«الفَصْلُ الثَّانِيُّ»

169 26 93
                                    





تلاشى الصوت، لكن لا يزال أمره غريبًا. أيُهلوس المرء إذا أُصيب بارتجاج في المخ؟ أغمضتُ عينيّ لأن رؤيتي ضبابية على أي حال.

«هل أنتِ بخير الآن، ماليكا؟ ما الذي أصابكِ؟ »أشعر بالحزن ربما لأن هذا الرجل الذي لا تربطني به أي علاقة بيولوجية قلق عليَّ كما لم يفعل أحد من قبل. أهذا ما يدعوه الناس بالشعور بالعاطفة؟ يا أيها الشعور الغير مألوف، عانق روحي حتى ترتوي.

«أنا بخير، أستاذ ريڤين. »أجبتُ على نصف سؤاله، ربما لأنني لا أعلم إجابة النصف الآخر. أو أعلم؟

عبس الأستاذ قليلًا على الأرجح لأنه أدرك إجابتي غير المكتملة. رفع يده اليمنى ووضعها على جبيني يتفحص درجة حرارتي، لكنني وبشكل لا إرادي تراجعتُ إلى الخلف. جحظت عينانا في مواجهة بعضهما. هو أدرك شيئًا، وأنا صدمتُ من ردي.

طأطأت رأسي، شعرتُ بالخجل الشديد والعار، لكنه لم يتوقف. رفع يده اليمنى مرة أخرى، لكن ببطء هذه المرة، وكأنه يستأذن مني ويطمئنني بأن هذه اليد لن تضربني. ابتلعت ريقي، شعرتُ بأن خجلي ازداد، يده التي ارتفعت مجددًا ربتت علي هذه المرة ومسحت على جبيني.

وما علمتُ قط ما هذا الشعور. انتابتني الرغبة الشديدة في البكاء والشكوى، وكأنني استحضرت ذكرياتي ولم أستطع مقاومة هذه الرغبة فبكيت. لم أعلم قط أنه يمكنني البكاء بهذا القدر. وهو يربت على رأسي بهدوء بكفه الدافئ الذي غطى جبيني. بكيتُ بكاء الضعيف، ولم آبه هذه المرة بكبرياء ولا قوة. احتضنتُ ضعفي وبكيت. ولعل بكائي كان مرتفعًا، لأني لم أنتبه للأستاذ ريڤين وهو يبكي معي. لكنه يبكي بصمت كأنه يخشى أن أدركه. رجل ضخم مثله يحمل عبوسًا على وجهه وعينيه الخضراوين تبكيان بصمت.

وأنا صمتُّ أيضًا وانتابني القرف من ضعفي مسحت دموعي بأطراف أناملي.

«متى أستطيع الخروج من المستشفى؟»سألته. 
«حينما تريدين» أجابني الأستاذ ريڤين.

همهمت «أريد أن أخرج الآن، يجب علي الذهاب إلى المنزل » وهنا يختبر المرء شعور أن يذهب لقاتليه بقدميه، ويذهب لقبره بنفسه. مسمى الحرية هنا هو قيد يوضع على كاحل المرء، وحريته هي عدد الخطوات التي يريد أن يخطوها، لكن القيد هو من يحدد الاتجاه والحد الأقصى والحد الأدنى. أنت مقيد بينما تظن نفسك طليقًا.

رأيت نظرات ريڤين لي. حدق بي، لا أعلم ما تعنيه نظراته، لكنه هز رأسه ثم ذهب ليكمل إجراءات المستشفى. وها أنا هنا، أفكاري تكاد تهلكني. لولا عقلي هذا ربما كنت لأكون سعيدة حقًا، لكن كيف لي أن أكون سعيدة ولي عقل واعٍ يدرك ما يحدث جيدًا؟

الزاوية الحمراء لعقلي هي العذاب الذي أتمناه لأعدائي. هنا حيث يُقلب الحدث السعيد تعيسًا، والشخص الجيد إلى شخص مشكوك فيه. هنا حيث لا سلام ولا أمان، وهذا عذابي الأعظم.

مَـالـيِـسْـتــوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن