الفصل الثالث

2.6K 118 14
                                    

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
الفصل الثالث
يقول جلال الدين الرومي
لا تنزعج إذا انقلبت حياتك رأسًا على عقب، فكيف تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من ذلك الجانب الذي سوف يأتي



كان يقف بقامته القوية ورغم قوته الا أن ملامحه لم تخلو من الحزن على فقدان جده، فالفقد أصعب شعور يمر على الأنسان
وقف كريم بجواره يتلقى عزاء عثمان القاضي، اتجه ببصره يطالع نظراته الغامضة من تحت نظارته السوداء يفحص بها الجميع
-مالك يابدر؟!
أخرج نفسًا طويلًا يعبأ به رئتيه عندما شعر بغصة مؤلمة
-مفيش، عايزني اعمل ايه وجدي ميت مقتول
انكمشت ملامح كريم وهو ينظر بين الوجوه وتسائل:
-بدر إنت ناوي تقتل الدكتورة ولا إيه
رفع نظره متهكما وأجابه بإستخفاف:
-ليه حد قالك انا قتيل قتلة ولا إيه!!
زم كريم شفتيه معترضا ثم تحدث:
-ليه قولت إن جدك مات موتة طبيعية يابدر، وناوي على إيه
حك ذقنه ثم نهض عندما وجد مالك المحلاوي يدلف بجوار أحد رجال الأعمال الفاسدة، الذين كان لهم الحق الأكبر من الفرحة بموت والده قديما
تحرك المحلاوي بجوار صديقه الذي يدعى عزت البنا
-البقاء لله يااستاذ بدر..قالها مالك المحلاوي والد رهف
أومأ بدر رأسه دون حديث..تحرك الاثنان وجلسا بمقابلته لبعض الوقت..ظل العزاء قائما لعدة ساعات
بمنزل مالك المحلاوي
هاتفت كوثر والد رهف زوجها
-مالك رهف من إمبارح مارجعتش للبيت..هب فزعا من نومه وتسائل:
-يعني إيه ياكوثر، كلمتيها يمكن عندها شغل في المستشفى
انزلقت عبراتها
هي راحت اسكندرية علشان المجمع الطبي اللي شاركت فيه
-كلمتها فونها مغلق، ورحت المستشفى هنا ، قالوا محضرتش امبارح، انا قلقانة هموت عليها من الرعب
نهض من فوق الفراش وهو يصرخ بها
-جاية بعد ايه تشتكي، ياما قولتلك بلاش شغل بنتك دا، وشوفي نتيجة شغلها وتأخيرها
ردت عليه بحدة وقهر:
-بنتي دكتورة بتعمل واجبها، مش معنى انا بقولك يبقى البنت عملت حاجة خارجة، انا بعرفك بصفتك ابوها يامالك بيه
قالتها ثم أغلقت الهاتف بغضب..أنهت الاتصال وجلست بحزنًا شديد:
قلبي وجعني عليكي يابنتي، ياترى إيه اللي حصل معاكي..غطت وجهها بكفيها وانفجرت ببكاء حار
-حبيبتي يابنتي..هزت رأسها وتحدثت
-لأ ..مش هفضل قاعدة كدا

حاولت استجماع شجاعتها واتجهت إلى قسم الشرطة
وصلت بعد قليل توقفت أمام المسؤل عن مكتب الضابط
-عايزة أقابل الظابط عشان اعمل محضر
هز رأسه وتحدث
-هبلغ حضرة الظابط، دلفت للداخل وجدت  ابن صديقتها
-أيوب ..انت هنا!! اتنقلت  القاهرة ولا إيه
ابتسم أيوب وتوقف
-طنط كوثر، وحشتيني ..ربتت على ظهره عندما اتجه إليها ليحيها بالسلام ..أشار إليها اتفضلي استريحي
جلست أمامه وهي تنظر حولها بضياع، دقق النظر بها، ثم تحدث متسائلا:
-خير ياطنط كوثر، فيه مشكلة
ارتعشت عينها ثم أطبقت على جفنيها تمنع عبراتها فأردفت:
-رهف..نهض من مكانه واتجه يجلس بمقابلتها
-مالها رهف!!
تنهدت بوجع وترقرقت عيناها بالدموع
- رهف مرجعتش من امبارح، المفروض راحت اسكندرية ومعرفش عنها حاجة
هز رأسه منتظر باقي حديثها، رفعت بصرها إليه
- معرفش عنها حاجة
قطب جبينه متسائلا:
-يعني ٱيه مرجعتش من إمبارح ياطنط ..انسابت عبراتها تزيلها بكف مرتعش، وتحدثت:
-خرجت وقالت عندها شغل لتسعة وبعد كدا هتعدي على عبادتها الخاصة، سألت قالوا مجتش المستشفى ولا راحت العيادة حتى صاحبتها مشفتهاش
قام بطلب عصيرليمون إليها
-اتفضلي اشربي واحكيلي كل حاجة وان شاءالله هنلاقيها
عند بدر بالأسكندرية
بعد انتهاء العزاء اتجه إلى منزله..وقف لثواني بالخارج ينظر لتلك الفيلا التي تشبه القصور العصرية، فهي كفاح جده ووالده، رغم بعدها عن الأماكن الراقية الحديثة، إلا أنه لم يتركها، ولم يفكر في العيش بمكان آخر
دلف للداخل وجد والدته بجوار خالته وابنتها التي تعد طليقته..زفر بغضب ورغبة جامحة لديه الأختلاء بنفسه، لا يريد محادثة احدًا
اتجهت والدته إليه، توقفت أمامه قائلة:
-بدر اخيرا جيت، كان ايه لزوم العزا دا كله
تنهد بعمق في محاولة لأستجماع رباطة جأشه، فهو في حالة لا تجدي للنقاش، أخرجته لميس طليقته
-معرفش ليه الحزن دا كله، هو كبير يعني كفاية عليه السنين دي كلها
هنا اشتعل نيران غضبه، وصل إليها بخطوة واحدة وكاد أن يخرج نيرانه المشتعلة بها، إلا أن والدته توقفت أمامه
-بدر هي متقصدش، هي زعلانة على حزنك بس، مش كدا يالميس..اتجهت لوقوفه ورفعت كفيها على صدره
-أنا خايفة عليك من الحزن حبيبي، متنساش الزعل وحش
أما جدو عثمان والله زعلت عليه..بتر حديثها وهو يرمقها شزرا، وبأنفاسًا تهدر بعنف:
-اياكي تقربي مني، ثم دفعها بقوة على والدته وصعد إلى غرفته..كان غاضبا حد الألم وكعادته صارم متجهم الملامح ثابت الخطى، يتجاهل ألمه ببراعة، تحرك إلى غرفته دون إضافة شيئا آخر
احتدت نظراتها وهي تتابع تحركه ..جزت على أسنانها وهتفت بغضب:
-ماشي يابدر، انا هعرفك مين هي لميس المغربي
دلف إلى غرفته، ألقى جاكتيه بإهمال واتجه إلى المرحاض، خرج بعد قليل وهو يلتف بمنشفة على خصره ..استمع إلى رنين هاتفه، رفعه وهو يمرر كفيه بخصلاته
-أيوة ياكريم !!
-بدر عملت إيه مع الدكتورة..ألقى بجسده على الفراش وقام بإشعال تبغه
-ولا حاجة،لسة مرحتش عندها من وقت مااخدتها
حاول  كريم السيطرة  على إنفعاله حتى لا يغضبه، فسحب نفسا وتحدث:
-والدتها راحت المستشفى بتسأل عليها، لسة الدكتور أسامة معرفني، وفيه حاجة كمان يابدر، الممرضة أنا مش. مرتحلها
تجهمت ملامحه بإعتراض ثم أجابه:
-ممكن مالكش دعوة بموضوع بنت المحلاوي، يعني مش هتبقى شبه اختها..تأفف بضجر وحسم أمره ثم تحدث بنبرة حزينة:
-كريم أنا تعبان ومش قادر اتكلم في حاجة دلوقتي..عايزك بكرة تنزل نعي في كل وسائل التواصل الاجتماعي لجدي
تنفس بتثاقل وكأن هناك مايطبق على صدره ، فهناك شعور قاس يفترس قلبه دون رحمة للحد الذي جعله يضع كفيه على صدره، فتحدث بوجع :
-كدا معدش ليا حد من بابا ياكريم، تنهد وسحب نفسا يزفره بهدوء ثم أردف:
-هنام دلوقتي وبكرة نتقابل ..أغلق الهاتف وجذب بنطاله وارتداه سريعا ملقيا نفسه ليذهب بسبات عميق متناسيا تلك البريئة التي جلست بذاك الشاليه ترتعد رعبا من أصوات الرعد والبرق التي تعلو بسماء الأسكندرية
دلفت إلى إحدى الغرف،حيث يتميز ذاك الشالية بغرفة بالطابق العلوي بحماما واحد، وبالاسفل غرفة ومطبخ وحمام، وصلت للطابق العلوي، قابلتها رائحته التي اشعرتها بإرتباك معدتها بسبب الجوع..مكثت فوق الفراش بشق الأنفس تتقلب على وهج جمرات حارقة تحبس أنفاسها..نهضت من مكانها وانسابت عبراتها بعدما شعرت باليأس، أصبحت كطائر كُسر جناحه، ولم يعد له القدرة على الطيران
-ماما..همست بها وهي تطبق على جفنيها بعنف، حتى كادت بتمزيق جفنيها كلما تذكرت حزن وقلق والداتها ليها
هوت على الأرضية الباردة تضم ركبيتها إلى ساقيها تحاوطها البرودة من كل مكان، ورغم برودة الطقس الا أن غضبها وآلامها فاق احساسها بما حولها
ظلت لبعض الوقت بمكانها كما هي إلى أن شعرت بإرتجاف جسدها كاملًا، حتى وصل إلى إرتعاشه..نظرت لذاك الفراش الذي يحمل رائحته، ثم نهضت واتجهت تجلس فوقه، رغم شعورها بالغثيان من رائحته التي تحاوطها
جذبت ذاك الغطاء الوثير الذي يوضع على تلك الصوفية، وحاوطت نفسها به حتى تشعر بالدفء بعدما ارتجف جسدها من البرودة، ظلت جالسة تدعو الحي القيوم
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"
ظلت ترددها إلى أن غفت بمكانها من شدة إرهاقها، يومين كاملين لم تراه ولا تعلم لماذا هي هنا، هل ألقى عليها تلك التهمة الشنعاء وجعلها مجرمة دون اللجوء لدليل

استيقظت بعد فترة تشعر بالتعب والارهاق الشديد، فتحت عيناها مستندة بجسدها على ظهر الفراش، مسحت على وجهها، نهضت للمرحاض بعدما تذكرت ماصار معها، تشعر بإنقباض روحها، اتجهت للمقابلة الحي القيوم، توضأت وبحثت على سجادة، الأغرب إنها  وجدت سجادة للصلاة بذاك المكان، أيعني أنه يصلي، أيعني أنه يعلم حدود الله
بالأسفل وصل لذاك الشاليه، دلف للداخل يبحث عنها
صعد للأعلى سريعا عندما وجد السكون يعم المكان، تسمر بوقفته وهو يراها تستنجد بالحي القيوم وتبكي بشهقات وهي تدعوه بقلبا ينزف
اتجه للأسفل ينظر للمكان حوله، وجد تلك الأشياء المتناثرة بكل مكان، أنهت صلاتها وجسلت تقرأ وردها اليومي في خشوع، تحركت تفتح النافذة تنظر الى شروق الشمس، ولكن وجدت السماء ملبدة بالغيوم وكأن حالها سيمر اليوم مثل أمس
استمعت إلى حركة بالأسفل، ارتجف جسدها، هبطت بحذر تبحث بعينيها عن مصدر الصوت، استمعت إلى صوته يتحدث بهاتفه وهو يعد قهوته
-خد معاد مع مالك المحلاوي، لازم كل واحد ياخد حقه، شعر بوجودها، فأنهى مكالمته واستدار إليها
-يارب نكون أسعدنا حضرتك
حاولت الحديث ولكن لم تقو بسبب ضعفها وعدم تناولها للطعام
جلست وهي تطالعه بصمت، اتجه يجلس بمقابلتها يضع ساقا فوق الأخرى ثم تحدث
-ليه قتلتيه، عملك ايه؟!
تراجعت بجسدها تفرك جبينها ثم رفعت نظرها إليه
-أنا مش هسكت، وهقدم فيك بلاغ، دا مش اسلوب، ازاي تتهمني كدا من غير دليل، وازاي

رفع سبابته إليها ونظرات جحيمية فكل الأدلة تشير إليها،
نهضت وهي ترمقه بغضب
-شكلك من الناس المريضة
هب من مكانه فلقد نجحت وبجدارة أن تخرج شياطين الجحيم بداخله، جذبها من رسغها يضغط عليها بقوة
-انتِ ازاي دكتورة، ازاي تكوني بالتمثيل دا
رفعت نظرها تتألم من مسكته الفولاذية، رفرفت اهدابها محاولة السيطرة على نفسها وألا تضعف أمامه
-أنا مقتلتوش، ليه مش عايز تصدق ..دفعها بقوة وأشار بسبابته قائلا بنيران تخرج من مقلتيه :
-مش عايز كلام كتير، فيه شهود بتقول انك قتلتيه بالحقنة ال اخدها
نهضت واتجهت إلى باب الشالية متحدثة بغضب
-انت انسان ظالم ياحضرة الافوكاتو،
-اسمعيني كويس، انا مبحبش اكرر كلامي، دي ورقة فيها استدعائك والقبض عليكي بتهمة القتل، وكمان شوفي صور ابوكي المحترم دا واخوكي الفاشل
ودي ورقة جواز، انا مبحبش اغضب ربنا، هتقبلي اي ورقة معاكي وبراحتك
شعرت ببرودة تجتاح جسدها فهتفت بتقطع
-حبس وجواز، هزت رأسها
-طب ليه، انا بقولك انا مقتلتوش
نظر إليها بسخرية :
-اثبتي!!..خانتها عبراتها
-اتسجن ولا اتجوزك
مط شفتيه ونصب عوده متجها إليها
-براحتك..فيكي تمشي دلوقتي..ذهلت من رد فعله البارد ، فدنت منه
-إنت ليه بتعمل معايا كدا، انا عملتلك إيه؟!
جذبها من رسغها يهمس بفحيح:
-ابوكي سرق حياتي، سرق ضحكتي من الدنيا، انا كنت ناوي اخليه عبرة لمن لا يعتبر، وانت جيتي سرقتي روحي كملتي عليا، ونهيت اجمل حاجة حلوة كنت بستمد منها قوتي، ودلوقتي قدامك اربع ساعات واسمع ردك النهائي
روحي اسألي والدتك، باباكي عمل ايه في صديق عمره، أشار عليها بمقت
-الظاهر الأنسة  كانت صغيرة اوي، لدرجة مش فاكرة ماضي ابوها القذر دلوقتي غوري من وشي
استدارت تتحرك بخطوات مهتزة ودموعها تفرش طريقها

فتحت الباب وتحركت للخارج مذهولة من عدم منعه لها، ظل بمكانه وأخرج تبغه ينفثه، ثم همس لنفسه:
-هندمك يادكتورة، اتلقي وعدك معايا
وصلت بعد فترة إلى منزلها ..قابلتها والدتها بالعناق
-ياحبيبتي كنتي فين بقالك يومين..تحركت بخطوات هزيلة وألقت نفسها على المقعد
-ماما عايزة ارتاح ولما افوق هحكيلك، حاليا مش قادرة اتكلم في حاجة
استمعوا الى صوت طرقات على باب شقتهما، دلفت الشرطة
-فين الدكتورة رهف المحلاوي
نهضت من مكانها متحركة الى الضابط
-أنا رهف ..في ايه؟!
حضرتك مطلوب القبض عليكي في قضية قتل
صرخت والدتها تضرب على صدرها
-قتل، متهمة..هزت رهف رأسها وتحدثت:
-محصلش..تحدث الضابط قائلًا:
-لو سمحتي يادكتورة، اتحركي معانا من غير شوشرة
استدارت لوالدتها وعيناها تحجرت بالدموع، فهمست لوالدتها:
-ماما انا معملتش حاجة، اتصلي ببابا..جذبها الشرطي من ذراعها، تحركت معه وكأنها تتحرك على نيران تحرق أقدامها..وصلت بعد قليل، ودلفت متمثلة أمام الضابط
-احجزها يابني لحد ماوكيل النيابة يجي..ضيقت عيناها بذهول
-وكيل نياية،انا هتعرض على وكيل نيابة من غير حتى تحقيق
طالعها بغموض ثم أردف:
-من الأفضل تشوفي محامي كويس، شكلك متوصي عليكي
بفيلا مالك المحلاوي
خاصة بغرفة انجي، تتحدث مع صديقتها بالهاتف
-أيوة شوفته حلو اوي يانهى، بس شكله مغرور بس الغرور لبقله
ضحكت صديقتها عليها ڤاردفت
-جده مات، شكله مش هيحضر الحفلة ،  نهضت تنظر لنفسها بالمرأة وهي تخرج ثيابها وتنظر بها
-ليه بس كدا دا انا بعد لليوم اللي هقابله
صمتت صديقتها فترة فأردفت:

-طيب ماتشوفيه في الكلية، هو اصلا استاذ القانون في كلية الحقوق
دارت بفستانها واجابتها
-فكرت في كدا يابنتي، بس هروحله بصفتي إيه، انا مش في حقوق
ظلت صديقتها صامتة للحظات فأردفت:
-ايه رأيك نعمل صدفة بيه، يعني نشوف مواعيده ونرتب لكدا
-اووووه..ياس يانهى برافو عليكي..انا دلوقتي لازم أخرج عندي مشوار هخلصه وهكلمك بعدين
- مشوار ياانجي، مش مقابلة لسايكو هيثم
قهقهت وتحدثت:
-اهو اتسلى لحد مااشوف سكة لبدر القاضي..باي باي

بقسم الشرطة
دلفت كوثر إلى القسم تسأل عن الضابط المسؤل..دلفت إليه
-كنت بسال عن بنتي جابوها من شوية ..
-بنتك إسمها ايه؟!..تسائل بها الضابط
الدكتورة رهف مالك المحلاوي ..وصل مالك ودلف سريعا ينظر الى زوجته
-رهف مالها، وقضية ايه دي؟!
توقف الضابط أمامهما
-بنت حضرتك متهمة في قضية قتل عثمان القاضي، وهتتعرض على النيابة
صدمة نزلت فوق رؤوسهم كالصاعقة..ترنحت كوثر بالوقوف تهز رأسها بالنفي
-مستحيل بنتي تقتل مستحيل، دلفت رهف بأقدام متراخية بجوار العسكري الذي أردف:
-المتهمة يافندم..رفعت والدتها ذراعيها تحتضن ابنتها التي بكت بقوة
-ماما أنا بريئة والله العظيم ماقتلته..مسحت والدتها دموعها
-مصدقاكي ياحبيبتي، اتجهت بنظرها للضابط
-ايه ادلتك أن بنتي هي ال قتلته ..ابتسم الضابط بسخرية وأجابها:
-الشهود يامدام، غير هي اخر واحدة كانت مع المتوفي
هزت رهف رأسها وتحدثت:
-مش حقيقي وحياة ربنا ماحصل
تحرك مالك إليه
-أشوف أدلتك ياحضرة الظابط انا محامي، ثم تسائل:
-مين ال قدم البلاغ
-حفيده ومحامي.. بدر القاضي ..أطبقت رهف على جفنيها تدعو ربها بسريرتها
"اللهم اني مغلوب فانتصر"
اتجه إلى مكتب بدر القاضي

بداخل الحجز جلست تضم ساقيها، تطبق على جفنيها بألمًا، لماذا يحدث معها ذلك
استغفرت ربها، ودمعة غادرة نزلت عبر وجنتيها، أخرجت تنهيدة
-يارب..قالتها بقلبا عاجز، ولسان ثقيلا..ثم استندت على الجدار منتظرة القصاص من الحاكم العادل
بمكتب بدر..دلف إليه مالك المحلاوي
بدر باشا..عامل ايه حضرتك
لم تهتز له عضلة وظل يرمقه بثبات
-أنا مش باشا ولا حاجة يااستاذ مالك، انا اسمي الاستاذ بدر القاضي، يمكن حضرتك نسيت أننا كنا في وقت من الأوقات الاستاذ وتلميذه
جلس مالك وابتسم بسخرية قائلا:
-كويس انك لسة فاكر، انك الطالب، وأنا الاستاذ
اشعل بدر سيجاره وأشار بكفيه
-اه طبعا هو دا يتنسي،زي ماحضرتك كنت طالب عند جدي، وأول ماحبيت تضرب ضربته في ابنه
هب من مكانه
-بدر بنتي برة المشاكل ال بينا، انت عارف ومتأكد أن البنت بريئة ...نفث تبغه وأشار بكفيه
-أثبت، مش إنت محامي، اثبت بنتك بريئة، صدقني أنا ماليش دخل، القضية المحامي اللي بيتصرف فيها
انحنى وغرز عيناه بمقلتيه:
-في يوم من الأيام كان فيه محامي شريف، وعنده ولد نسخة من والده، لكن هناك معدومين ضمير دمروا المحامي وابنه
ضرب مالك بكفيه بقوة على سطح المكتب
-بنتي تخرج يابدر والا إذا
ضحك ضحكة مستهزئة، ورغم رفضه لمبدأ التهديد الا أنه تحدث:
-هتعمل ايه هتموتني، طب مابنتك هموتها وكله بالقانون
نهض يضع يديه بجيب بنطاله وأشار له
-بص يامالك يامحلاوي ، مش معنى اني رضيت بحكم القانون، يبقى نسيت حق ابويا، بس انا مش بحب ألوث أيدي بالدم، وانت مسبتنيش في حالي، لا روحت وبعت بنتك تقتل جدي، مكفكش موت بابا،
أشار بسبابته بغضب فلقد أخرجه عن هدوئه
-هخلص منك حقهم يامالك يامحلاوي
نظر إليه مالك نظرة مرعبة وأشار له
-أنا ماليش دعوة، ولا دلوقتي ولا زمان، افهم يابن هاني انا مش قذر كدا ودلوقتي لازم تتنازل على القضية وتشوف مين قتل جدك بعيد عني
هز كتفه :رهف المحلاوي
-هشوف يابن القاضي..قالها وهو بيضرب بكفيه على سطح مكتبه
خرج وخطوايه تاكل الأرض
عند رهف بالحجز ..كانت تستند على الجدار وهي تشعر بالتعب والأرهاق الشديد، الذي جعلها تحس بالدوار ..وضعت رأسها على ركبتيها وانسابت عبراتها بصمت حتى اغشي عليها، وتم نقلها لمشفى السجن
بعد يومين

وصل والدها إلى الحجز، وظل يبحث عن حثيثيات القضية، حاول الوصول لتلك الممرضة ولكن كأن الأرض انشقت وابتلعتها بعد شهادتها ضد ابنته
بمنزل رهف
تجلس بغرفة ابنتها، تقوم بأداء واجبها إتجاه ربها، جلست على مصلاها، تتجه للواحد القهار
-ربي لقد مس ابنتي الضر، فأنت ارحم الراحمين، اللهم اني استودعك ابنتي
استمعت إلى رنين جرس منزلها، خرجت العاملة
-مدام كوثر موجودة
-نقولها مين يافندم
-بدر القاضي..خرجت كوثر بعد دقائق معدودة تطالعه بصمت ثم أشارت إليه بالجلوس
-اتفضل يابدر، أنا روحتلك قالولي مسافر..نادت على العاملة
-شوفي الاستاذ يشرب إيه
-متشكر مش محتاج حاجة..طالعته بغموض وأردفت:
-مينفعش حضرتك في بيتنا، لك واجب الضيافة
-خلاص هاخد قهوة سادة
سحب نفسا وطرده بهدوء ثم تحدث:
-أنا آسف حدث لبس في الموضوع، انا جاي أقول لحضرتك المحامي ميعرفش رهف بنت حضرتك، وكنت هزور حضرتك من فترة لكن تعب جدي أجل الموضوع، هروح حالا أخرجها من الحبس
ابتسمت كوثر بسخرية
-والتمن يااستاذ بدر
-تمن!! تقصدي ايه حضرتك، انا مش قصدي أن أذي الدكتورة، أنا ماليش الأذى، رغم جوز حضرتك آذاني كتير، ورغم كدا انا جايلك واتمنى توافقي
كانت نيران صدرها مشتعلة بسبب ماحدث لأبنتها، طالعته بهدوء
-حضرتك جاي تساومني على براءة بنتي، وانت متأكد انها بريئة وكدا مبتحبش الأذى
رسم ابتسامة واردف بهدوء:
-أنا مكنتش اعرف إنها هي،توقفت كوثر
-لا عارف يابدر، وبدل نسيت العيش والملح يبقى مينفعش بينا الكلام
أشار بكفيه وأردف بهدوء محاولا السيطرة على ألا يغضبها
-طنط زينب أنا مش بايدي حاجة أعملها، لو كنت اعرف انها بنتك مكنتش قدمت البلاغ
نهضت زينب تطالعه بصمت للحظات ثم تسائلت:
-إنت جاي ليه يابدر؟!
عايز ايه ياريت تدخل في الموضوع على طول
تلعثمت الكلمات بحلقه وطافت عينيه يمينًا ويسارًا فتحدث بخفوت:
-جاي أطلب ايد الدكتورة
توسع بؤبؤ عيناها مشدوهة من طلبه
-جاي تطلب ايد بنتي المحبوسة بسببك
اخذ يملئ رئتيه بالأكسجين الذي يحتاجه حتى يستطع التنفس عندما وجد نظراتها النارية إليه، فتوقف بمحاذاتها
-طنط زينب لازم تعرفي حاجة واحدة، انا مكنش قصدي أبدا نوصل لكدا، انا معجب برهف أول ماشفتها، وزي ماقولت لحضرتك انا كنت هجي اطلب ايديها
-بنتي مدانة يابدر، بيقولوا الأدلة كلها ضدها
هز رأسه نافيا
-اعتبريها خرجت من الحبس
-وياترى مش دي الأدلة ال جاي تساومني على جوازها عشان تطلعها براءة ..سحبت نفسا وزفرته بهدوء، واتجهت تجلس على المقعد وتحدثت:
-أنا موافقة يابدر بس بشرط..رفع نظره إليها منتظر حديثها
-بنتي تطلع النهاردة قبل بكرة، غير تطلع في الوسائل تبرأها، دا شرطي الأول ..أما شرطي الثاني والأهم رفعت نظرها إليه تنظر بمقلتيه
-هي توافق عليك، يعني تتجوزك بإرادتها، أما لو رفضت يبقى كل واحد اخد حقه...نهضت واتجهت إليه
-اوعى تاخد رهف بذنب ابوها يابن القاضي، خليك عادل وشوف جميع الاتجاهات، قولتها زمان لوالدك وبقولهالك دلوقتي
-انا وبنتي برة لعبتكم دي
تنهد ساحبًا نفسًا محاولا السيطرة على أعصابه حتى يقنعها..سحب كفيها واجلسها
-طنط كوثر، مش هخبي عليكي، انا كنت متجوز بنت خالتي، ومتفهمناش، وأنا دلوقتي عايز اعمل عيلة، وطبعا مش أي واحدة هربط اسمها بإسمي، انا اتذكر حضرتك كويس، وجدو دايما كان يشكر فيها، والصراحة هي جذبتني، وسألت عليها عرفت انها بنت حضرتك، وكنت ناوي اجي اتقدملها، بس حصل ظروف واضطريت أسافر ورجعت بعد موت جدي واللي حصل، ودلوقتي هروح النيابة علشان سوء الفهم، ومعايا الدليل، متنسيش انا كنت محامي
جلست متنهدة براحة، وتحدثت:
-بتمنى يابني، اشوف بنتي جوا حضني وبعد كدا نشوف ايه اللي هيحصل
خرج متحركا متجها إلى النيابة ..امسك هاتفه وهاتف صديقه
-كريم البنت الممرضة، تجيبها النيابة وقت مااكلمك
قالها واغلق الهاتف
ظل لبعض الدقائق جالسًا بسيارته، ثم ابتسامة خبيثة على وجهه
-اشوف وشك يادكتورة دلوقتي..ولسة الحساب بينا كبير
تذكر قبل ساعتين
-بدر عرفت مكان الممرضة..نهض متجها إلى مكتبه
-هاتها على المكتب، وإياك مالك المحلاوي يعرف، اتصرف.
وصلت الممرضة برفقة رجُله، جلست أمام وجسدها يرتعش، نصب عوده وتوقف يشير بسبباته
-سؤال واحد ومش عايز غير إجابة واحدة
اومأت بشفتين مرتجفتين قائلة:
-هقول والله يابيه..انحنى يحاوط جلوسها بذراعيه
-مين اللي قتل جدي
أشارت بكفيها بإرتعاش
-هي والله يابيه، معرفش ليه، ضيق عيناه متسائلًا
-شوفتيها، إنتِ شوفتيها
هزت رأسها وتمتمت بخوف
-اه ..شوفتها وهي بتديله الحقنة
-ليه هربتي، هزت رأسها بهستريا، بعدما شعرت بسقوط قلبها
-لا دا اختي كانت رجعت من السفر ورحت اسلم عليها
اعتدل يضع كفيه بجيب بنطاله وتحدث:
-هتروحي النيابة وتقولي انك مشفتيش حاجة، اومأت برأسها ثم أشار لرجُله قائلًا
خدها لحد مااتصل بيك..أنا متأكد البنت دي وراها حوار، لازم النيابة تحقق معها، وممكن تكون هي اللي قتلت جدي

قالها ثم تناول جاكتيه وتحرك للخارج
خرج من شروده، متجها إلى النيابة


القاضي المتهم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن