حادث الخير

29 8 2
                                    

في أحد الأيام، كان طه يسير على الطريق متكئًا على صديقه الذي يساعده على المرور. فجأة، سقط هاتف صديقه على الأرض، فانحنى ليلتقطه، تاركًا طه وحده للحظات قصيرة. شعر طه بالاضطراب، ظن أن صديقه قد تخلى عنه، واستمر في المشي بمفرده. في تلك اللحظة، كانت هناك سيارة مسرعة تقترب منه ولم تستطع تفاديه، ليحدث حادث مروع تصدم فيه السيارة طه .

في تلك اللحظة، كان سائق السيارة دكتور وليد، طبيب عيون معروف بمهارته. عندما أدرك أنه صدم طه، شعر بذهول كبير ونزل من سيارته ليتحقق من حالة طه الذي كان وجهه ينزف والناس حوله في حالة من القلق. قام دكتور وليد بإدخال طه في سيارته مسرعًا نحو المستشفى .

أثناء الطريق، بدأ طه يهذي ببعض الكلمات، متمنياً لو كان بإمكانه الرؤية، مما جعله يشعر بأنه غير مضطر لقبول شفقة الآخرين. لم تكن هذه المرة الأولى التي يعبر فيها عن هذه الأمنية، لكن هذه المرة، كان من يسمعه طبيبًا ذا خبرة وفهم. تأثر دكتور وليد بكلمات طه وقرر أن يكون هدفه مساعدة طه في تحقيق حلمه برؤية العالم لأول مرة .

ذهب طه إلى المستشفى بسرعة تحت رعاية دكتور وليد، وعندما وصلوا، استقبلهم فريق من الأطباء والممرضين. بعد ساعات من القلق والترقب، وصل والدا طه وزملاؤه في الثانوية للاطمئنان عليه. كانت وجوههم مليئة بالقلق والخوف على طه، لكن الأطباء طمأنوهم بأن حالته مستقرة وأن الحادث لم يسبب له أذىً دائماً .

مرت تلك الحادثة على خير بفضل التدخل السريع للأطباء، واستعاد طه عافيته تدريجياً. خلال فترة التعافي، كان دكتور وليد يشعر بالأسف الشديد تجاه ما حدث، وقام بزيارة والدي طه ليعتذر إليهم شخصياً. وقف أمامهم بتواضع وأخبرهم بصوت مليء بالندم: "أنا آسف جداً لما حدث. لم أكن أستطيع تفادي الحادث، لكن الأهم هو أن طه الآن بخير وسيتعافى تماماً ".

تفهم والدا طه موقف دكتور وليد وأبدوا شكرهم العميق لاهتمامه ورعايته. وفي لفتة كريمة، قام دكتور وليد بتوصيل العائلة إلى منزلهم .

بعد شهرين من الحادث، قرر دكتور وليد زيارة طه في منزله للاطمئنان عليه ولعرض فكرة جديدة قد تغير حياته. عندما وصل إلى منزل طه، استقبلته أسرة الشيخ سليمان وزوجته بحرارة وترحيب. كانت الأسرة ودودة جداً، متوسطة الحال، وتبدو السكينة والرضا على وجوههم .

جلس دكتور وليد مع الشيخ سليمان وزوجته في غرفة الجلوس، وبدأ حديثه قائلاً: "أنا طبيب عيون وقد سافرت إلى العديد من الدول الأوروبية، واكتسبت خبرة عظيمة في مجال طب العيون. لقد تأثرت كثيراً بحالة طه، وأريد جاهداً أن أسانده حتى يستطيع أن يبصر" .

ابتسم الشيخ سليمان بتواضع ورد بهدوء: "من أخبرك أننا نريد تلك المساعدة يا دكتور؟ طه لا يشعر بأي مشكلة تجاه كونه ضرير. بل يرى ذلك كنعمة من الله لا يدرك قيمتها الجميع" .

صمت دكتور وليد للحظة، محاولاً استيعاب كلمات الشيخ سليمان، ثم قال: "أفهم تماماً وجهة نظرك، ولكن ماذا لو كان بإمكان طه أن يبصر ويستمر في حياته بنور جديد؟ أعتقد أن لديه الكثير ليقدمه لهذا العالم" .

ردت والدة طه بنبرة مملوءة بالإيمان: "نحن نعلم أن الله اختار لطه طريقاً مميزاً. نحن راضون بحكمته، ولكن إذا كان هناك فرصة لتحقيق أمنية طه ورؤية العالم من حوله، فنحن لن نقف في طريقه" .

طلبت زوجة الشيخ سليمان أن يتحدثا على انفراد بعيداً عن الطبيب. بمجرد أن انفردا، بدأت الزوجة حديثها بنبرة هادئة ومتفهمة: "لقد حاولنا سابقاً معالجة طه، لكن كل المحاولات باءت بالفشل. ربما وجود الدكتور وليد هنا هو إشارة من الله كي نحاول مرة أخرى. إنها مجرد محاولة، ولن تؤثر بالسلب. يمكن أن تكون هذه فرصتنا لنحقق أمنية ابننا" .

ظل الشيخ سليمان صامتاً لبضع لحظات، يفكر في كلام زوجته. كانت كلماتها تحمل ثقل الأمل والخوف في آن واحد. وأخيراً، بلمعة في عينيه المملوءتين بالإيمان، قال: "حسناً، سنحاول مرة أخرى" .

عاد الشيخ سليمان إلى غرفة الجلوس وأخبر الدكتور وليد بقراره: "نحن موافقون على أن تتبنى حالة طه، يا دكتور. ولكن يجب أن يكون طه على علم بكل شيء، وأن يكون قراره بالموافقة نابعاً من إرادته الحرة" .

ابتسم الدكتور وليد، وأجاب: "بالطبع، سأشرح كل التفاصيل لطه. ولكن هناك أمر آخر. هذه العملية تحتاج إلى بيئة علاجية متميزة، لذلك يجب أن تُجرى في إحدى البلدان الأوروبية. سأتحمل كل مصاريف السفر والعلاج تعويضاً عن الحادث الذي كان من الممكن أن يؤذيه" .

فكر الشيخ سليمان بعمق في عرض الدكتور وليد. كانت الفكرة مغرية، ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المخاطر والمجهول. بعد لحظات من التأمل، نظر إلى الدكتور وليد وقال بحزم: "موافق. مهما كان المكان الذى تراه مناسباً طالما سيكون له دور كبير فى تحقيق أمنية طه" .

طهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن