الفصل الثاني

196 11 0
                                    

"الفصل الثاني "

"جَعلتني أبصرُ أن ما مر من عمري إنتظارٌ لها ، لم يكن هباءً منثورً"
_________________

بعد قليلًا من الوقت كانت تترجل من إحدى الباصات، فتطلعت بنظرُها هنا وهناك لكي تعبر الطريق، خطت ببطء نحو مكان العمل الخاص لأبيها، فوجدته من بعيد يجلس برفقةُ أحد فاقتربت بهدوء وهي تُلقي تحية السلام:-
فرد الجميع بهدوء
ثم قال محمد والد رونق :-
ـ تعالى يا حبيبتي
أدلفت خطواتُها بخجل ثم جلست على بعد منهما تفرك كفيها في توتر ملحوظ فهي من النوع الخجول بدرجةٍ عالية.
ابتسم لها بمحبة ثم قال معقبًا :-
ـ دي بنتي يا باش مهندس يعقوب اسمها «رونق »وهي "رونق عيني اللي بشوف بيها."
رفع نظره إليهم فوجدها منكسه رأسها في خجل فقال مبتسمًا باحترام :-
ـ ربنا يبارك فيها يا عم محمد
ربت على كتفيه بمحبة ثم قال:-
ـ تسلم يا باش مهندس
ثم نظر لها وهي يقول :-
ـ قومي يا حبيبتي يلا خدي الكيس ده وديه لماما واعملوا لينا أكلة حلوة كده من ايديكم الطيبه
ابتسمت بهدوء ثم قالت بهمسٍ:-
ـ حاضر يا أبي
وذهبت من أمامهم مسرعة بسبب شدة خجلُها وكلام أبيها عنها أمام ذلك الشاب.
ـ تطلع إلى ظلها بهدوء وعقله شاردًا بتلك الذي أسرت عقله دون أسباب فهمس بداخله :-
"يا رونق العينين جئتي لتُنيرى دربي "
ثم نظر لأبيها قائلًا :-
ـ كم عمر ابنتكَ
رد معقبًا بلمعة حزن ارتسمت على وجهه:-
ـ عندها يا ابني ٣٠ سنه بس لسه مجلهاش النصيب
أردف قائلاً بابتسامة جذابة :-
"لقد جاء نصيبُها بدعوةٍ طيبة "
تطلع له بعدم فهم ثم أردف قائلًا بتساؤل:-
ـ يعني ايه معني كلامك ده يا ابني عندك عريس كويس ليها
ثم تابع حديثه قائلًا :-
ـ بس دي عايزة مواصفات خاصه يا ابني وشروطها تقيله في الزمن ده
قال بهدوء :-
ـ وإيه هي شروطها يا عم محمد؟
استرسل حديثه بجدية:-
ـ عايزه واحد فيه مواصفات الصحابة يا ابني.
خفق قلبه لاول مره بقرب لقاء مراده فقال بهدوء:-
ـ موجود يا عمي …
« وسيقضي الله أمرًا كنت تحسبه مستحيلًا »
__________________________

ركضُت إليك مُغمضةَ العَينَين
هاربةٌ من واقعٍ مرير
وعالمٍ كُل ما فيهِ يؤلمني.
رأيتُ بك نفسي ؛
ومن دونَ وعيٍ مني وقعتُ في شباك عشقك
ولأجلِك….لأجلِك فقط  وحدَك كسرتُ قواعدي
وألقيتُ نفسي في بئركَ بإرادتي
ظننتُ أنك مختلفًا عنهم كثيرًا
اقتربت منك …لكن وجدتك كالسَّرابِ تختفي متى شَئت
وتعود إن شِئت
ويا أسفي على ما أوقعت نفسي بهِ
وعلى ظني الذي أحسنتهُ في مثلُكٰ.
تعدَّدت أشكالُ معاناتي منك؛
والعذابُ واحدٌ!....
«خلود بكري»
بكت بنحيبٍ فور قفلها سماعة الهاتف الخاص بها للمرة
العاشرة بعد المئة وهي تنتفض ذعرًا من تأكيد ظنونها،رن جرس الهاتف فجذبته مسرعة وهي تُچيب :-
ـ ايوه يا «معاذ» كل ده على ما ترد عليا
نفخ بضيق ثم قال غير مباليًا بغضبها:-
مش فاضي في حاجه !
صمتت بُرهة ثم استرسلت حديثُها بحزنٍ:-
ـ انت مش بترد عليا ليه ؟ ولا خلاص اخذت اللي عاوزه 
ابتلع ريقه بهدوء ثم قال باستفزاز :-
ايوه، و ياريت مترنيش علي الرقم ده تاني لأما انتي عارفة ايه اللي هيحصل .
قالت مسرعة :-
ـ انت اتجننت !
أردف بغضب ونفور:-
ـ لا متجننتش انتي عملتي كده بإرادتك، و انا ماضربتكيش على ايدك …
هربت دمعة من مقلتيها واختنق صوتها بالبكاء فقالت هامسة:-
ـ كنت فاكراك راجل وبتحبني،  بس طلعت متفهمش عن مفهوم الرجولة شيء.
اعتلى الغضب قسمات وجهه فأردف بحدة:-
ـ لو سمعت كلمه منك ثانيه الصور دي هتروح لاخوكي وهنزلها على المواقع وابقي بقى وريني هتعملي ايه وقتها.
ثم تابع حديثه باستفزاز:-
ـ سلام يا حلوه ….
قفل الهاتف بوجهها فنظرت له بصدمة احتلت معالم وجهها، صرخت ملء فمها بألم وهي تكسر كل شيء أمامها بدون وعي،
كذا*ب ، خا*ين ، شيطا*ن ، حسبي الله فيك، حسبي الله فيك وفي أمثالك… ثم هدأت قليلًا وهي تقول بهمس ودمُوعُها تُغرقُها:-
"يارب أذيقهُ من مرِ ما أذاقني "
____________________
"عند رونق "
ذهبت بخطى متثاقلة إلى البيت وقلبها يخفق بألم أن هذا الشاب كان كمينً ليراها، وهي خطةٌ من أبيها فاعتلي القلق قسمات وجهها البرئ وتمغص يومها بالكامل، دلفت للبيت ثم اطمأنت على والدتها، وذهبت إلى غرفتها قفلتها بهدوء وهنا سمحت لحالها بالبكاء قليلًا علهُ يُريحها من مر ذلك اليوم المليء بالهموم.
كانت تعلم أن هذه هي طريقة والدُها دائمًا في الحديث عنها وعن حبه لها، لكن شعرت بالخجل يعتليها من ظنها أنه جاء لطلبها وما فعله أبيها كان بدافع المدح فيها أمام ذلك الشاب ليراها بمنظوره هو وليس بإرادته الكاملة …
استغفرت الله سرًا وذهبت للمرحاض، غسلت وجهها من البكاء وتوضأت لأداء فرضها ثم بعد فترة قصيرة كان الهدوء سكن قلبها ثانيًا، فذهبت لغرفة أخيها تطرق عليها باستأذن رغم إنه يصغر عنها بعشر سنواتٍ فأتها صوته الكسول أثر النوم :-
ـ ادخلي يا رونق
دلفت بهدوء وهي تقول بمرح :-
يا ابني انت مفيش وراك حاجه غير النوم والبلايستيشن..!
اغمض عينيه بفعل ضوء الغرفة الذي أضأته رونق فقال بكسل :-
نايم الساعه ٤بعد العصر كنت سهران وجيت كان عندى سكشن و لسه مشبعتش نوم ..
نزعت عنه الغطاء وهي تقول بحدة :-
صليت العصر
هتف بعفوية :-
ـ هصلي لما أقوم يا رونق سيبيني نايم شوية
جذبت الكوب من جوارها وهي ترش عليه بعض قطرات الماء قائلة بثباتٍ :-
قوم صلي وبعد كده نام يا عادل ده انا لو مكانك اتمني متفوتنيش صلاة في المسجد خالص ..
ثم تابعت بنصحٍ :-
ـ انت عارف الرسول صلى الله عليه وسلم قال ايه عن صلاة الرجل في المسجد
نظر لها باهتمام فتساءل بجدية :-
ـ قال ايه
استرسلت حديثُها بهدوء مستدلة بحديثٍ صحيح :-
وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: صَلاَةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ تزيدُ عَلَى صَلاَتِهِ في سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بضْعاً وعِشْرينَ دَرَجَةً، وذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لا يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لَمْ يَخطُ
ثم استكملت قائلة :-
ـ يعني حسناتك تزيد أضعاف وكمان؛
"صلاة الجماعة  واجبة وجوبا عينيا على الرجال البالغين"
وانت بلغت يا عادل …
قبل مقدمة رأسها وهو يقول بمحبة صادقة :-
ـ ربنا يخليكي ليا يا حبيبت أخوكي وافضل اتعلم منك
ربت على كتفه بحنان قائلة :-
ـ المهم ماما زعلانه من سهرك في المحل اللي تحت البيت ده ومش عاجبها لعبك البلايستيشن ده علشان خاطرى خف منه شوية وانتبه لمذاكرتك وصلاتك، ومتزعلش ماما منك
ابتسم بهدوء وهو يستقيم ليقف مقابلًا لها ثم هتف بصدق :-
حاضر أتوضأ وأصلي واروح أراضيها.
__________________

بعد فترة من الحديث مع والدُها ذهب مسرعًا إلى البيت وبداخله بصيص أمل أنه وبعد طول صبره وجد مناهُ، دلف بخطوات متزنة إلى منزله وهو يُلقي السلام على والدته قائلًا بمرح :-
ـ ست الحبايب قاعده زعلانه ليه
ابتسمت بخفه وهي تجيب :-
ـ وحد يزعل برده وانت فى حياته يا يعقوب
قبل مقدمة رأسها ويديها وهو يقول بمحبة:-
ـ لو ربنا يرزقني بزوجه فيها طيبتك يا امي يبقى اكرمني والله ورضاني
ربتت على كفيه بحنانٍ وهي تقول :-
ـ إن شاء الله يا حبيبي ربنا هيكرمك ، عشان انت تستاهل كل الخير اللي في الدنيا ده
ضحك بهدوء وهو يقول بمكر:-
ـ الظاهر كده يا أمي دعواتك استجابت ولقيت بنت الحلال
استقامت بوقفتها وهي تقول بفرح اعتلى قسمات وجهها البشوش :-
ـ انت بتتكلم جد يا يعقوب
وقف مقابلًا لها ثم أردف معقبًا بمرح :-
ـ جد الجد يا نوجه
ثم تابع بجدية وأمل :-
ـ دعواتك ليا يا امي أنهم يوافقوا.
ضمته إلى أحضانها بمحبة ثم استرسلت حديثُها قائلة :-
ـ ومين يطول يا ابني ده انت دين ، وأخلاق، وأدب، وعلم، وجمال، اللهم بارك
ابتسم قائلًا بمرحه المعتاد :-
ـ ومين يشهد للعروسه يا امي
ثم تابع حديثه بتساؤل:-
ـ فين عائشه ؟
أشارت له بهدوء وهي تقول بهمسٍ حزين :-
ـ في أوضتها يا ابني زي ما هي لا بتحب تقعد معايا ولا تتكلم انا مش عارفه ايه اللي جرالها ؟
ربط على كتفيها بحنان وقال مبتسمًا :-
ـ خلاص يا أمي انا هدخل أشوفها.
استوقفته قائلة :-
ـ خالتك زعلانه منك يا يعقوب
التفت وهو يغمض عينيه بضيق لمعرفته السبب قائلًا بثباتٍ:-
ـ خير يا أمي ؟
استرسلت حديثُها بعتابٍ :-
ـ عشان شوفت « إيمان » واقفة على الطريق بليل لوحدها ومكلمتهاش ولا وصلتها ..
زفر بضيق ثم أردف بهدوء :-
ـ إزاي يا أمي عاوزني أقف أكلمها وتركب ورايا على الموتسكل وهي مش من محارمي !
تابعت قائلة بحزنٍ :-
ـ بس برده يا ابني مينفعش دي بنت خالتك
أجاب يعقوب معقبًا :-
ـ أهو يا أمي انتي قولتي بنفسك بنت خالتي يعني تجوز ليا ومينفعش أكلمها في الشارع ولا تركب وراي..
هتفت بتساؤل :-
ـ ليه يا ابني هي مش زي عائشة ؟
تابع بنبرةٍ هادئة بعض الشيء :-
ـ زيها يا أمي بس في حدود وده لمصلحتها قبل مصلحتي مش كل الناس عارفه إنها بنت خالتي وزي ما بحافظ على عائشة
بحافظ عليها برده
اقترب منها بهدوء مجددًا وقبل رأسها قائلاً بحبٍ:-
متزعليش يا أمي بس دي الأصول ..
وتركها تدعو الله له سرًا وذهب الي غرفة شقيقته….
دق على باب غرفتها بهدوء فقالت بصوتٍ ناعس أو هي من صنعته :-
ـ انا نايمه يا ماما مش قادره اقوم
قال مردِفًا بصوتٍ عالي لكي تسمعه :-
ـ أنا يعقوب افتحي يا عائشه
ابتلعت ريقُها بتوتر وقامت بخطوات متثاقله ثم فتحت الباب بهدوء وهي تهمس له :-
ـ اتفضل
نظر لها بتمعن و دقق في ملامحها الشاحبة فقال بقلق :-
ـ انتى كويسه يا حبيبتي؟
ابتسمت رغمًا عنها ثم أردفت قائلة:-
ـ الحمد لله يا يعقوب
حاول الحديث معها فارتمت بين أحضانه تبكي بخوف والم مزق قلبها البرئ، فقالت من بين شهقاتها :-
ـ هو انا وحشه يا يعقوب ؟
رفع وجهها لتنظر له فقال معقبًا بحيره :-
ـ مالك يا حبيبتي !
تابعت حديثُها بجدية :-
ـ بسألك هو انا وحشه يعني لي كل الشر ده بيحصلي رغم اني مش بأذى حد ، ليه الناس تأذيني؟
نظر لها بقلق اعتلى قسمات وجهه فأردف بتساؤل:-
ـ فهميني مالك في ايه؟ 
بكت بكثره بين يديه وصوت شهقات بكائها يملأ الغرفة بأكملها، فمسد على جسدها بحنان لكي تهدء، فذهبت في سُباتٍ عميق وتركت له حيرةٍ تنهش قلبه خوفًا عليها…

يتبع
أتمني لو عجبتكم القصة تتركوا أثركم الطيب بالتصويت والكومنت دمتم بوّد ❤️

فجاءته تمشي على استحياء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن