«الفَصْلُ الرَّابِعُ»

140 19 109
                                    



رفع رأسه ليتناسب مع قامته مجددًا، ثم نظر إليَّ بنظرة متعالية من أطراف عينيه السفلية.
رفعتُ رأسي نحوه وشكوت:
«بأيِّ حقٍّ تحاكمني؟ أنا لم أتيتُ هنا عن عمدٍ! وأنت لستَ ملكًا عليَّ!»
رفعت زوايا شفتَيْه بابتسامة صغيرة. «أوَ تستطيعين منعي؟»
تحدَّاني، فلم أُجِب. ابتلعتُ ريقي. كلا، لا أستطيع منعه. كيف سأمنعه من فعل ما يريد وهو الملك هنا؟ إن كان خصمي الملك، فمن سينصفي؟

«أعِدني إلى عالمي، وسأبقي كل شيء سرًا وإن لم أفعل لن يصدقني أحد على أيِّ حال.» ساومته ، إحتدت عيناه ورمقني. «لن تعودي، بشرية.»

لحظة إدراك مميتة. لماذا يناديني بـ "بشرية" طوال الوقت؟ هل يعني ذلك أنه ليس بشريًا؟ تفحصته بنظري. حسنًا، رأس واحد، عينان، أذنان، فم، أنف، كتفان، يدان، ساقان. لا يبدو غير اعتيادي من ناحية البنية، باستثناء طول قامته.
ربما يكون مصاص دماء إن لم يكن بشريًا، أو مستذئبًا بهيئة بشرية، أو ساحرًا. عقد حاجبيه ثم دنى عليَّ و همس: «لدى البشر مخٌّ أحمق؟»
عقدتُ حاجبيّ ونظرتُ إليه. «أنتَ أيضًا بشري.»
هذه الجملة ترتبط بلعنة ما. حالما قلتُها، حدث هدر مرعب زلزل القاعة وزلزلني أيضًا. اقترب جسدي من جسد الملك، ثم أمسكتُ بعباءته. بغير وعي، وجدتُ يدي ممسكةً بعباءته، وجسدي اقترب خطوةً منه نتيجة الرعب. فقدتُ عقلي.

ما بين ما عليَّ إدراكه وما أراه وما أفعله، أحتاج سبعين عامًا لأرتاح بها. جُحِظت عيناي، ثم تراجعتُ للوراء وكتفتُ يديَّ خلف ظهري. هذه اليد عليها أن تُقطع.

«هدوء» همس الملك الذي أصبحت عيناه باللون البنفسجي تمامًا كما التقينا. اختفى الصوت. حدقتُ أفحص القاعة من أين يأتي الصراخ؟ لا أحد سواي أنا والملك، حتى المرأة الغريبة غير موجودة!

يحملق بي الملك. عيناه تتغير ألوانها، النتيجة غير بشري.

والأصوات التي سمعتها على الأرجح لغير البشر. ولأول مرة في حياتي، اشتقتُ إلى وجود بعض البشر حولي بدلاً من وضعي المزري هذا.
تراجعتُ خطوةً أخرى بغير عمدٍ مني. أشعر بالضعف في جسدي، قدماي ترتجفان. هذا ليس حلمًا، وأنا لست في الجنة، أنا في الجحيم.

أنا على وشك أن أبكي خوفًا هنا، والملك أمامي يحملق بي بعينيه الواسعتين ذاتي اللون البنفسجي، ورموشه تشبه المراوح المصنوعة من الريش.
شعره الناعم يجعلني أشعر بالغيرة، لكن خوفي أكبر من غيرتي، وهو أجمل من كلاهما. ارتفعت شفتاه بابتسامة، ثم خطى نحوي ببطء، خطوةً تلو الأخرى، يتربص بي كما يتربص الكلب البري للغزالة.

ولأجل الصراحة، هو أشبه بالغزالة والكلب إذا تزاوجا. عينيه تشبه الغزالة وبنيته تشبه الكلب.
توقفت خطواته ثم حدق بي بهدوء دون أن ينبس ببنت شفة، كما يمثل التمساح إنه نائم ليفترس البطة المسكينة.

أنا أشعر بالندم..
وأنا أعرف حلًّا واحدًا للندم.

أدرتُ جسدي وجريتُ بسرعة مرتعشة بسبب الخوف الذي انتابني. أعلم أن لا مكان لي لا في هذا العالم ولا في أي عالم آخر. إلى أين أذهب وإلى من ألجأ؟
توقفت ساقاي وثبتت في الأرض واقفة، ظهري محني، طأطأت رأسي أحدق بالأرض. هذا العالم ليس مكاني، لكن أين مكاني على أي حال؟ أسوأ ما قد يحدث هنا سيحدث أيضًا هناك.
في كل مرة يؤذيني بها العالم، لا أعلم إلى أين أهرب. أيعقل أن يكون هناك شخص بالغ مثلي لا يمتلك مكانًا واحدًا حتى يستطيع أن يطلق عليه اسم موطن؟

مَـالـيِـسْـتــوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن