الفصل الحادي عشر " توبةً نصوح "

148 9 0
                                    

«الفصل الحادي عشر»

خيم الليل بظلامه علي القريةُ بأكملها، الساعة كانت تُشير إلى الثالثة قبل الفجر اقترب يجلس علي أعتاب ذلك المسجد الذي لم تخطي قدماه بداخله منذُ أن ولد، بكى بخوفٍ من الله رق قلبه للطاعة بعدما فعل من المعاصي ما تقشعر له الأبدان استقام بوقفته يدلف إلى المسجد لكن شعر بثقل، ثقل ذنوبه واغواء شيطانه كلما اقترب للدخول شيء ما يوقفه فجلس مكانه يبكي بحسرةٍ ظنًا منه إن الله لا يريد قبوله …
اقترب منه شيخ المسجد فقال له بثباتٍ:-
ـ ما بالُك جالس تبكي!
هل فقدت شيئًا يقدر بثمن؟
أفقدتُ الجنة يا بني !؟
اشتد بكاؤه أكثر…
يا بني ما بال قلبك؟
قال في ألم والدمعُ يسيل من مقلتيه :
ـ فقدت الجنة وحورِها، وفقدت أختي،  نصفي دمي ،
بأفعالي يا شيخ ؛
لقد عاقبني الله بها …
فهم الرجل مقصده ليقول بإخلاص ونُصح :
ـ قُم يا بُني الله ينادي عليك، قم وقم للصلاة واعتزل الناس،
وقدم لله طاعته ولا تخرج من جنفه، غفر لك على ماتقدم وتأخر من ذنبك، قم وقل يارب بإخلاص النية وستري حصاد توبتك قبل رحيلك منها…
همس له بأمل :-
ـ وهل يغفر الله لعبدٍ فعل الفاحشة والمنكرات
ثم تابع بتساؤل وصوت بكائه يملأ المكان:
ـ أجبني يا شيخ هل يغفر الله الذنوب جميعها ، فهل يغفر لي ما فعلت ؟ لقد فعلتُ كُل شيء قبيح ….
ربت على كتفيه وهو يقول بنبرةٍ صادقة :-
ـ يغفر الذنب ويقبل العبد ويستره يا بني
ثم استدل بآيات القرآن قائلًا :-
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ….

علق نظراته بهِ ولمعة الألم والندم تضيء في عينيه فقال الشيخ :
ـ قم معي اغتسل للصلاة وقدم توبتك بإخلاص النيةُ من منبع قلبك … ولا تخاف ولا تقنط من رحمة ربك
إن الله يغفر الذنوب جميعا…
  وهذه في قوله سبحانه: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب}.؟

سجد بين الله بتضرع خوفًا وخشية، صدح صوت بكاؤه المسجد بأكمله فقال برجاء:-
ـ اللهم ثبتني علي دينك، و حببني في طاعتك وكرهني في معصيتك واقبل عبدك الذليل يارب
ثم قال بصوتٍ عالي سمعه من في المسجد :-
ـ اللهم تب عليا توبة نصوحه
يارب اقبل توبة عبدك معاذ يارب اقبل توبة عبدك
أمنا الجميع على دعائه فشعر براحةٍ تغمره وسكن قلبه بين يدي الله وعاهده أن لا يعود للمعصية ثانيةً..
_________________
" في منزل يعقوب "
كانت رونق تجلس مع عائشة بعدما خرجت والدتها و والدة زوجها لجلب بعض الأشياء الخاصة بعرسهم
نظرت رونق لعائشة بمحبة وأردفت بهدوء :-
ـ عامله ايه عائشة ؟
ابتسمت بخفه وهي تجيب:-
ـ الحمد لله احسن كتير
سألتها رونق باهتمام :-
ـ  يعني في تحسن ؟
اجابتها بمحبة:-
ـ يعقوب وبدر بيعملوا كل جهدهم عشان ارجع لطبيعتي تاني ثم أردفت بألم:-
تعرفي يا رونق مكنتش ببطل ضحك ولا كلام بس انطفيت
وانكسرت حاسه اني عايشه من غير روح
ربتت على كتفها بحنان ثم أردف قائلًا بمحبة صادقة:-
ـ هنعدي كل ده سوى وإن شاء الله هترجعي أحسن من الأول
ابتسمت عائشة ثم قالت بنبرة ظهر فيها الألم جليا على ملامحها الهادئة :
ـ تعرفي يا رونق لما بدر قرب مني في الحلال حسيت إني كنت ضعيفه أوي قدام معاذ ودايمًا كنت خايفه ، واللي أكد لي إن اللي بينا مكنش حُب ، شعورى ناحية بدر مختلف ،لكن اكتشفت إنه اللي كان بيني أنا ومعاذ كان إغواء من الشيطان لنفسي الضعيفة ، كل لما بدر يقرب مني أعرف إن الحُب الحلال بيقوي مش بيضعف ولا يخوف ، بحس معاه بالأمان والراحة ، وبيساعدني أرجع لطريق الله تاني لأني حاسه إني بعدت عنه ، كل اللي بتمناه دلوقتي إن ربنا يقبل توبتى ويهدي قلبي ويضعني في مكان أرضيه فيه …

فجاءته تمشي على استحياء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن