته ؛
وك اول مرة يرى فيها شكل طفله , شعر ب شيء ينغز صدره ،المٌ ليس أقل من سكين غرزت به ودوّرت  , لتتعالى ضحكاته وسط شهقات بكاؤه حين وضع كفه على فمه محاولًا كتم بكاؤه , كان جميلًا مثلما وصفته ناهد , ليضم الصور الى صدره وبكى وهو يردد : بني ، بني الجميل ، أخذوك مني ، آه يا بني .
قبل ان يزداد الالم في صدره اكثر ف اكثر واختنق ب انفاسه ليخر فاقدًا لوعيه ارضًا بعدما وقع من كرسيه قبل ان يصرخ قائلًا : بني  , ووسط الجلبه التي احدثها دخل جومالي وكهرمان نحوه صارخين ب اسمه .
................................
في صباح اليوم التالي ، بعدما مرت الليله على مارت مثل سنه ، منتظرًا الصباح على أحر من الجمر كي يذهب ويعرف حقيقته كما يقول ، ولم ينتظر اكثر
حيث الساعة الثامنه صباحًا يقف مارت على باب الميتم ، و اوصاله ترتجف حرفيًا ، وما ان تقدم خطوة عاد خطوتين تحت انظار فارتولو الذي يراقبه من بعيد ، فارتولو الذي لاحظ تردد آخيه وعدم مقدرته على الدخول ، وكونه لا يستطيع مؤازرته علناً ، ف رفع هاتفه وارسل له رساله مفادها " تكمّن حقيقة المرء ب جوهره وداخله ، لا ب جذوره واصله ، أنت حقيقيّ بشخصك ، ليس بمعلومات على ورق ، إن اردت يمكنك العوده وانا سأحضر لك ما تريده ، ولكن هذه الفرصه التي انتظرتها طوال عمرك ، وها هي بين يداك الآن ، لا تضيعها .
اخفض مارت هاتفه وابتسم بعدما قرأ رسالة أخيه وقد بعث في نفسه شيء من القوة والجراءه ، ليرمي بكل خوفه ارضًا وتوجه للداخل .
وكونه موصى عليه ف أمر دخوله ولقاءه بمدير الميتم كان سريعًا ، مارت الذي ما ان اخبر المدير بقصته ف قال : لدي هذا الملف منذ يوم أمس ، لقد طلب منّا البحث عنه .
يعود هذا المغلف لطفل إسمه "اوموت يلماز " حين آتى الينا كان لم يتم الخامسه من عُمره بعد ، وحيد عائلته وقد توفيَّ والداه في حادث سير وكان هو الناجي الوحيد .
لم يكن لديه أقارب سوى جدته العجوز المصابه بالزهايمر ، ورآت الدوله انها لا تستطيع رعايته ولا حتى رعاية نفسها .
ف نقلت  الجده الى بيت المسنين ، بينما احضروا الطفل إلينا .
كانت دموع مارت تتأرجح بين هدبيه ليقل المدير : اعلم ان الأمر صعب قليلًا ولكن لم يتم التأكد ان كان هذا الطفل هو انت ، لا تبكي ربما لست انت .
ليجبه مارت رغم ارتجاف نبرته : وكيف فقدتم أثر الطفل من الميتم ؟
تنهد المدير ثم قال : في إحدى ليالي أغسطس وكان قد مر على مكوث اوموت لدينا 5 اشهر ، نشب حريق كبير ، احترقت فيه مرافق الميتم جميعها ، نتج عنه وفيّات عديده واصابات كذلك .
الآمر الذي اثار حيرتنا جميعًا اننا استطعنا حصي جميع جثث الأطفال اللذين توفوا ، عدا هذا الطفل ، لم نجده ضمن المصابين ولا حتى الوفيّات ، وقد أبلغنا الشرطه حينها وباشرت بالتحقيقات ولكن لم نجد له أثرًا ، وكأن الارض شقت وابتلعته .
وقد رجحت في نفسي ان الطفل قد ضاع اثره بعدما هرب من الحريق ، والشارع ليس مكان آمن لطفل لا احد لديه ، من يخرج لا يعود
ابتسم مارت ب ألم وقال : انا اكثر من يعلم هذا ..
ثم أكمل بتساؤل : وكيف يمكننا التأكد ان كنت انا هذا الطفل ؟
=ب اجراءات انتساب اي طفل الى الميتم ، نأخذ المعلومات والتحاليل اللازمه ومن ضمنها الحمض النووي ، اي ستجري تحليل DNA كي تتأكد ان كنت اوموت ام لا .
اومئ مارت متفهمًا وطلب من المدير اخذ الملف وتمثل المدير لطلبه ، ليخرج مارت من الميتم وهناك شيء يثقل صدره ، وآلمٌ هاجم معدته ، من فرط توتره وقد لاحظ فارتولو ذلك حين خرج اخوه ووقف محاولًا تنظيم آنفاسه ولعن نفسه الف مره حين لم يستطع النزول اليه ، ليرفع هاتفه متصلًا وقد قاطع شرود مارت رنين هاتفه وما ان وجده اخيه حتى اجاب بسرعه ليقل فارتولو: مارت ماذا حدث ؟ طمأنّي ؟
لتتساقط دموع مارت بغزاره تحت انظار فارتولو ، الآمر الذي لم يتحمله ليقل : لماذا تبكي ماذا حدث ؟ انتظر سآتي اليك .
ليوقفه مارت قائلًا رغم شهقات بكاؤه : انتظر لا تأتي ، لنلتقي بالمنزل .
اومئ فارتولو وتبع مارت حتى المنزل
، ليجلس مارت على الاريكه واضعًا كلا كفيه على جبينه ويرتجف حرفيًا ، ليتقدم نحوه فارتولو وجثى امامه وقال : أخبرني،  ماذا حدث ؟
رفع مارت عيناه الباكيه نحو اخيه وقال : لم يحدث شيء ، انا فقط متوتر
-ماذا اخبرك المدير ؟ هل الطفل هذا هو انت ؟
= اخبرني أنه يجب ان اقوم ببعض التحاليل حتى نتأكد ان كنت انا هذا الطفل ام لا .
لينهض فارتولو وقال حين امسك بيد اخيه وشده : هيا اذا ما تنتظر ؟
اوقف مارت اخيه وقال بتردد: خائف جدًا ، أشعر وكأنني لا اريد ان اقوم به .
-ماذا يحدث يا مارت؟
ابتسم مارت وسط دموعه وقال: هل تعلم ؟ إسم الطفل اوموت ، اوموت يلماز ، كان وحيد عائلته ، ولكن توفيّا على اثر حادث سير ولم يبقى سواه ..
ولد في اكتوبر ، يفترض في اكتوبر القادم سيتم الرابعه والعشرين .
كان لديه جدة ولكنها قبل عشرون عام كانت مصابه بالزهايمر ووضعت بعد وفاة والديه بدار المسنين والأكيد انها توفيت .
-وما الذي يخيفك من اجراء الفحص ؟
تردد مارت ثم أغمض عيناه وقال والغصه تملئ جوفه : يعني ..
=يعني ماذا يا مارت ؟
سقطت دموع مارت ورغم ذلك رسم ابتسامته عنوة وقال : لم تكن الحياه التي أحلم بها ! كنت أحلم دائمًا باللحظة التي سأعانق بها والدتي ، أبي .. قلت ماذا لو لدي اخوة اصغر مني مثلًا ، هل سأستطيع ان اقوم لهم بالأخوة مثلما فعلت انت لي ؟
ولكن لم يحدث ! أخاف أن اكون هو ، وأخاف ان لا اكون
اوف هذا التأرجح بين الحقيقه والوهم يقتلني ، يجعلني اتلاشى .
تنهد فارتولو بحزن ولعن نفسه ألف مره كونه عاجزًا عن مواساة مارت ، ف كيف يواسيه وماذا يقول له ، ان كان هو مارت ف ليست حياة يحلم بها ، وان لم يكن ف سيعود ايضًا لنقطة الصفر  ثم قال : مارت ، أنا هنا بجانبك ، ايًا كانت النتيجه ف انا هنا ، إن كان هذا الفتى أنت واعلم انها لم تكن الحياه التي تحلم بها ولكن على الأقل وكما كنت تقول ف وجدت اصلك ولمن تعود ، علمت ان كانت لديك عائله ولم تتخلى عنك ، عرفت عمرك ، وإن لم يكن أنت ف سنكمل بحثًا حتى نجدهم ، ستبدأ مرة أخرى .
ثم تنهد وقال : أعلم ربما لا اكفيك ، لم استطع ان املئ هذا المكان الفارغ بحياتك ولكن كنت اكيدًا دائما انني معك وحولك في كل الاحوال سواء وجدت عائلتك ام لم تجدها .
ابتسم مارت ثم امسك يد أخيه ، أخيه الذي حاول سحب يده ولكن مارت لم يسمح له ثم قال وقد سقطت دموعه : أنت الشيء الوحيد الحقيقي في حياتي ، لست متأكدًا من ثبات شيء حتى ثباتي بقدر حقيقتك .
ابتسم فارتولو ب ألم ثم سحب يديه من بين كفي مارت ونهض من مكانه وقال : هيا اذا ، سنذهب للمختبر ، النتيجة ذاتًا تحتاج عدة أيام .
-الا نستطيع تعجيل الأمر .
=نستطيع ولكن النتيجه لن تكون دقيقه ، لقد انتظرت كثيرًا ، بضع ايامٍ إضافية لن تؤثر ، هيا لأرى امامي .
.........
في ذات اليوم في منزل كوشوفا صباحًا ، حيث خرج كهرمان من غرفة آبيه متوجهًا لغرفة المعيشه وكان الجميع ب انتظاره لتقل زوجته : هل استيقظ ؟
نفى كهرمان ثم قال : اعطيته دواءه وعاد للنوم ، أخبرني الطبيب أن قلبه لا يحتمل ولولا لطف الله لأصيب بجلطة ولكن مر الأمر بنوبه بسيطه ، يجب ان يبتعد عن التوتر كي تتحسن صحته  .
ليمتعض جومالي فاعلا حركة فمه ثم قال : التوتر هو حياتنا الطبيعيه ، كيف سيبتعد عنه ! ولا سيما بعدما حدث في الأمس .
تنهد كهرمان ثم قال : آبي تعال لنتحدث بالمكتب قليلًا .
اومئ جومالي وتبع اخيه بعد أن قال لنساء البيت ان يحسنوا ضيافة ناهد
ثم اغلق الباب خلفه ليقل كهرمان : ما الذي حدث تمامًا بالأمس ؟ ومن ناهد ؟
-إمرآة طيبة رعت وزوجها صالح في صِغرِّه .
=وما ادراك انها جيده ؟ ربما شخص يتلاعب بكم من أجل المال ؟
تنهد جومالي ثم أمسك الصورة الملقيه على الطاولة وقال : أنظر هذا صالح .
أخذ كهرمان الصوره من يده وطالعها قليلًا ثم ابتسم وقد لان قلبه للطفل ثم مكّن عقله وقال : وما ادراكم انه صالح ؟
-لا تفقدني عقلي يا كهرمان،  لم تكذب المرآه بهذا الشأن ، قتل زوجها في سبيل حماية أخي ، لقد قام له بالأبوه قبل أبي ، وهي كانت أم له ، نحن من ذهبنا اليها هي لم تأتي ولولا اصرار أبي لما اخبرتنا .
=أبي ، انا اعلم ، انت لم تتوقف يومًا في البحث عن صالح وياماش ، ولكن أبي لم يعد يحتمل .
-أعلم انه لم يعد يحتمل ولكن ماذا أفعل ، ليس أمرًا استطيع منعه .
=آبي ، وانا أيضًا اريد عودة اخوتي ولكن في طريق البحث هذا لا أريد ان اخسر أبي .
-لا سمح الله ما الذي تقوله يا كهرمان !
=أقول ان أبي لا يجب ان يتصدر لهذه المواقف من بعد الآن !
-هل أنا من صدرته ، الرجل لثم رائحه ابنه لأول مره منذ اكثر من خمسه وعشرون عام ، رآى شكله يا كهرمان لأول مره ، هل تعلم ؟ أخبرتنا ناهد أنه حين آتى اليها كان صالح فاقدًا لنطقه ، تراوده الكوابيس من فرط ما رآى ، كنت دائما ادعي الله ان يجد أخوتي الناس الطيبه ، التي ترعاهم وان لا يمسهم اذى ، ولكن صالح خطف قبل ان يصل جده، وحين استطاع الهرب مجددًا بعد ما رآى الويل ، اعادوه اليهم .. يعني لم ينعم أخي بحياة جيده ، اشعر انا انني سأموت فما بالك بما يعيشه أبي ؟
لا يمكنني ان ابعده عن التوتر ولا يمكنني ان اقول له لا تتصدر المشهد لأنه سيتصدره رغما عني وعنك ، لا استطيع ان اقوله له لا تبحث  ، ولا استطيع منعه ، لأنهم اولاده ! .
=آبي ، انا لا اطلب منك ان توقف بحثك عن اخوتي  ، لا احد منّا سيوقف بحثه مهما مر من العمر ، اقول لنبعد أبي عن التوتر ، لا نعطيه امل ونأخذه منه ، لنضع الامور تحت زمامنا ومن ثم نخبر أبي ، لا نصدمه .
الرجل بالكاد يحتمل ، هل قليل ما مر على رأسه ، ولداه فقدهم وهم اطفالًا ، خيانة اقرب الناس إليه ، وموت سليم .. لو كان جبل لهدم .
=ماذا أفعل يا كهرمان ، رأيت لقد طلبت منه مرارًا وتكرارًا ولكن هذه المره الخبر جاء إليه .
-دعه يرتاح قليلًا ويقف على قدميه ومن ثم سنتحدث معه ، لنحمل من حمله قليلًا .
اومئ جومالي متنهدًا بحزن ثم قال: انا سأذهب لأرى أبي .
ومن ثم خرج من هناك متوجهًا نحو غرفة آبيه كي يراه ، ليقاطع طريقه والدته التي اخرجتها داملا كي تغسلّها ، وجحظ عيناه مصدومًا حين تقاطع طريقهم واراد العوده ، لتمسك سلطان بقوتها الواهنه بيده .
وناظرته وقد تجمعت الدموع في عيناها ..
لم ينظر جومالي لوجهها ابدًا وامسك بيدها كي يزيلها عن يده لتمسك يده الأخرى مجددًا ، وكم اشتاقت له ، كم اشتاقت لتضمه الى حضنها ، او حتى لينظر الى عيناها ولكنه آبى ، بينما أصر جومالي على موقفه وسحب يديه من بين يدي والدته بعنف وقال : ب اي حق سلطان هانم !
لتوقفه داملا قائله : جومالي ، ليس وقته .
=لقد مضى وقته منذ سنوات كثيرة يا وردتي، ف حقًا ليس وقته ولكن لا تقوليه لي بل لها .
لتهمس داملا لجومالي قائله : جومالي تأدب تبقى والدتك ، المرآه عاجزة لا داعي لرمي الكلام هنا وهناك .
-بل يوجد داعي ، تشكر الله انني لم اتحدث من حينها ولكن دعيني اهنئها .
ثم جلس ارضًا وقابل وجه امه بغضب عارم وقال : تهانينا سلطان هانم ، تهانينا ، لقد حدث ما اردتِ ، ألم ترسلي صالح الى جده؟
ثم ضحك وقال : خمني ماذا ؟ الفتى لم يصل الى جده بل خطف قبل وصوله ، لقد ضمنتي تمامًا عدم عودته هكذا !  تهانينا .
هل تعلمين ؟ فقط ما يكسر قلبي أن الله عاقبك ب ياماش وياماش ايضًا ليس له ذنب ب افعالك .
كلا أخوتي فقدناهم بسببك ، الرجل الذي بالداخل ، يحمل ثقل جبال على كاهليه من فرط همومه بسببك ، انا لا اطيق النظر الى وجهك لذلك لا تحاولي الاقتراب منّي مجددًا .
ثم نهض من مكانه وتوجه الى غرفة أبيه ، تاركًا سلطان خلفه ودموعها تسيل مثل سد فتحت ابوابه ، ف من جهة ثقل اثمها ومن جهة دمار عائلتها .
.........
مضى أسبوعًا وجاء اليوم المنشود لدى مارت ،  نهض صباحًا والقلق يملئ قلبه ، ذاتًا كان اسبوعًا ثقيلًا لم يذق فيه طعم النوم جيدًا ، يتأرجح بين السعادة والحزن ولا يستطيع تحديد مشاعره ، هل يفرح لأنه علِم حقيقته واسمه ونسبه أم يحزن لهدم أحلامه ، وأنه حتى وبعد آن عرف من يكون بقي وحيدًا دون عائله .. ولكن الآسبوع الذي مضى كان جيدًا كي يستطيع تقبل النتيجه والاستسلام لها مهما كانت .
كان يدور حول نفسه بمنزله منتظرًا رسالة بالتحاليل ، ليقاطع قلقه رنين هاتفه ليجده فارتولو ف اجاب قائلًا : اجل يا أخي ، لا لم تصل بعد .. لا أعلم ربما بعد قليل ، تمام انتظرك .
وبعد مدة قليلة استقبل أخيه الذي جاء من اجله كي يسانده مهما كانت النتيجه كونه يعلم حساسية الأمر لدى أخيه ، وما هي الآ مده حتى وصل هاتف مارت رساله ليرفعه مسرعًا وقد رُسِّل إليه ملف التحليل ..
ناظره مارت قبل أن يفتحه بتردد ، وابهامه ما ان يصل الشاشه حتى يبتعد مجددًا ، ثم اغلق الهاتف وأخذ انفاسه زورًا وهو يقول : لا استطيع ، لا استطيع .
=هل أفتحه أنا ؟
طالع مارت اخيه ثم قال : سأفتحه سأفتحه ..
وعاد فتح الهاتف مجددًا ورمى بكل خوفه خلفه ثم فتح الملف وتوجه مسرعا نحو النتيجه ..
ارتجفت اوصاله وضاق نفسه وشعر بقلبه يركل عظام صدره ليقل فارتول و : ماذا حدث ؟
رفع مارت انظاره نحو اخيه وقد ملئت الدموع عيناه ثم قال : تطابق .
أبتسم فارتولو بخفه بينما تساقطت دموع مارت مثل سد فتحت آبوابه على مصرعيها ، وقد هال فارتولو حال اخيه الا انه لم يعرف ماذا يفعل ..
أما مارت بنوبة بكاؤه التي لم تتوقف ، وكأنه يبكي كل الآيام التي نعت بها ب ابن الزنا والخطيئه ، وكل الشتائم التي لا يحتملها بشر ، يبكي كل الآيام التي اراد بها ك مثل اي طفل الإحتفال بميلاده وهو لا يعلم يومه حتى ، يبكي المرات التي نعته بها خاطفيه ب اقذر العبارات كونه لا يعرف أسمه .
حتى خارت قواه وجثى ارضًا واحتضن قدميه وخبئ رأسه بينهم وظل على حاله يبكي
وتحت عجز فارتولو عن مواساته ، جلس دون وعي منه بجانبه ، ثم مده وبذات التردد ربت على كتفه ، ليشهق مارت وبكى أكثر ، وحقيقة يحتاج لعناق اخيه أكثر من أي شي، يحتاج لأن يرمي بثقل رأسه على صدره ويهدئه مثلما كان يفعل طوال عمره،  ويعلم جليًا الآن انه وبسبب ما حدث حُرِم من هذا الحق الذي استثناه فيه اخيه
وحقيقًة لم يحتمل فارتولو إنهيار أخيه ، ف كيف يحتمل وهو الأغلى على قلبه ؟ ليمد يده محتضنًا كتفه ، ثم ازاح برأس أخيه ليعانقه ، بينما تشبت به مارت مثل طفل صغير يبكي على صدر آباه ، وتركه فارتولو حتى هدأ ، ليبتعد مارت وقال وسط دموعه : لم أكن أعرف أن الحقيقة موجعه هكذا ! ظللت طوال عمري انتظر هذه اللحظة ،ظللت أتخيل ردة فعلي ، ربما لم تتحقق احلامي وبقيت ناقصه ، لم أعانق أمي ، لم اتناول طعامها ، ولكن معرفة من تكون شيء جميل ، أشعر وكأنني انتصرت على كل من نعتني ب كلام لا يقال ، على كل من استهان بي واستوطى حائطي لأن لا سند لي ولا عائله ، على كل من ظلمني وعذبني ، على العم الذي منعني من اللعب مع إبنه لأن عائلتي غير معروفه ف لن يسمح لطفله باللعب مع ابن الشوارع او ابن الزنا كما يسميه وضربني .
لقد انتصرت على ماضيي وعرفت حقيقتي .
ثم ضحك وسط دموعه وقال : لدي عائله ،لدي آم واب ، أعرف عمري ، لدي اسم ، انا اوموت ، اوموت يلماز .
ابتسم فارتولو ثم عاود عناق أخيه وقال بهدوءه المعتاد : أخبرتك دائمًا أنك لا طالما كنت طِفل مميز ، لا تحتاج لأحد كي تثبت نفسك ، أعلم وكوني ذقت مرارة طعم تلك الكلمات معنى ما تشعر به ولكن أنت لا تحتاج أحدًا كي تكون ثابت متين ، أنت حقيقي بشخصك ، بكرهك لكل ما هو سيء ، لميزان العداله الذي تحاول تحقيقه دائمًا رغم هذا العالم الظالم .
مارت ارجوك لا تبكي ، انا اتألم كثيرًا ل آلمك ، ربما لم تكن الحياه التي تحلم بها أعلم ، ولكن على الأقل عرفت ما اردت معرفته اليس كذلك ؟
آبتعد مارت ثم مسح دموعه وقال : أجل إنه كذلك ، انا اعتدت العيش دون عائلة ، فقط أردت تجربة شعور ان يكون لديك أم ، ويبدو انه لم يكتبها الله لي ، ولكن على الأقل يكفيني أنني علمت ما سعيت طوال عمري لمعرفته .
ابتسم فارتولو لأخيه ليكمل مارت : هل يمكنني أن اطلب منك طلب ؟
-لك ما اردت !
=أريد أن أعرف اين قبر والداي ، على الآقل لأزور قبرهم .
ابتسم فارتولو بخفه وقال : اخبرتك ، لك ما أردت .
ثم نهض فارتولو من مكانه ليقل مارت: إلى اين ؟
=لأحضر لك ما طلبته ، ومن ثم اعتدت على وجودي هنا ايها المفوض الوسيم !
ابتسم مارت ثم قال : ماذا نفعل ، إني امسك بك مؤخرًا بالعافيه .
-هيا يا هذا من هنا هيا ! اتضح أنك برج الميزان،  آمان علمت الان لما لا نتوافق !
= منذ متى أصبحت مهتمًا بالابراج! ومن ثم هل تعرف برجك أنت؟  ليجبه فارتولو:  لا ولكن لم أحب اصحاب هذا البرج من قبل .
ومن ثم التف تاركًا اخيه ، متوجهًا للبحث عما طلبه مارت وما ان ركب سيارته حتى وصلته رساله ففتحها قائلًا : "خدعة جديده وكلاكما كنتما مغفلان بما فيه الكفايه حتى انطلت عليكم ، مارت ليس اوموت ، عائلة مارت حيّة ، إبحث عن من قام بخداعكم يا صالح "
طالع فارتولو الرساله وأكثر ما لفت انتباهه إسمه الذي نسيه نسبيًا او اعتبره احد اعداءه الذي لطالما اراد الانتقام منه ف اطلقه على من اراد قتله في نهاية الرساله وحتى استوعب عقله فحواها ليغلق الهاتف بكل هدوء دون اي رد فعل وقال : لنرى إذًا .
.....
آما في الحفره ، بالمقهى تحديدًا ، حيث يجلس كل من جومالي وكهرمان هناك ويتناقشان فيما بينهما عن أمور الحي ولا سيما ان الآمور تزداد تعقيدًا من جهة الرسائل التي بدأت تصلهم والتي تخص اخوتهم ، ومن جهة آبيهم المتعب ، ومن جهة أخرى الحال الذي ضاق كثيرًا ، فالفقر احكم بقبضتيه على رقاب اهل الحي ، ف لا يوجد عملًا بالوقت الحالي كي يعيلوا انفسهم كونهم اعتادوا توفير العمل لهم من قِبل الكوشوفالي ..
ليقل جومالي : إن لم نسيطر على الوضع بسرعه سيصبح الأمر سيئًا يا كهرمان ، نحن الحفره ، لسنا اطباء ومهندسيين ، نحن سرسرية اسطنبول ، ان لم نجد عملًا لهؤلاء الاولاد سنفقد السيطره ، الجوع سيء ويؤول بهم الى اماكن سيئه ..
-أعلم يا اخي ولكن انك ترى وبعدما فجّر فارتولو مستودعاتنا لقد خسرنا البضاعه التي دفعنا من أجلها كل ما نملك .
-**** فارتولو  ، لو يتركني أبي عليه فقط .
=أنتظر لقد حقنّا الدماء بصعوبه ، لن نتصرف قبل ان يقول أبي .
-اذا ماذا سنفعل ؟
=ولن يعطينا أحد بالدين ، ذاتًا هناك دين لم نسده بعد .
-وهذا فارتولو،  هل ادخل المخدرات الى الحي هكذا دون مقابل ، ليس هناك نسبه مقابل وجوده بالحي!
=إنك تعلم أبي وتعلم انه يرفض هذه الاموال ، لقد رفض ان يأخذ نسبه من فارتولو ! لقد وافق دخوله مقابل حقن الدماء .
-اللعنه على أمر كهذا ، يجلس الرجل بحضننا ولا يدفع ايضًا .
ليقاطع حديثهم عمي وقال: انتهى جومالي وكهرمان ، اتركوا فارتولو قليلًا ف هناك امورًا اهم ، مسؤولية اهالي الحي تقع على عاتقنا ، يجب أن يغطي مطعم الفقراء حاجة اهل الحي ب اكمله طوال الفتره القادمه ، لن يجوع الآهالي مهما حدث ، اطلب من الآهالي مساندة بعضهم البعض حتى تزول هذه المحنه ، وانا سأجد طريقه .
اومئ كهرمان موافقًا وقال : وهناك ايضًا يا عمي لقاء لي مع احد رجال الاعمال ، ربما قد يقبل أن يعطينا مقابل دفعه اولى والباقي نقسطه له سآراه غدًا مساءًا .
وما ان انهى حديثه حتى دخل إدريس المقهى وقال : هل تثق به يا كهرمان ؟
لينهض جومالي نحو ابيه وقال: بابا لماذا اتيت ؟ لو بقيت وارتحت بالمنزل ، لم تشفى بعد ! .
-أصبحت بخير جومالي ، لا اطيق البقاء بالبيت اكثر ، يكتم على نفسي، على الآقل اشغل نفسي هنا ، لم تخبرني يا كهرمان ، هل الرجل الذي تتحدث عنه موثوق ؟
-سأذهب وارى يا أبي غدًا .
=ليكن خيرًا ، وانت جومالي ؟
-ماذا أنا ؟
=هل حدث شيء بخصوص إخوتك؟
-لم يحدث اي شيء ، الآمر على حاله منذ أسبوع ، تحدثت مع الخاله ناهد مجددًا ربما أصل لمعلومه تفيدنا عن الرجال اللذين داهموا منزلهم ولكن لم تعرفهم ابدًا وكما اخبرتنا ان صالح حين كان لديها لم يأتي بسيرتهم ابدًا
تنهد إدريس بحزن وقال : مع ذلك سأتحدث معها مساءًا مجددًا ربما تتذكر شيء قد يفيدنا .
ليقل عمي : ألم تقل أن الطفل خُطف قبل وصوله لجده ؟
-هكذا اخبرتنا ناهد وهذا ما حدث ذاتًا قبل سنوات حين علمنا ان باشا ارسل صالح الى جده وذهبنا الى تلك المنطقه ولم نجد الجد ولا صالح .
=سيكون خطفه بمكانين لا ثالث لهم ، أمّا بقرية مهريبان ،او بالطريق التي تؤدي اليها .
-قرية مهريبان تبعد عن منزل ناهد ساعات طويله ومئات الكيلومترات ، لو قلنا ان صالح خطف بالقريه ، كيف استطاع الهرب والوصول الى منزل ناهد ووحيد؟
=ربمّا من خطفه تنقل به ، وربما كما اخبرتك ، خطف بالطريق ، وإن أردنا البحث ، ف يجب تقسيمنا الى ثلاثة اقسام ، قسم يبحث في قرية مهريبان ، وقسم آخر يبحث بالقرى المؤديّة الى القريه والقرى المجاورة لقرية ناهد وقريتها .
-إننا نبحث عن إبرة وسط كومة قش ، الطريق طويله جدًا والبحث فيها مستحيل تمامًا .
ليقل جومالي : ربما لو وصلنا الى وجهاء تلك القرى ، نستطيع أن نعلم عن العصابات التي تشتهر بخطف الآطفال .
=وعرفت اسماء العصابات ؟ ماذا بعد ؟ هل ستواجه عصابات تركيا ب اكملها جومالي ؟
-إن تطلب الأمر افعل .
=تفعل أجل واعلم هذا ، ولكن يجب ان تدرك أنك لم تعد تبحث عن طفل جومالي ، أخاك اصبح شابًا بطولك .
-ما الحل إذًا ، إنك تغلقها بوجهي من كل الجهات .
=أنا لأ اغلق شيء جومالي ، انا اتحدث بمنطقيه ، بدلًا من البحث بفوضى هنا وهناك ، وجب علينا البحث بطرق توصلنا الى نتيجه حقيقية
=ماذا سنفعل إذًا ؟
تنهد إدريس وقال : سأستعين بالشرطه ! .
-الشرطه؟
=بالنهايه هو سلكٌ وجهاز مترابط ممتد بكل انحاء الدوله ، سأطلب من المفوض مارت مساعدتي ، هم ذاتًا مسجل لديهم اغلب العصابات في تلك القرى ، ف مركز امن مدينتنا يستطيع التواصل مع جميع مراكز الأمن في البلد ، وهكذا يكون البحث عن اولادي منظمًا وبذات الوقت ذات فائدة ، لا نتبع وهمًا ولا اقاويل .
......
وفي مساء ذات اليوم ، حيث آحد مصانع جلال المهجورة نسبيًا بعدما هاجمتها الشرطه قبل سنوات ، في القبو ، يقف هناك فارتولو معطيًا ظهره لِكلا الرجلين المكبلين امامهُ ، منتظرًا استيقاظهم بعدما افقدهم وعيهم قبل أن يأتي بهم إلى هنا ، ول دواعي رآها تصب في مصلحة مارت من أجل حمايته ، فكان ملثمًا هذه المرة .
يناظر الجدار المهترئ وكأنه لوحة فنيه ، حتى سمع همهمة إحد الرجال خلفه ، ف التف وقال : إذًا استيقظت !
ثم تناول دلو الماء البارد وقال : حظك أفضل منه ، لم يكن الماء من نصيبك ف استيقظت لوحدك .
قبل ان يسكب الماء على الرجل الآخر ف شهق مذعورًا بينما آتى فارتولو ب إحدى المقاعد وجلس امامهم موجهًا السلاح نحوهم ليقل الرجل : من أنت ، ماذا تريد منّا ؟ ماذا تظن نفسك فاعلًا ، نحن في دولة قانون !
-ما قلته جميل، ولكن هل تذكرت الآن أننا في دولة قانون ؟
=ماذا يعني هذا ؟
-يعني يا حضرة مدير الميتم ، لم تتذكر أننا في دولة قانون حين تلاعبت ب احدى الملفات ؟
جحظ المدير عيناه وتبعثرت الحروف في فمه وقال بذات التردد: م-ماذا يعني هذا؟
ليخرج فارتولو مغلفًا من جيبه وقال : هذه النتيجه التي تطابق تحاليل مارت مع الطفل المدعو اوموت .
ثم اخرج مغلفًا اخر وأكمل : وهذه النتيجه آيضًا التي طلبت من أحد أثق به ان يقوم بها وخمن ماذا ؟ أجل تمامًا لم تتطابق مع الطفل اوموت ؟
ثم نهض من مكانه وقال بذات بروده: الغريب بالموضوع أن نسبة تطابق النتيجه بالتحليل الآول ١٠٠% ، ونسبة عدم تطابق النتيجه بالتحليل الثاني آيضًا ١٠٠% ..
ثم عاد وجلس مقعده وقال : تمام ربما انا جاهل .. وضحك واكمل : بالكاد أكملت الصف الثاني ، ولكن انت ايها الطبيب متعلم ! هل يمكنك أن تخبرني ، كيف تطابقت معك نتيجة التحليل ؟
ناظر الطبيب فارتولو وقال: انا ، انا لا اعرف ، لا أعرف شيئًا عما تقوله ، لقد احضروا الي العينات وقمت بالتحليل فقط .
=اممم ، ما هذا يا صاح ، انظر الى اي قرن وصلنّا وما زال العلم لم يتطور بشكل كافٍ ، ذات العينات اصدرت نتائج مختلفه ..
ثم تنهد وقال : طالما ان العلم لم يتطور بما فيه الكفايه ، ف لسنا بحاجة الى أطباء بهذه الكثره إذًا ، لنقلص العدد ،ومنه نفسح المجال للعقول الجديده كي تأخذ فرصتها .
ليتئتئ الطبيب بذات الهلع وقال : ماذا تقصد؟ ماذا ستفعل ؟
ليرفع فارتولو سلاحه بوجهه وقال: اخبرتك ، سأعطي مجالًا ليأخذ مكانك شخص أفضل ، يستطيع تطوير العلم .
ثم لقّم سلاحه وسحبه ثم ضغط على زناده ف أطلق على قدمّه وقال : ولكن لأعذبك قبلها ، لن تموت بسهوله .
بلّع المدير ريقه خوفًا بعدما شاهد ما حصل بالطبيب ، الذي يتلوى أمامه أرضًا وقد لاحظ فارتولو هذا ليقول : لا تخف سيأتيك الدور بعده
-أنا لم أفعل شيء ، انا حتى اعطيته الملف واخبرته انه ليس من المؤكد ان المعلومات هذه تعود له ، ايًّا كان ما حدث ف حصل التلاعب لدى المختبر .
لينهض الطبيب الذي يأن من فرط آلمه وقال وسط دموعه : إنه كاذب ، هو من آتي الي وطلب منّي تزوير النتيجه .
ضحك فارتولو وقال: جميل ، بدأت تتجاوب كما أريد .
ثم آلتف الى المدير الذي خطف لونه وقال : كاذب ، كاذب..
ليقل الطبيب : لقد بعتني ، لما سأحامي عنك أيها الوغد ، ثم ألتف الى فارتولو وقال : أقسم لك أن هذا ما حدث ، جاء وهددنّي إن لم أزوّر نتيجة التحليل ف سيقتلني ، أنا رجل بسيط لا حول لي ولا قوة اسعى وراء رزق عائلتي ، وقد وضع في يدي مبلغٌ من المال احتجته لعلاج والدتي ، وقبلته حين وجدت نفسي بكل الأحوال مجبورًا على تحقيق ما يريده قُلت على الأقل ، استطعت تدبير ثمن الدواء التي تحتاجه والدتي هذا الشهر 
-هل جميعكم لديكم عائلة تجبركم على ارتكاب الاخطاء من اجلها ، تمنيت ولو لمره أن أحضر أحدًا ولا يخبرني أنه فعلها من أجل عائلته التي تحتاج المال ، ولم عساي أن اصدق ؟ قصص تقليديه لعينه .
-يمكنك السؤال ، حتى يمكنني أحضار تحاليل والدتي التي تثبت مرضها ، ويمكنك أيضًا مراجعة كاميرات المراقبة في غرفتي حينما اتى المدير ووضع سلاحه على رأسي ، لقد حذفت المشاهد ولكن ابقيتها على هاتفي تحسبًا ، قلت اهدده وما شابه واخذ منه المزيد من المال كونه حاول قتلي .
ليضحك فارتولو بسخريه وقال: اتضح آنك مكّار ايها الطبيب .
ليبكي الأخر وقال: حين تكون لك عائلة ، ستفعل المستحيل من اجلها ، لا أريد أن افقد والدتي ، ليس لدي سواها .
قلب فارتولو عيناه بعدم اهتمام ثم اخرج هاتف الطبيب وشاهد الفيديو ثم قلب الشاشه نحو مدير الميتم وقال : أخبرتني اذا انه كاذب !
هل اعاقبك على فسادك آيها المدير أم بكذبك على مارت ، ام بتهديدك للناس ، أم بكذبك علي الآن ، لقد زادت تُهمك وانا لا اسامح .
ليبكي المدير متوسلًا مسامحته وقال : لا أعرف مارت ولا توجد هناك علاقة تجمعنا ، جاء أحدهم وطلب منّي أن اقوم بهذا العمل .
-هل والدتك أنت أيضًا مريضه ؟
ناظره المدير وقد عقد لسانه ليقل فارتولو : لا انت فاسد دون داعي ، تعبد المال فقط .
ليبكي الطبيب وقال : سأخبرك بمن طلب مني ولكن ارجوك لتسامحني .
-انا لا اسامح ولكنك ستخبرني شئت ام آبيت ، هذا ما سأصل اليه ذاتًا ، من طلب منك فعل هذا ؟
=كيف سأضمن آنك لن تؤذيني ان اخبرتك .
ليرفع فارتولو سلاحه مسرعًا واطلق على كلا قدميه وقال : انا لا اساوم .
لتتعالى اصوات كل من الطبيب والمدير ليقل فارتولو ب انزعاج : اصمتوا ، اوجعتم رأسي بنحيبكم .
ثم اقترب من الطبيب وقال : عادةً انا لا اسامح ولكنني لم اجد ذنبك يستحق الموت هذه المره ، او لنقل مؤسف على والدتك ، قد لا تجد العلاج مرة أخرى ف تركتك من أجلها ، وتركتك بعملك ايضًا أيها الطبيب الأعرج. 
قبل أن يخرج ابرة وحقنها ب رقبته افقدته وعيّه .
تحت انظار المدير الذي قال : ماذا تفعل انت ؟
-انا هنا من اطرح الاسئله ، إذًا من طلب منك تزوير النتائج ؟
=لما افقدت الطبيب وعيه ؟
-اخبرتك انا هنا من يطرح الاسئلة ولكن لأرضي فضولك ، افقدته وعيه لأنني عفوت عنه ولا اريده ان يسمع او يرى بقيّة حديثنا ، او ما سأفعل بك بعدها. 
هيا لأرى من طلب منك ؟
ليتنهد المدير حين فقد الامل من الذي امامه وقال : جلال .
..........
في مطعم الكباب ، بمكتب جلال تحديدًا ، دخل فارتولو ببرود وجلس على المقعد الذي امامه ليبتسم جلال وقال مرحبًا بولده: أهلًا يا بني ، اي رياح رمتك إلينا .
ليخرج فارتولو كيسًا من جيبه ثم وضعه امام جلال ، ليقل الاخر متعجبًا : ما هذا ؟
-أفتحه و سترى
فتح جلال الكيس ، ثم أغمض عيناه غاضبًا وقال : لا تحضر هذه القاذورات إِلَّي .
-حين ينفعك يكون جيدًا وحين لا ينفعك تصبح قاذورات .
=لمن يعود هذا اللسان؟
-لأحد الكاذبين ، ربما الفاسدين .
=وهل أصبحت الرجل الخارق محقق العداله؟
-ابدًا ، تخليت تمامًا عن تحقيق العداله في عالم تختلف موازينه مثل هذا ، عالم حالك اسود ظالم ، يكفي ان لا يمسني اذاه فقط ، لا يمسني ولا يمس اخي .
=هل ستتوقف عن الحديث بالآلغاز وتخبرني لمن يعود هذا؟ ولما فعلته ! لم أطلب منك شيئًا كهذا ، واخبرتك انك ستتوقف عن العمل دون الرجوع إلي .
-لأخبرك اذًا ، يعود لمدير الميتم، الذي رشيته وطلبت منه أن يحضر صورة طفل يشابه مارت وتأكدت ان الطفل لا عائلة له كي ينسى مارت هذا الموضوع تمامًا ولا يعاود البحث مجددًا .
عقد جلال حاجبيه غاضبًا وقد اتضح على معالمه ليكمل فارتولو : ذاك الفتى ، الذي يدعى اوموت يلماز ، لقد توفي في حادثة الحريق التي حصلت بالميتم قبل سنوات وتأكدت انا من هذا .
=إذًا ماذا تريد ؟
-اي انك توافق على قول المدير ؟
=حين أفعل شيئًا لن ابرر لأي احد .
-ستبرر ، حين يتعلق الموضوع ب أخي ستكون مضطرًا ان تبرر وتقدم لي الحساب .
ليصرخ به جلال قائلًا : إلزم حدك وأعرف من امامك ، انا جلال ، أقتلك ولا يرِّف لي جفن .
لينهض فارتولو من مكانه وقال بذات الغضب: أقتلني ، كم مره مت أنا ذاتًا ، جئت وقدمت روحي على طبق من فِضة ، مت الف مرة ومرة ، ولكن حين يتعلق الموضوع ب اخي ، لا اسمح لك .
-من أنت يا هذا حتى اخذ أذنك ؟ انا فعلت ما وجدته صائبًا ، ما يصب بمصلحة ولدي .
ليضحك فارتولو ثم اكمل : فعلت ما يصب بمصلحتك ، اردت ان تغلق هذا الموضوع لدى مارت ، ولكن انا لا اسمح لك ، لا أسمح ب اذية أخي ، أحرق هذه الدنيا ، أحرقها ولا أهتم حتى إن تعلق الموضوع فيه .
-أيها المغفل ، كم بحثنا ؟ لم يبقى مكان لم نبحث فيه ولكن لا أثر لعائلته ، هل جيدًا ما حدث أخر مره ؟ هل جيد بسبب اوهامه أصبح يلقي بنفسه هنا وهناك وسط الآذى فقط من أجل ان يعرف من هي عائلته ؟ هل جيد ما حدث بينكم ؟ بسبب اوهام تبعها افقدته صوابه .
-ما حدث بيني وبين مارت يبقى بيننا، نستطيع حلّه ، إن عَلِّم مارت أن ما حدث كان كذبًا سيتدمّر ، لقد أقتنع انه اوموت ، اراد ان يبحث عن قبر والديه ، هل هكذا تحميه ؟ بجعله يعيش حقيقته التي بحث عنها طوال عمره ك كذبه صنعتها أنت ، لا اسمح لك ، لا اسمح أن يجرح قلب اخي ولو بمقدار ذرة.
-انت لا تفهم ! لا تفهم ، هل تعلم معنى أننا لم نجد عائلته إلى الآن؟ هذا يعني أنه مجهول النسب !
=وهذا ليس مبرر أن تجعله يعيش هذه الكذبه ، وإن مجهول النسب هذا امرٌ اعتدنا عليه يا حضرة بائع الكباب ! إنه إحدى الخيارات التي عشناها طوال عمرنا ، ليس مبررًا لتكذب عليه مثل هكذا ! .
لتحتد نبرة جلال وقال: أنا لا اطلب منك ، انا اؤمرك ، لن تخبر مارت ب اي شيء ، انتهت القصه هنا .
ليرمي فارتولو ب اغراض المكتب ارضًا وصرخ ب جلال قائلًا : أنا لا أحد يلقي علي الأوامر يا أبي حتى أنني سأخبره الآن بابا ، أخبرتك من قبل إن اردت روحي خذها ، ولكن مارت لن تقترب منه ولن تدخله بهذا العمل ، الآن اقول لك انتهى ! .
وخرج من هناك مسرعًا تاركًا جلال خلفه يصرخ بغضب مناديًا ب اسمه دون رد من الأخر ، الذي توجه الى منزل مارت بذات السرعه والغضب ، ودخل المنزل لينهض مارت الذي تتضح عليه علامات البكاء وقال : آبي ما حالك ؟ ماذا يحدث؟
ليقل فارتولو: كله كذب !
-آبي ماذا يحدث ؟ هل وجدت القبر !
ليغضب فارتولو وقال: لا يوجد قبر وما شابه ، أنت لست اوموت ، لقد زورّوا التحاليل .
ليجحظ مارت عيناه بصدمه واخذ شهيقًا عجز عن اخراجه ، وتبعثرت الحروف بجوفه حتى قال: ماذا ؟
.......
في منتصف الليل ، حيث تدق الساعه الواحده ليلًا ، في الحفره ، حيث عجز إدريس عن النوم بعدما جافاه وخاصه بعد الاحداث الآخيره والأمل الذي مُد به بعيش ابناؤه ، لينهض من سريره حين شعر ب جدران الغرفه تطبق على صدره وارتدى ملابسه ثم خرج من المنزل ، وحقيقة الآمر لا يعرف الى اين ، تجول في الحفره ب اكملها دون وعي منه ، حتى توقف حين آدرك مكانه ، ف رفع رأسه متنهدًا ليجد نفسه مقابل بوابة مقبرة الحفره ، سقطت دمعته ليمسحها مسرعًا ثم أكمل طريقه للداخل ، حيث قبر حبيبته التي ارادها وارادته ولكن القدر لم يجمعهم سويًا ، ليصدم حين رآى أحدًا يقف بجانب القبر ، ليقل بصدمه : أنت ؟ ماذا تفعل هنا !

.........
رأيكم يهمني ❤😊🫂

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 04 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

سَرْمَديّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن