.. تبدلت الأمور ..
أنا الفريدة من نوعي، لأجلي صنع الاستثناء، كياني وسام للتميز لا يضاهى وجودي اثنان.
هكذا ترددت الكلمات بصداها بداخل عقلها حين طلب أحدهم منها البقاء.
التفت بنوع من الفضول لتجده هو صاحب الوحل، أوقفها أولًا، ثم همس بأذن أكبرهم مقامًا، يبدو أنه صاحب الكلمة العليا.
فاجئها قرارهم بقبولها بالعمل..
- تمام يا ريحانة، من بكرة تجي تستلمي شغلك هنا في المكتب.
نظرت نحو عمار نظرة مطولة تتمنى لو تعلم بما همس لذاك الرجل، لكن لا يهمها، إنها ستعمل الآن بتلك الشركة الكبيرة لتومئ بجدية أظهرتها بصعوبة قبل خروجها.
اتخذت طريقها راكضة بحماس نحو الأسفل، لا تدري لمَ أسرعت نحو موفق تزف إليه خبر قبولها بالعمل.
ليتها تعلم أن السعادة كان يحظى بها هو، فبالتأكيد عملها هنا سيقربه منها بشكل كبير.
طريقتها المميزة ولسانها اللاذع كانا سببًا بلفت انتباه عمار، الذي أراد وجودها بقربه، وهذا سبب طلبه من والده الموافقة على تعيينها بالشركة.
بدأ عملها بالشركة من اليوم التالي ومر قرابة الستة أشهر تبدلت بهم أمور عدة.موجة من السعادة يخلقها وجودها، فهي أيقونة للتفاؤل والمرح، تولت بوجودها احتكار البهجة؛ لتحتل القلوب جميعها دون منازع.
فمن يقدر على التصدي لكل تلك الجاذبية المفعمة، هي متعة الحياة بحد ذاتها.
ستة أشهر اكتسحت قلوب مالك الشركة وابنه أيضًا، هذا المتعجرف الذي تعلق بحبال الهوى بعد أن تلقى تهكمها اللاذع، ظن أنه سيعاقبها بوجودها معه بالشركة، لكن العقاب كان من نصيبه هو؛ فلقد قابلت عشقه بتصدي، فلم يجذبها هذا الأرعن ابن أبيه.
موفق كان اسمًا وفعلًا، لقد كان موفقًا حقًا، فخلال تلك الشهور الطويلة ولقائه معها بشكل يومي استطاع جذبها تجاهه؛ لتجده شاب قوي ذو شخصية متفردة، متحملًا للمسؤولية باقتدار وخشونة.
ذلك الأمر الذي تفتقده من زمن بعيد، فهل هناك من تتوق نفسه للخشونة والقوة؛ لقد رأت تلك القوة بوالدتها فقط، كانت تتمنى ظل رجل قوي كما سَمِعت الكثير يتحدث به، لم تشعر يومًا بمثل هذا الظل.
كم أرادت أن تحظى بكنف رجل يحميها، جدار صلد تشعر معه بما افتقدته بسنوات عمرها -الأمان- يقع خلفه قلب عطوف تتوارى بين جناحيه برفق من قسوة الحياة.
تمثل ذلك بهذا الموفق الذي أنساها أيمن ببراعة، محاه تمامًا من وجوده بقلبها وحياتها، لكن الأمر ينقصه شيء واحد.
شجاعة الاعتراف، فحتى الآن لم يخبرها بمشاعره تجاهها، وهي بدورها تنتظر خطوته الأولى التي تأخرت كثيرًا.
لقاء تنتظره بشوق وتلهف، لقاء مؤجل إلى أن يتحلى بشجاعة الاعتراف بلوعة قلبه وعشقه المتيم.
دقت الساعة الرابعة وتوقف العمل باستراحة قصيرة كالعادة يُلتقط بها الأنفاس قبل استئناف العمل من جديد.
وقف عمار بتذمر وضيق حين تطلع نحو مكتبها ولم يجدها كالعادة، فهي تختفي تمامًا بوقت الراحة المستقطع ولا يدري أحد إلى أين تذهب؟!
-نفسي بس أعرف بتروح فين كل يوم دي، مش معقول كده مش عارف أوصل لها أبدًا.
عاد بخطوات منفعلة لمكتبه، فلم يكن الحظ حليفه معها مطلقًا، لكنه كان حليف صاحب اللقاء اليومي معها، لقاء متجدد حول طاولة طعام بمطعم صغير يتناسب مع إمكانياتهم وحياتهم، فكم يتشابهان؟!
جلس موفق برفقة خوخة التي كانت تتلذذ بطعم شطائرها البسيطة
-مفيش مرة تجربي أي سندوتشات تانية، كله فول..
ابتلعت لقمتها وهي تجيبه برضا:
-من فات قديمه تاه، وأنا مبفوتش قديمي، أنا عايشة عيشة أهلي، أنا متعودة على الكحرته دى، أنا مش بتاعة برجر وسوسيس، بلاش مياعة.
أينتهزها فرصة للتحدث أم ينتظر أي إشارة بعد، ليُلقي ببعض الكلمات كاختبار فقط.
-ده أمه دعياله بقى، ده أنتِ موفرة جدًا.
رفعت حاجبها تحثه على التقدم ولو بخطوة واحدة:
- بس هو فين؟! أحسن وربنا أمه شوية وحتدعي عليه.
سهم بعينيها الخضراوين اللتين يضجان بحيوية وحياة طغت على حياته من دونها، أراد البوح بعشقه المكتوم بصدره منذ سنوات، عشق لم يصرح به حتى لنفسه، فقد كانت مرتبطة بغيره، حبًا زلزل قلبه وفاض به دون أن تدري هي عنه.
نظراته المتيمة أربكتها للغاية؛ لتتحجر حنجرتها وتتوقف عن البلع، حاولت الهروب بعينيها فكم كان لهذا اللقاء من رجفة أطاحت بقلبها الصغير وقد ظنت أنها قادرة على تلك المواجهة.
همساته باسمها حين طالبها بالنظر إليه جعلها تهيم بواقع كالخيال:
-خوخة.
تطلعت به بقلب منتفض لقد أوشكت على فقدان الوعي حين استكمل بحالمية لا تتناسب مع طبيعة المكان الجالسان به:
-بحبك يا خوخة.
هل هذا قلبها الذي يصرخ بقوة؟!هل هذا قلبها الذي تعالت ضرباته؟! لم تشعر بأنها إنسانة أخرى، ليست تلك الساخرة المازحة.
شعرت بالسعادة والخجل معًا، ببطء متردد رُسِمَت بسمة فوق شفاهها قائلة بنفاذ صبر:
-أخيرًا يا ابن أم عطا، إيه التقل ده كله!
تهدجت أنفاسه بسعادة فلم يكن يتوقع أنها كانت تنتظر اعترافه، أيعقل هذا، هل تبادله أيضًا تلك المشاعر؟!
-لو أعرف كنت قلتها لك من يوم ما شفتك عند الشركة، بس كنت خايف.
بتهكم لتأخره كل هذا الوقت أردفت خوخة:
-خايف ليه يا أخويا؟ بتحب أمنا الغولة، إخلص حتجيب حماتي وتيجي تقابل أمي امتى؟!
انفرجت أساريره قائلًا بسعادة:
- النهارده، وربنا ما أنا سايبك تروحي مني تاني يا ريحانة.
تجهم وجهها بقوة وهي تميل بأذنها تجاهه باستياء قائلة:
-نعم، إيه اللي سمعته ده؟! قال ريحانة قال! لو سمعتك بتناديني كده تاني، انسى مفيش جواز بطلت.
-لا، أنا ما صدقت، خلاص خوخة وبس، الحلوة خوخة.
ابتسمت بشقاوة لتنتفض بفزع:
-البريك خلص، حتهزأ، يلا بينا، يلا بيكو، باي.
حملت حقيبتها الصغيرة لتغادر بخطوات مسرعة لتعود للشركة لاستئناف العمل.بقلمي : قوت القلوب (Rasha Romia)
التدقيق اللغوي: مروة القباني
![](https://img.wattpad.com/cover/369766009-288-k769469.jpg)
أنت تقرأ
الحلوة خوخة «وهل إقترفت إثمًا أنني بنت الخياطة»
Romanceقصة قصيرة بقلمي قوت القلوب ( رشا روميه) ، مشاركتي بإحتفالية تأسيس دار قطرة حبر ، القصة موجودة بمدونة صفحة الدار وعلى صفحتي الخاصة على الفيس بوك ، لا أسمح بنقلها أو نشرها دون إذن مسبق مني لذلك ، القصة بقلمي تدقيق لغوي ا/ مروة القباني الغلاف والموك أ...