الفصل الأول

6 2 0
                                    



كان الهواء ثقيلًا، مليئًا برائحة الأشجار القديمة التي لم تعرفها الشمس منذ قرون. سكون الليل تخلل الغابة، وكأنها تهمس بأسرارها المظلمة لمن يجرؤ على الاستماع. أوراق الشجر تتهامس فوق الرؤوس، وحفيف الرياح يعزف نغمته الباردة بين الأغصان. في وسط هذا العالم المظلم، كان "إلرين" يسير بخطوات حذرة، يده تمسك بسيفه بقوة وكأنه يتوقع أن ينقض عليه الخطر في أي لحظة.

وقف فجأة، مترددًا بين مواصلة المسير أو العودة من حيث أتى. لكنه تذكر كلمات الحكيم العجوز، ذلك الرجل الذي وجده في زقاق القرية قبل أيام قليلة.

"في قلب الظلام، هناك نور ينتظرك. لكنك لن تراه إلا إذا واجهت ما يخشاه قلبك."

لم يكن إلرين يفهم تلك الكلمات تمامًا، لكنها كانت محفورة في ذاكرته منذ تلك اللحظة. أخذ نفسًا عميقًا واستمر في السير، عازمًا على كشف ما ينتظره في نهاية هذه الغابة الملعونة.

مع كل خطوة يخطوها، كان يشعر بأن الظلام يزداد كثافة من حوله، وكأن الأشجار نفسها تتحرك لتحتضنه. فجأة، سمع صوتًا قادمًا من عمق الغابة، صوتًا غريبًا لم يكن ينتمي إلى أي مخلوق يعرفه. توقف مرة أخرى، محاولًا تحديد مصدر الصوت، لكنه لم يستطع. كان الصوت يقترب، يملأ الفراغ من حوله.

من الظلال أمامه، ظهرت امرأة ذات شعر أسود طويل، عيناها تلمعان بنور أخضر غريب. كانت ترتدي رداءً أبيض ينساب حول جسدها كالماء، لكنه كان يشع بنور خافت يكاد لا يراه. نظرت إليه بابتسامة غامضة، وكأنها تعرف كل شيء عنه.

"أخيرًا وصلت،" قالت بصوت هادئ، لكن كلماتها كانت تحمل وزن العالم بأسره.

تردد إلرين، ثم سأل بصوت متحشرج، "من أنت؟ وماذا تفعلين هنا؟"

اقتربت المرأة بخطوات بطيئة، وكأنها تسير على هواء رقيق. "أنا الحارس، وواجبي أن أختبر من يجرؤ على دخول هذه الغابة. الكثيرون حاولوا قبلك، لكن قلة منهم فقط خرجوا منها."

نظر إلرين حوله، محاولًا أن يجد أي دليل على وجود حياة في هذه الغابة، لكنه لم يرَ شيئًا سوى الظلام. "ماذا تريدين مني؟"

رفعت المرأة يدها ببطء، وفي راحة يدها ظهر شعاع من الضوء الأبيض. "هذا هو مفتاحك. إذا كنت تستحقه، فسوف ينير طريقك للخروج. وإذا لم تكن كذلك... ستبقى هنا إلى الأبد."

شعر إلرين بتوتر يزداد داخله. "كيف أعرف إن كنت أستحقه؟"

ابتسمت المرأة مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت ابتسامتها مليئة بالحزن. "ستعرف عندما تقف أمام ما تخشاه أكثر من أي شيء آخر."

شعر بقشعريرة تسري في جسده، لكنه لم يتراجع. مد يده وأخذ شعاع الضوء من يد المرأة. في اللحظة التي لمس فيها الضوء، شعر بقوة غريبة تندفع في جسده، قوة لم يشعر بها من قبل. كان الضوء دافئًا ومريحًا، لكن سرعان ما تحول هذا الشعور إلى خوف عميق.

فجأة، اختفى كل شيء من حوله، وجد نفسه يقف في مكان آخر، مكان كان يعرفه جيدًا. كانت قريته، لكنها لم تكن كما يتذكرها. كانت مظلمة ومهجورة، كأن الحياة قد هُجرت منها منذ زمن طويل.

سمع صوت صراخ، صوت مألوف جدًا. اتجه نحو الصوت، وكل خطوة كانت تقربه من الحقيقة الرهيبة. عندما وصل، رأى المشهد الذي كان يخشاه طوال حياته: أمه، ملقاة على الأرض بلا حراك، ودماء تسيل منها ببطء. إلى جانبها كان يقف رجل طويل يرتدي درعًا أسود، سيفه مغطى بالدماء.

تراجع إلرين خطوتين إلى الخلف، غير قادر على التحرك أو التحدث. كان هذا هو الكابوس الذي طارده في كل ليلة منذ أن كان طفلاً. الرجل ذو الدرع الأسود، القاتل الذي دمر حياته.

تحدث الرجل بصوت عميق ومخيف، "ألم يحن الوقت لتنهي هذا، إلرين؟"

بدا وكأن الزمن قد توقف. لكن إلرين لم يعد نفس الشخص الذي كان عليه عندما حدث هذا للمرة الأولى. الآن، كان يحمل الضوء في داخله، وقرر أن يواجه مخاوفه. أمسك بسيفه بكلتا يديه، ونظر إلى الرجل بعينين تملؤهما القوة والغضب.

"لقد آن الأوان،" قال بصوت ثابت. "لن أسمح لك بأن تتحكم في حياتي بعد الآن."

اندفع نحو الرجل بسرعة، والسيف في يده يلمع بنور لم يره من قبل. اندلع الصراع بينهما، وكانت كل ضربة تقترب من نهايتها.

عندما انتهى الصراع، كان إلرين واقفًا وحده في الظلام، ينظر إلى جسد الرجل المسجى أمامه. تلاشت القرية، وعاد إلى الغابة المظلمة. كانت المرأة تقف هناك، تراقبه بصمت.

"لقد اجتزت الاختبار،" قالت أخيرًا. "لكن الرحلة لم تنتهِ بعد. الطريق أمامك طويل ومليء بالتحديات، لكن الآن لديك القوة لتواجهها."

نظر إليها إلرين بحذر، "ماذا تعنين؟"

لكنها لم تجبه. ببساطة استدارت واختفت في الظلام، تاركةً وراءها شعاعًا من النور يشق طريقه عبر الغابة، يقود إلرين إلى وجهته التالية.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
مع اطيب التحيات
دنيا كمال

حكاية النور: رحلة العناصر الثلاثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن