بداية التحول

23 9 1
                                    

ذهب طه إلى كلية التجارة في إحدى المدن البعيدة عن قريته والجامعة التي يتواجد بها أصدقاؤه، وذلك نتيجة لتنسيق الثانوية العامة. لم يكن هناك حل أمام والديه سوى القبول بهذا الأمر رغم أنه سيفارقهما شهورًا عديدة قبل أن يحظى بإجازة منتصف ونهاية العام الدراسي .

كان طه في وسط مجتمع جديد تمامًا وأشخاص جدد لا يعرف أيًا منهم ولا يعرفونه. كانت فكرة واحدة تتجول في عقل طه: ألا يحكي لأحد من زملائه في الكلية قصته القديمة من العمى إلى الرؤية مرة أخرى. قرر أن يجعل هذا سره الخاص وأن يتعامل مع الجميع كأنه لم يصبه أي مكروه من قبل، كأنه شخص عادي مثل الجميع.

كان طه يسكن في المدينة الجامعية، يذهب كل يوم ليحضر محاضراته ثم يعود إلى غرفته داخل السكن ليدرس ويقوم بإعداد طعامه وغسل ملابسه بنفسه. كان يتحمل مسؤولية ذاته لأول مرة، بعدما كان يشعر بأنه عالة على أصدقائه ووالديه.

في إحدى المرات داخل الكلية، التقى طه بزميل له يدعى زياد. تعرف كل منهما على الآخر بطريقة توضح شخصية كل منهما. كان طه يتحدث بهدوء وقليل الكلام، على عكس زياد الذي كان يتحدث بثقة أكبر وكأنه اعتاد على بدء التحدث والتعارف على الجميع.

مع مرور الوقت، أصبح طه صديقًا مقربًا لزياد. كان زياد لا يهتم لحضور المحاضرات والمذاكرة والدراسة، وكان يتعامل مع الكلية على أنها مجرد مكان للهو، يأتي ليقابل أصدقائه الأولاد والبنات ويقضون وقتهم في اللهو دون أي حدود. كان طه يشعر بالاستغراب الشديد، فهو شخص ملتزم بدينه ومجتهد في دراسته، وعادة ما يكون في عزلة عن الجميع مثلما اعتاد في المراحل السابقة. ولكن كلما أصبحت صداقته بزياد أقرب وكلما قلت الحدود بينهما، بدأت شخصية طه تتغير شيئًا فشيئًا.

كانت هناك جملة يقولها زياد دائمًا لطه: "أنت شاب ويجب أن تستمتع بشبابك قبل فوات الأوان." كانت هذه الجملة تذكر طه بسنوات العزلة والانطوائية التي عاشها، وتجعله يشعر بأنه لم يعش حياته مثل الآخرين. كانت هذه الجملة تحفز طه على السير وراء زياد دائمًا وعدم الاعتراض على أفعاله. بدأ طه يشارك زياد في العديد من المغامرات التي لم يكن من المتوقع أن يشارك فيها، خصوصًا أنه تربى على يد الشيخ سليمان، وكان ملتزمًا بقراءة القرآن والصلاة، وروحه نقية تنشر البهجة في كل من يراه.

أصبح طه يقضي معظم وقته مع زياد وأصدقائه، وبدأ يتذوق طعم الحياة الجديدة المليئة بالمغامرات والتجارب. كان يذهب معهم إلى الحفلات والسهرات، ويجرب أشياء لم يكن يتخيل أنه سيجربها يومًا. في البداية، كان يشعر بتأنيب الضمير، ولكن مع الوقت، بدأت تلك المشاعر تتلاشى شيئًا فشيئًا.

طهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن