الفصل الرابع

3K 140 18
                                    

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

مع الزمن يتحول الألم لحزن ويتحول الحزن لصمت ويتحول الصمت إلى وحدة ضخمة شاسعة والمحيطات المظلمة
جلال الدين الرومي

بعد خروجه من منزل رهف اتجه إلى قسم الشرطة الذي يحجز بها رهف..
دلف إلى مكتب الضابط المسؤول
-صباح الخير ياعمر..
صباح الخير يابدر، لو جي عشان قضية جدك، قاطعه
قائلا:
-عايز أقابل الدكتورة ياعمر، رفع نظره وتسائل:
-اوعى تكون حابسها مع المتهمين ياعمر
قوس عمر فمه :
-هو انت عايز ايه بالظبط يابدر، البنت متهمة والأدلة كلها بدينها، ومن اول جلسة هتاخد حكم
هز رأسه رافضا حديثه:
-البنت مظلومة ياعمر، انا حبيت اقرص مالك المحلاوي
تنهد متألما وتحدث :
-لما تحقق مع المتهم الحقيقي
-متهم حقيقي ..انا مش فاهمك يابني
وضع أمامه اسطوانة
-دي قدمها لوكيل النيابة، وهقولك على عنوان ال فيه المتهم الحقيقي، وبكدا لازم الدكتورة تبات في بيتها النهاردة
جحظت أعين الضابط
-أكيد بتهزر دي قضية يابني هو انا ال هفهمك..
ابعت بس هاتها وبعد كدا هقولك تعمل ايه
ولجت إلى الغرفة بخطى بطيئة تكاد تصلب نفسها من شدة ارهاقها، توقفت عندما التقت عينيه بعيناها، اتجهت إلى الضابط
-ممكن اعرف مين ال عايز يشوفني..نهض الضابط وهو يشير الى بدر
-الاستاذ بدر عايز يتكلم معاكي..استدارت بعدما هتفت بغضب:
-بس أنا مش عايزة أقابل حد
-استني عندك دا لو عايزة تطلعي من السجن النهاردة، استدارت وهي تشعر بالغضب يتسرب إلى اعصابها، ورمقته باحتقار:
-ليه حضرة الاستاذ كان مقتنع اني قتلت جده..نهض متجها إليها وتحدث بمغذى
-هو لحد دلوقتي إنتِ المسؤولة الأولى عن قتله
رفعت عيناها التي تشبه موج البحر وتلاقت بعيناه وهي تهتف بغضب ونيران جحيمية تريد التهامه بها
-انت مش طبيعي، قولتلك انا ماليش دعوة، انا دخلت لقيته ميت..أشار بسبباته وأشار إليها بالجلوس
-اقعدي نتفاهم..أطبقت جفنيها في محاولة للسيطرة على موجة الغضب التي اصابتها..اتجهت إلى المقعد بجسد مرتعش وجلست عليه، منتظرة حديثه
ابتلع ريقه محمحما
-فيه حد عايز يورطك في القضية دي، أنا بحاول أوصل للجاني الحقيقي، ودا محتاج منك الموافقة على شرطي
قطبت جبينها متسائلة:
-شرطك اللي هو انك تتجوزني غصب، علشان تنتقم مني، مش كدا ياحضرة الافوكاتو
أشارت على نفسها وأردفت قائلة:
-جاي تتشرط عليا بعد مارمتني ظلم في السجن
جذب المقعد وجلس بمقابلتها وتحدث بهدوء:
-بصي يادكتورة، انا هعمل اتصالاتي وهخرجك من السجن بس بالشرط اللي قولتلك عليه، وفيه حاجة هضيفها عليه، يمكن تريحك
طالعته منتظرة تكملة حديثه فأردف:
-نتجوز لحد ماتجبيلي ولد، هبت فزعة تنظر إليه بذهول
-أكيد مجنون، وأنا لو وافقت اكون بجني على نفسي أعيش مع واحد مختل عقليا
امسكها من رسغها بعنف وتحدث كفحيح أفعى قائلًا:
-بصي انا خلقي ضيق، انا جتلك وحاولت أتنازل عن القضية عشان خاطر والدتك ال هي مالهاش دخل في الصراع ال بيني وبين الحقير ابوكي، فخلينا متفاهمين عشان كل واحد مننا يكسب
دفعها بعيدا مزمجرًا:
-كفاية ينولك شرف وأقف ادافع عن بنت الراجل ال قتل ابويا ومش متأكد من يكون هو السبب في قتل جدي
هزت رأسها تنظر إليه بذهول:
-إنت قصدك مين؟!
هو إنت مين اصلا..دنى منها بنظرات جحيمية
-بطلي تمثلي البراءة عليا يابنت مالك، ايه نستيني، دار حولها وأكمل مزمجرا:
- اومال كنتي عاملة الملاك البرئ لجدي ليه، كنتي بتقربي عشان لما تقتليه محدش يشك فيكي
بدأت أنفاسها في الاضطراب وخفقاتها تتسارع كأنها بسباق، دنت منه
-كفاية بقى، انت ايه مش معقول، عايز توصل لأيه
-نتجوز ..قالها وهو يرمقها شزرا ثم أستأنف:
-دا لو عايزة والدتك تبطل عياط وممكن تموت فيها، وعشان ارحم ابوكي في هعمله فيه، واهو نرجع ذكريات زمان
شعرت بإنسحاب الأكسجين من حولها، ودارت بها الأرض ، هوت على مقعدها وتسائلت:
-زمان ..تلألأت العبرات بعينيها كطبقة كرستالية، فرفعت رأسها إليه
-ليه الظلم دا كله، ايه العقاب دا كله، ليه اتحمل واحد ذيك، أنا معرفكش، انت غيره، مستحيل تكون انت هو، اللي قدامي دا ظالم منتقم
انحنى لجلوسها ونظر لمقلتيها
-لسة ماكملتش شرطي يادكتورة، علشان تقولي ظالم ومنتقم بجد..رفعت نظرها فتقابلت عيناهما القريبة حتى اهتز كلا منهما الاخر، اعتدل سريعا عندما شعر بدقات عنيفة لم يعلم ماهيتها فأردف:
-هنتجوز سنة ونطلق، عايز وريث زي ماقولتلك، يعني مش هقدر اعيش معاكي اكتر من سنة، متخافيش وطبعا أنتِ الاختيار ال قدامي
ضحكت بسخافة على حديثه ثم قالت هازئة:
-اه دا انا وافقت عليك لا وكمان هخلف منك، مش بقول مجنون
صلب أنظاره عليها وعلى ضحكاتها المستهزئة، ففتح هاتفه ووضعه أمامها
نظرت للهاتف بشرود، والدها في احضان احداهن ولم تكن سوى زوجة صديقه
جحظت عيناها وتكونت طبقة من العبرات بعينيها تهز رأسها رافضة ما تراه فأكمل بزهو وانتصار
-تخيلي الفيديو دا ينزل على المواقع، شوفي وقتها سمعة ابوكي المحترم، مش هقول يهم والدتك بس طبعا ابوكي هيتأذي وممكن صاحب عمره يموته، ماهو خسيس خان صديقه مرة قبل كدا
وضعت وجهها بين كفيها تغمض عيناها وشعورها بالعجز، والدها ، أخيها ، والدتها ناهيك عن سمعتها كأبنته،وبرائتها
بدأت تعاني بشكل موجع ، ألمًا اجتاح جسدها وروحها معا، انسابت عبراتها رغما عنها، ندمًا على قلبًا نبض لشخصًا ذات يومًا بالخطأ

القاضي المتهم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن