في بعض الأحيان نُخطِئ، وفي العمر كله لا يوجد سوى عدد معين من الأخطاء، فلو أخطأنا بعدما انتهى ذلك العدد المسموح لنا به تكون حينها قد سقطت النكسة الكبرى.
ولكني وعلى الرغم من قضائي خمس سنوات داخل جدران المأدبة وكان من المفترض أن يكونوا سبعًا بعدما عفوا عن رجمي، لَم أُخطئ بالقدر الذي يجعل حصالةِ الأخطاء لدي تنفذ، إنما أبي هو الذي أنهى كل المحاولات المسموحة له في الخطأ.
جلستُ أنظر حولي في توتر وسط الجو المشحون، جلسنا في غرفة واسعة ذات أساس تراثي لدولتي، فكانت المقاعد عبارة عن وسائد في الأرض متوزعة بشكل مربعي على كامل الغرفة التي كانت واسعة ذي سقف منخفض بعض الشيء، إنها المجلس الخارجي.
كنا نجلس بشكل ما بقرب من بعضنا، فجلس خالي محمد في الوسط بيني وبين أبي وبجانبه في الناحية الأخرى كان يجلس بلال مع أسامة بينما فهد يقف ممسكًا بالنكرة الذي يسمى مرادا وعلىٰ وجهه ضجر شديد.
لَم يسمع أي شيء داخل الغرفة، تسيد الصمت الأجواء المشحونة بالتوتر إلا من تنهدات أبي العالية وتنفس أسامة المرتفع ودقات عقارب الساعة التي يطالعها خالي محمد بقلبٍ وجلٍ وتركيز شديد.
تحرك عقرب الدقائق مجددًا يكسر الصمت الخانق معلنًا على تمام الساعة التاسعة مساءً، ولكن سرعان ما عاد الصمت من جديد وعادت أفكاري تزاحمني داخل عقلي وتجعلني أفكر بأسوأ الاحتمالات الممكن حدوثها.
لمحتُ خالي محمد ينظر ليّ بهدوء، فبادلته النظر أجده يربت على يدي الموضوعة بحجري ويعتصرها بِلطف يرسل ليّ نظرات مطمئنة جعلتني أبتسم في أكثر لحظاتي خوفًا ورعبًا.
خالي الحبيب أنه جلس ساعة كاملة يحضنني بقوة ويوزع عليّ قبلاتٍ وهو يبكي ويقول إنه سيفعل كل شيء لرؤيتي بخير، لطالما كان المفضل لدي في تلك العائلة ولطالما اعتبرني ابنته، وكان يريد مني تفسيرًا طويلًا عما حدث معي لكنه قد أجله قائلًا أن أبي هو من يجب عليه تفسير كل ما حدث والمصيبة التي اقترفوها في حقي.
لكن أبي لَم يتحدث بشيء وهو يطلق ضحكات ساخرة كلما سنحت له الفرصة ويرمقني بنظرة متوعدة أرسلت في قلبي حزنًا وغمًا، فلم أعد تلك الطفلة التي تخاف منه، بل أصبحت خريجة المأدبة التي تشفق على علاقتي معه.
أين دموعه التي ذرفها في المشفى؟ ألا أستحق أن يواجه العائلة كلها من أجلي؟ ألا أستحق أن يكون ليّ سندًا مرة واحدة فقط؟ ألا أستحق أن يسمعوني ويفهموا الحقيقة مني؟
بالصراحة لا أحد يستحق تبريري بعد كل ما فعلوه...
-"انتظرت ساعتين كاملتين ولم يأتي نبيل والدك يا أُسامة، ماذا سأنتظر بعد هل يجب عليّ المبيت هُنا؟".
قال خالي محمد بعدما ترك يدي وهو ينظر إلى أُسامة بغضب وسخط، خالي محمد يكون زوج عمةِ أُسامة، وعلى الرغم من علاقته الوطيدة من أخ زوجته الذي يكون والد أُسامة، إلا أنه كان متحيزًا ليّ بشدة يجعلني لَا يسّعني سوي التهكم على والدي في سرِي.
أنت تقرأ
خريجة المأدبة | Novella
Chick-Litفي كُلِّ عائِلة، هناك فَرد لا يَتَحدَّث أحد عَنه، وَفي عائلتي هذَا الفرْد هو أنا .. فَمِن يَهتم، لِلفتاة الصَّاخبة المتمرِّدة عن كُلِّ شيء، التي دَخلت إِلى السِّجن التأديبيِّ النِّسائي في مملكتنَا العربيَّة السُّعودية؟. لََا أحد أليْس كذلِك ؟!. و...