الفصل الثاني

3 2 0
                                    



كان النور الذي تركته المرأة يتلاشى ببطء بين الأشجار الكثيفة، لكن إلرين لم يكن خائفًا. سار بخطوات مترددة، مستندًا إلى القوة التي اكتسبها من مواجهته السابقة. الغابة لم تكن كالسابق، بدا وكأنها تستجيب لوجوده، الأشجار تميل قليلاً مع مرور نسمة الهواء، والأوراق تهمس بنغمات خفية كأنها توجهه.

بينما كان يمضي قدمًا، ظهر أمامه ممر ضيق ملتف بين الأشجار، بدا وكأنه لم يُستخدم منذ زمن طويل. أخذ نفسًا عميقًا واستمر بالسير فيه، رغم شعوره بأن هذا الطريق لم يكن موجودًا قبل قليل.

كان الظلام يحاصره من كل جانب، والهمسات التي كانت تداعب أذنيه بدأت تتحول إلى أصوات متشابكة، غير مفهومة، لكنها مليئة بالتحذير. كان يدرك أن الغابة لم تكن سعيدة بوجوده، وأن شيئًا ما أو شخصًا ما كان يتابعه عن كثب.

"إلرين..."

صوت خافت همس باسمه، وكأن أحدهم يناديه من خلفه. تجمد في مكانه، حاول تمييز الصوت لكن دون جدوى. كان الصوت غريبًا، مألوفًا لكنه مليء بالغموض. استدار ببطء، لكن لم يكن هناك شيء سوى الظلام.

"من هناك؟ أظهر نفسك!" قال بصوت عالٍ، لكن إجابته جاءت على شكل ضحكة خافتة، تحمل بين طياتها الكثير من السخرية.

"ألم تخبرك الحارسة؟ هناك دائمًا ثمن لكل شيء، حتى للضوء الذي تحمله الآن."

انقبض قلبه في صدره، أدرك أن ما يواجهه ليس كائنًا عاديًا. لكنه حاول أن يبقى متماسكًا. "من أنت؟ ماذا تريد؟"

الضحكة توقفت، وظهر أمامه شبح ضئيل، شاب صغير في السن، عيونه تلمعان بنور غريب. كان يرتدي ملابس ممزقة ويبدو عليه الإرهاق. لكن إلرين شعر بأنه لا يجب أن يستهين به.

"أنا مثلُك، كنت أسيرًا للظلام، حتى أعطتني الحارسة هذا النور،" قال الشبح بصوت منخفض. "لكنها لم تخبرني أن هذا النور سيصبح عبئًا، أنه سيجذب كل مخلوقات الظلام نحوي."

"هل أنت هنا لتحذيري؟" سأل إلرين بحذر.

"ربما... وربما لأخذ النور منك،" قال الشبح وهو يقترب منه بخطوات بطيئة. "لقد أصبحتُ جزءًا من هذا المكان، والآن عليّ أن أختبرك كما تم اختباري."

شعر إلرين بعرق بارد يتصبب من جبينه. كان النور الذي يحمله يشع أكثر مع اقتراب الشبح، وكأنه يحاول حمايته، لكن الشبح لم يتراجع. "لن أعطيك النور. إن كنت تريد أن تأخذ شيئًا، ستحتاج إلى قتالي."

ابتسم الشبح ابتسامة مريرة. "القتل... ليس سهلاً هنا. هذا المكان يغذي على الألم والخوف. لكنني لن أقاتلك، ليس هذا ما أريده."

توقف الشبح أمام إلرين، نظر في عينيه وكأنه يقرأ أفكاره. "سأترك لك الخيار: إما أن تحتفظ بالنور وتكمل طريقك، أو تعود إلى الظلام وتعيش في سلام. القرار لك."

لم يكن إلرين واثقًا مما يجب عليه فعله. كانت كل حواسه تخبره بأن هذا اختبار آخر، لكنه لم يكن يعرف نتيجته. "وماذا سيحدث إذا اخترت الاحتفاظ بالنور؟"

أجاب الشبح بنبرة غامضة، "حينها ستتحمل عبء النور، وسيصبح الطريق أصعب بكثير مما تظن. لن يكون هناك مجال للتراجع، وكل خطوة ستأخذك بعيدًا عن الحياة التي كنت تعرفها."

"وماذا عن الطريق الآخر؟"

"الطريق الآخر سيعيدك إلى حيث أتيت، ستعيش حياتك كما كانت، لكنك لن تعرف أبدًا ماذا كان يمكن أن يكون."

تردد إلرين، شعر بأن اختياره سيحدد مصيره بأكمله. لكنه تذكر الكلمات التي قالتها له الحارسة: "الطريق أمامك طويل ومليء بالتحديات." لم يكن يعرف ماذا ينتظره، لكنه كان يعلم أنه لن يعود إلى الوراء. "سأحتفظ بالنور."

نظر الشبح إليه بحزن. "إذن، عليك أن تكون مستعدًا لما هو قادم. سأذهب الآن، لكن تذكر، الطريق الذي اخترته ليس سهلًا."

بمجرد أن انتهى من كلامه، اختفى الشبح في الظلام كما ظهر. بقي إلرين وحيدًا مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت الظلمة أقل وحشة. كانت هناك قوة جديدة تنبض في داخله، قوة النور الذي اختاره.

استدار إلرين واستأنف سيره في الممر الضيق. كان يعلم أن الطريق أمامه مليء بالتحديات، لكنه كان مستعدًا للمواجهة. لم يكن لديه أي فكرة عما سيحدث، لكن هذا الشعور بعدم اليقين لم يعد يخيفه كما كان من قبل. كان الآن مستعدًا لكل شيء، مهما كان.

تابع السير وهو يشعر بأن الغابة بدأت تتراجع تدريجيًا، وكأنها تعترف بأنه نجح في اجتياز اختبارها. بدأت السماء تظهر من بين الأشجار، وظهرت أمامه بوابة قديمة، مغطاة بالطحالب والأعشاب. كانت هذه هي العلامة الأولى على نهاية الغابة، وبداية مغامرة جديدة.

نظر إلرين إلى البوابة، ثم ابتسم. "لنرى ما يخبئه لي العالم خارج هذه الغابة."

ودون تردد، عبر البوابة إلى ما وراءها، متحمسًا لمواجهة مصيره الجديد.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
مع اطيب التحيات
دنيا كمال

حكاية النور: رحلة العناصر الثلاثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن