الفصل الرابع

185 10 0
                                    

الفصل الرابع "
" وقدْ يبتليكَ اللهُ
ليفضحَ لكَ قلوباً ادَّعتْ محبَّتكَ
فلا تحزنْ"
____________
يوم جديد على الجميع قلوب أفرحُها اللقاء، وقلوب أضناها العشق ، انزوت على حالها بغرفتها ترفض كل شيء، لا طعامٌ ولا شربٌ ولا حديث ، تبكي بقهر على ما أوصلت نفسُها بهِ، فتحت الهاتف تبحث عن رقمه لتحدثه فوجدت تلك الصور تحتل الصدارة بما يسمونه عاشقين السوشيال ميديا
"ترند الموسم "
خفق قلبها ألمًا فشعرت بوخز مؤلم يسير بجسدها الضئيل بفعل تمنُعها عن الطعام لعدة أيام ، تطلعت للهاتف بدهشةٍ غير مستوعبه انه حقيقه، فرفض عقلُها تقبل الأمر فأخذت تصرخ بعلو صوتها الذي زلزل المنزل بأكمله ، هلع قلب يعقوب عليها فوالدته خرجت منذُ الصباح  لتجلب بعض الخضروات للبيت، دق على باب غرفتها بخوفٍ فلم يلقي أي ردة فعل ، ضرب الباب بعنف شديد فتحطم لأجزاء لا حصر لها، دلف مسرعًا عندما وجدها تفترش الأرض والدماء حولها تملء الغرفة بأكملها،
انخلع قلبه برعب فصرخ بها لتُفيق لكن دون جدوى ، حملها برفق وهو يهبط الدرج بسرعة عالية متجهًا بها لأقرب مستشفى لفحص حالتُها …
اقتربت الطبيبة تتفحص الحالة بعناية فقالت بهدوء:-
ـ هي حاولت تنتحر ليه ؟
رد يعقوب معقبًا بخوفٍ  :-
ـ انا مره وحده لقيتها بتصرخ جريت اشوفها لقيتها واقعة وزي ما حضرتك شايفها كده..
استكملت حديثُها بتساؤل :-
ـ في حاجة مزعلاها؟
قال بغير علم :-
ـ لاه!
ـ  بس من يومين كانت بتبكي ولما سالتها رفضت تحكي اي حاجه
قالت الطبية بهدوء:-
ـ حضرتك المريضة عاوزه كشف نفسي هبعتها لدكتوره اسمها « حسناء »هتتكلم  معاها وتحكيلها كل اللي بيحصل وهي تقدر تفهم حضرتك ايه أسباب ده كله …
انصرفت الطبيبه فجلس مقابلًا لها رفع كفه يلامس خصلات شعرها الهاربة بفعل عدم احكام الحجاب عليها، فهمس بألم نغز قلبه :-
ـ مالك يا نور عين أخوكي قوليلي ايه زعلك مش كنتي دايمًا تقوليلي يا يعقوب انت نص تاني ، إنت أبويا اللي مشفتهوش ولا أتهنيت بحضنه، أنت صاحبي وأخويا  وكل ما ليا، ليه مبقتش تحكيلي حاجه ؟
ثم تابع بحنان ليجعلها تطمئن له :-
ـ أنا سندك اللي مستحيل يأذيكِ اتكلمي يا عائش متخبيش على يعقوب …
كانت تنظر له بألم، ودمع يسيل برفق على وجنتيها، خفقات قلبها تضرب عنفٍ وخوفٍ من كل شيء حولها .
تحشرج  صوتُها في حلقها فرددت :-
ـ عائشه اللى كنت عارفها ماتت يا يعقوب! دلوقتي لما تعرف اللي عملته هتكرهنى وأنت أول واحد هيقف ضدي لاني خالفت مبدئك .
نظر لها بحيرةٍ وهو يتساءل :-
ـ عملتي إيه ؟
قالت ببكاءٍ مزق قلبه :-
ـ خنت ثقتك بيا يا يعقوب …..
____________________
"في مكانٍ آخر"
صدح صوت صافرة القطار ليعلن عن قرب قدومه وقفت تتمايل أمام شاشة هاتفها، ملابسها ترسم جسدها بدقة وكأنها جزءًا منه ، غطى وجهها مساحيق التجميل وأبرزت مفاتنها للمارة، صوت ضحكتها العالي عبء المكان غير مقتصرة لتلك العيون التي تراقبها من شباب، وأمهات ورجال شارفوا على عمر الستين، لكن عقلها راودها لتكمل ما بدأت به
فقالت بصوت متصنع بدلعٍ مقصود :-
ـ عاوزه اعمل فيديو تك توك هنا عشان لما أروح البيت أنزله على الإنستا
أكدت زميلاتُها قائلة بتشجيع :-
ـ تعالى هنا الضوء هيكون أحلى..
أمسكت الهاتف ووقفت قبالتِها والأخرى تردد إحدى الموسيقى وتتمايل عليها ، تبرز مفاتنها بغير حياءٍ وكأن ما تفعل وجب عليها وليس خارج دين المرءِ وحياؤه..
على الجانب جلست إمرأتان يتبادلن أطراف الحديث فقالت إحداهما بضيق :-
ـ شايفه حال البنات يا صابرين
التفت تنظر لها بحسرة وهي تُجيب :-
ـ دي بقت حاجه تحزن
ثم تابعت بحزن شديد :-
ـ تروحي فرح تلاقي البنات واقفه ترقص وتتصور وهى بتعمل كده بكل فخر وتنزل صورها على النت اللي بيقولوا عليه ده ولا في رقابة ولا في دين بقوا يتعلموا…
قالت رحاب بتأكيد :-
ـ عندك حق والله حتى بفضل اتكلم مع مريم بنتي واقولها متلبسش بانطيل وعليها بلوزات قصيره بس ماشيه ورا الموضه وشايفه زمايلها كلهم بيبصوا لبعض
ثم تابعت بجدية :-
ـ بس اللي مصبرني عليها انها لا بتحط ميكياچ ولا بتنزل صور ليها على النت انا منعاها …
قالت « صابرين » بقلة حيلة:-
ـ دلوقتي البنت اللي لابسه محتشم ومستورة فى هدومها بيتريقوا عليها، واللى لابسه ضيق ونص شعرها طالع من طرحتها، ومبينه ايديها ورجليها دي بقت حلوه وحال الأمة والناس اتبدل.
تحدثت « رحاب » بهدوء :-
ـ ربنا يهدي بنات المسلمين يارب
أمنت« صابرين »على دعائها وقالت ببتسامه هادئه :-
ـ امى الله يرحمها كانت بتقول مثل حلو أوي عن خجل البنت،
كانت تقولي يا صابرين ؛
"حياء البنت زي الورده لو شمها ناس كتير أو مسكتها أكتر من إيد هتفقد رونقها وريحتها "
فهماني يا بنتي ….
ثم استكملت حديثُها بحنان لأمها الراحلة :-
ـ ربتني على أني ورده وعلمتني الحياء بمثَلها ده،
"ولسه لحد النهارده بجني زرعها طرح طيب من تربيتها ليا"
ربتت على كتفيها بحنان ثم أردفت بهدوء :-
ربنا يرحم أمهاتنا جميعًا ويجعل تربيتهم لينا على الصلاح في ميزان حسناتهم ..
استقامت " صابرين " بوقفتها وهي تقول :-
انا مش مستحمله اللي البنت دي بتعمله لازم اروح أتكلم معاها .
ذهبت اليها والضيقُ يرتسم على وجهها فتنفست ببطء وهي تقول :-
ـ يا بنتي عيب اللي بتعمليه ده، بصي بعينك كده هتلاقى عيون شباب بتاكلك، وناس كبيرة تتحسر، يا بنتي مش هتجني من ورا عمايلك دي غير الهم لقلبك، البنت اتخلقت عشان تكون خجولة والخجل بيجمل مش بيوحش ..
استمعت لها بضيق وهي تلوي فمها بتهكمٍ وقالت بتكبر وبنبرةٍ وقحة :-
ـ وانتي مين اداكِ الحق تكلميني كده ، او قالك انى محتاجه نصايحكم، انا عارفه انا بعمل ايه ومقتنعه بيه ..
الجمت الصدمة لسنُها من وقاحتُها فقالت بقلة حيلة:-
ـ يا بنتي انا بنصحك لوجه الله انا شوفت فيكى واحدة من بناتي وانا مرضاش بنتي تضيع نفسها واقف اتفرج عليها
نظرت لها بحنق وهي تقول بنزقٍ:-
ـ وانا مش محتاجه نصايح من حد
فار دمها بألم فلا دين ولا حياء ولا أدب تمتلكهُ تلك الفتاة فقالت بحسرةٍ :-
ـ انا نصحتك لله بس اتمنى ميفوتش الآوان وتخسري نفسك وترجعي تقولي ياريتني، ربنا يهديكي يا بنتي وينعم عليكِ بالستر …
ثم التفت لتذهب وهي تقول:-
ـ "من قلّ حياؤه قلّ ورعُهُ، ومن قلّ ورعُهُ مات قلبُهُ،
ولآ خير فيمن لا يستحي من الناس."
ذهبت تلك الفتاة في نوبة ضحك عالية فقالت من وسط ضحكاتها :-
ـ برافوا عليكي يا  « حبيبة » سكتي الست و منطقتش تاني
هتفت الأخرى بعقل شارد :-
يلا نمشي يا « إيمان » الست دي فورتلي دمي .
________________________
صدح صوت آذان العشاء فتوضأت وارتدت إسدال الصلاة بمحبةٍ للقاء ربها، وقفت بين يديه مبتسمه فرحهِ بعوضه الكريم بعد صبر سنواتٍ من الألم وتحمل كلمات لاذعة تُبكيها، رفعت كفيها بتضرعٍ وخشوع وهي تناجيه انتهت من صلاة فرضها فقامت الصلاة  لـ تصلي ركعتي الاستخارة بقلبٍ راضي بقضاء الله
دق باب غرفتها بهدوء فأذنت للطارق بالدخول :-
أدلف خطواته إليه وهو يقول بمحبة صادقة :-
ـ تصلي في الحرم يا حبيبت بابا
ابتسمت بخفه وهي تقف تقبل مقدمة رأسه قائلة:-
ـ جميعًا يارب يا بابا
آمن على كلامها ثم تحدث قائلًا بتساؤل :-
ـ ايه يا بنتي طمنيني نرد على الراجل نقوله ايه
صمتت بخجل وهي تخفض بصرها بحياءٍ ثم قالت بهمس:-
ـ اللي حضرتك شايفه يا بابا
غازلها مازحًا وهو يقول :-
ـ يعني اقوله مش موافقه؟
رفعت بصرها له بحيرة وتعجب ثم أردفت :-
ـ يعني حضرتك رافضتوا يا بابا ؟
شبه ابتسامه ماكره ارتسمت على وجهه فقال بثبات:-
ـ هو انا اللى هتجوزه يا رونق
شحب وجهها بخجلٍ شديد فقالت بهمس :-
ـ بس انا مواقفه يا بابا
ضحك ملء فمه وهو يقول بسعادة:-
ـ الف مبارك يا رونق أيامي ربنا يسعدك يا بنتي ويجعله زوج الدنيا والآخرة …
نظرت له بتساؤل وهي تُجيب بحيرةٍ امتلكتها للحظة:-
ـ يعني حضرتك موافق؟
ابتسم بمحبة ثم أردف معقبًا :-
ـ من قبل ما يجي يتقدم وانا بتمناه ليكِ يا بنتي
ثم تابع حديثه وهو يلتفت للخروج بعدما التمع الدمع في مقلتيه فرحًا له وحزنًا لـ مفارقتها :-
ـ ربنا يتمملك فرحتك بخير يا رونق العينين..

جئت أنت من زمنٍ كنت أظنه رحل، وبعدما فقدتُ الأمل ،
جئتني زارعًا في قلبي بساتينٌ من أملٍ وحياة "
«بقلمي خلود بكري »

"يؤخرها الله عليك ليفاجئك بالذي هو أحب إليك "
____________________________

صاعقة نزلت على رأسه عندما رأى تلك الصور المرسلة على هاتفه، تفحص الهاتف مرارًا عله مخطىء هذه ليست وردته التي رباها على يده، لا ليست هي، نظر لها بتساؤل فوجده الدمع شارف ثانيًا في مقلتيها، حاول التماسك قيلًا ليفهم حقيقة الأمر فقال بثباتٍ صنعه بصعوبة :-
ـ الصور دي بتاعتك صح ؟
هزت رأسها بألم فقالت بصعوبة وصوتها يختنق من كثرة البكاء  :-
ـ والله يا يعقوب الصور دي مفبركة انا عمري ما اعمل كده في نفسي ولا فيك صدقني والله انا مش بكدب عليك
اغمض عينيه بوجع نغز صدره على تلك الفضيحة التي ستلاحق أسرته ثم تنفس ببطء قائلًا :-
ـ الصور دي كانت مع مين و فبركت ازاي
بلعت غصة حلقها ثم قالت بصوتٍ باكي :-
ـ كانت مع واحدة صحبتي في الجامعه و بعتتها لأخوها
صمت بتعجب وهو ينظر لها بثبات ما قبل العاصفة :-
ـ كملي
تذكرت ما حدث في ذلك اليوم اللعين بالنسبة لها
#فلاش باك
اجتمعت مع بعض الفتيات من قريتُها الذين يدرسون معها في نفس الجامعة  يتبادلون أطراف الحديث فقالت« حبيبة» بمحبة مصطنعة :-
ـ عائشه ابعتيلي صورتين ليكي كده عشان ماما نفسها تشوفك
نظرت لها بضيق ثم قالت :-
ـ انتي عارفه يا حبيبة اني مش ببعت صوري لحد
لكزتها الأخرى بمُزاح فقالت بودّ مكذوب :-
ـ والله ماما نفسها تشوفك اكمني مش ببطل كلام عنك
صمتت وهي تنظر لها وبعد مهلة قضتها في التفكير قالت :-
ـ تمام هبعتلك بس بعد ما ماما تشوفهم توعديني انك هتمسحيهم.
شبه ابتسامة شيطا*نية ارتسمت على وجهها ببراعة لتردف بغلٍ :-
ـ حاضر يا حبيبتي أوعدك
باااااااااااك
كان ينظر لها ودموعها التي أغرقت وجهها فقال بجدية واضحة :- وبعدين ؟
استكملت حديثُها بشهقات عالية وهي تقول :
ـ بعد فترة اخوها كلمني وبعتلي الصور دي، وقعد يمدح في جمالي وإنه حبني من اول لما شاف الصور،
تحشرج صوتها في حلقها فقالت بصعوبة :-
ـ حاولت مضعفش صديته مرة واتنين ومية والله يا يعقوب بس قلبي وقتها اتمرد عليه في لحظة لقتني بكلموا، وللاسف حبيته ….
صمتت قليلًا وهي تنظر له بخوفٍ من ردة فعله واسترسلت حديثُها بحزنٍ:-
ـ بعد كده طلب يشوفني
اشتد بكاءها حينها وهي تقول :-
ـ والله رفضت يا يعقوب رفضت
وبعد إصرار من بعت له صورتين كمان ليه وانا بلبس البيت
ثم استكملت حديثُها بصوتٍ يقطع نياط القلب :-
ـ  بس هو كان اقوى مني اتلاعب بالصور اللي معاه و ساومني عليها ولم رفضت عمل اللي انت شوفته ده …
ثم قالت بكسرة اوجعت قلبها :-
ـ بس « حبيبة» السبب هي اللى شجعته على كده عشان أنا رفضت لما هي طلبت رقمك وقالت أنها بتحبك وبتتمني تتجوزك
هي ردت لي الصاع اتنين يا يعقوب ….
جذبها لأحضانه بحنان وقلبه يبكي بحسرة عليها وعلى ما أوصلت نفسها البريئة بهِ فقال بصوتٍ خرج ببحةٍ مؤلمة :-
ـ حقك هيرجع والولد ده هياخد جزاته منى هعلمه درس مينسوش أبدًا بس ده ميمنعش انك غلطانه يا عائشه
" يعلمنا الله، يعلم قلوبنا، يقبلنا لو أخطائنا، ويمحي ذنوبنا حتى لو كانت كزبد البحر، فقط قف بين يديه وقل يا رب وقتها سيمحي مر ما قد رأيت "

يتبع

فجاءته تمشي على استحياء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن