كان يمسك بهاتفه الخلوي، يستمع بغضبٍ حارق إلى تلك الكلمات التي أشعلت داخله، ثم صاح بانفعال :
- لأ يعني لأ يا داوود مش هرجع للقرف دا تاني بعد ما ربنا هداني وسبته، يكفي إني لغاية دلوقتي ندمان وضميري مأنبني، ومتحاولش تفتح معايا الموضوع دا تاني، وأتمنى ترجع عن الطريق دا يا صاحبي عشان أخرته هلاك.
أنهى الإتصال بوجهٍ موجوع لما اقترفه بحق الأبرياء، يا ليت الزمان يعود لَمْ يكن ليفعل ما فعل وانجرف خلف شيطانه، ها هو قد أفاق من غلفته ولكن بعد ماذا بعد أن أهدر الكثير من دماء الأبرياء، فـ بماذا يفيد البكاء على اللبن المسكوب، قاطع تفكيره المؤلم هو رؤية ابنته نيچار صاحبة الاثني عشر عامًا جاحظة العينين وبملامح شاحبة هرول إليها مسرعًا وسألها بفزع من شكلها:
- نيچار مالك يا حبيبتي واقفة كدا ليه، أنت كويسة؟ حد عملك حاجه.
بينما الأخرى كانت تشعر بالهلع، فكيف تخبر أبيها بأن هناك من يمسك قدمها، وتشعر بحوافره الطويلة تلتف حولها ناهيك عن الهمس المرعب الذي تسمعه يتررد بأذنها، وإذا أخبرت أبيها فبالتأكيد لن يصدقها _حسب اعتقادها_ قالت بنبرة خرجت مرتعشة رغمًا عنها :
- حاسه إن دايخة وجالي شد عضل في رجلي ومش قادرة أتحرك.
رمقها باستنكار لعدم تصديقه لحديثها، ومع ذلك غمم بهدوء:
- طب تعالي أشيلك لغاية أوضتك وارتاحي وبكرا إن شاء الله تبقي كويسة.
حملها صوب غرفتها، ومددها على فراشها طابعًا قبلة حنونة على جبهتها، وتحرك نحو الإضاءة ليغلقها وأغلق الباب بهدوء؛ كي لا تفزع صغيرته، وما أن سمعت صوت غلق الباب، ارتعش جسدها مجددًا وهي تسمع لذلك الفحيح المرعب :
- اووه انظروا لتلك الصغيرة الخائفة، لا تحاولي الهرب فمصيرك مثل مصير الذين قُتِلوا ظلمًا، رغم إنك لستِ مذنبة لكنه خطأ والدك يا صغيرة؛ لذا أنت هي الضحية القادمة.
ختم حديثه بضحكةٍ مرعبةٍ، وعم الصمت لدقائق، فتحت فيها نيچار عينيها_ظنًا منها أنه رحل_ لكن صرخت بفزع، حين أبصرت وجهٍ مرعب لونه شديد السواد به ثلاثة أعين وقرون كبيرة وأنيابٍ حادة ظهرت من خلف ابتسامته المقززة، رمقها بغلٍ قائلًا :
- بدأ العد التنازلي تيك تاك تيك تاك.
ثم اختفى وكأنه لم يكن موجود بالأساس، ظلت هي تحدق بأثره بجسدٍ خائفٍ لثوانٍ قبل أن تنفجر في بكاءٍ مرير.
في مكانٍ آخر حيث اجتمع العديد من الأشخاص معدومي الضمير والإنسانية، وهم يتحدثون حول الضحية القادمة، والتي ستكون قربانًا للشيطان قد يرضى عنهم، تحدث أحد منهم وهو يرمق تلك الصورة المعلقة على الحائط بغموض :
- الضحية هتكون بنت قصي الدين، عشان غلط غلطة عمره لما فكر يبيع ولائه للشيطان وقال ايه تاب، فالبتالي عشان نثبت احنا وفائنا للشيطان وإن عمرنا ما هنبيعه زي قصي الدين، طلب إننا تقتل بنته بأبشع الطرق كقربان ليه، وعشان يعمل لنا فيها شيخ تاني قولت له وحذرته من البداية الطريق دا اللي يدخله مفيهوش رجوع، عشان الشياطين مش هترحمهم بس هو غبي يستحمل بقى نتيجة غبائه، واللي هتدفع التمن هي بنته بكرا هتكون عبارة عن جثة.
ثم ابتسم بخبثٍ وهو بفكر في أشد الطرق بشاعة؛ كي يقتل بها ابنته الحبيبة.
وعند المسكينة نيچار ،والتي إذا نظرت إليه ستجد أنها لم تنم جيدًا، وكيف يزورها النوم وقد رأت أبشع وجه قد يراه انسانٍ بحياته، وقفت أمام المرآة؛ كي تمشط خصلاتها، لكن اصفر وجهها فجأة وهي تشعر بنفس المخالب، ولكن تعبث في ظهرها هذه المرة ونفس الفحيح، ناهيك عن تلك العيون السوداء الموجودة في المرآة، بل والأدهى تلك الكلمة التي كتبت بخطٍ كبير، ارتعش جسدها مجددًا ونزلت دموعها مش شدة الخوف ولا تعلم أين ومتى كتبت تلك الكلمة والتي لم تكن سوى (الـــنــهـــايـة).
لم تحتمل كل ذلك الضغط، وسقطت مغشى عليها، ولم تشعر بذلك الذي يدخل غرفتها مستغلًا وجود أبيها بالعمل، ظل ينظر لها بابتسامةٍ كريهة :
- خسارة الجمال دا يروح كدا، بس نعمل ايه بقى في غباء أبوك.
حملها متجهًا بها نحو مقرهم والذين يفعلون به كل ما حرمه الله؛ كي يرضى عنهم الشيطان اللعين.
بعد قليل فتحت تلك المسكينة المقيدة عينيها، وياليتها لم تفعل فقد رأيت ما جعل عينيها تجحظ وجسدها يرتجف بشدة، وتصيبها رغبةً عارمة في التقيأ من بشاعة ما رأته، العديد من الأشخاص المتشحين بالسواد يرددون بعض الكلمات الغريبة ومحاطة بالعديد من الشموع، ليس هذا فقط بل والأبشع رؤيتها لكائن ضخم البنية جسده مشتعل بالنيران، عيناه مزيج من اللونين الأسود والأحمر يجلس على مقعدٍ كبير، وهناك العديد من الأشخاص يسجدون له.
حدثت حالها بارتجافٍ بعد أن أغمضت عينيها من بشاعة ما رأته :
- ألا يخشون الله؟! الويل لهم كيف لهم أن يبيعوا جسدهم للشيطان، وكيـ...
قاطع تفكيرها صوت خطوات تقترب منها، فتحت عينيها بخوف وهي ترى شخص ملثم بيده سيف كبير، وينظر لها بطريقة مرعبة وفي ثوانٍ قليلة رفع بها سيفه واجتز عنقها دون أن يرأف بحالها، وكونها لا زالت صغيرة ودون أي خوف من عقاب الله، وكما أمره ذلك الشيطان اللعين ذهب بجثتها نحو منزلها ووضعها على فراشها، ولم يكتفوا بقطع رأسها فقط بل قطعوا جميع أطرافها، ووضع كل جزءٍ منها على الفراش.
وقبل أن يغادر وضع بجوارها ورقة مكتوب بها بدماء ابنته التي أسيلت( هذا جزاء من يخون الشيطان).
بعد نصف ساعة من رحيله، دخل أبيها للمنزل ومعه العديد من الحلوى التي تفضلها ابنته الجميلة، ظل ينادي عليها، وعندما لم يجد رد دلف لغرفتها باتسامة واسعة، زالت فور رؤيته لمنظر ابنته الذي أصابه في مقتل نزلت دموعه بحسرة ووجع وتحدث بنبرةٍ مهزوزة :
- نيچار لأ.
سقط أرضًا بجوار جثتها ورفع رأسه لأعلى وهو يصرخ بقهرٍ :
- نـــيـــچـــار اه يا رب أنا عارف إني عملت حاجات كتير غلط وقتلت بنات كتير، وحسرت أمهات وأباء على ولادهم بس والله ندمت وتوبت، كنت جاهز ومستعد لأي عقاب بس بعيد عنها أنا اللي غلطت ليه هي تدفع تمن غلطاتي لـــيـــه.
انفجر في بكاءٍ عنيف وهو يرى جثة ابنته الجميلة، ظل يبكي ويصرخ بوجع وكسرة، وقد أدرك شيء ولكن بعد فوات الأوان أن " كل ساقٍ سيُسقى بما سقى " وكما قيل افعل يا ابن آدم كما شئت فكما تدين تدان.
تمت.
خديجة محمد