اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك
قدراً ساقني إليكِي
و كأني خلقتُ لهذا القدر
أمطارُ عشقٍ أغرقتني
كإنسان إرتكبٓ ذنباً لا يُغتفر
فمن لم يعشق قلبكِ
فلا يرى نور القمر
عاد بدر بعد عدة ساعات، دلف الغرفة يبحث عنها، شعر ببرودة تجتاح جسده عندما شعر بفقدانها
بحث عنها بالغرف، اخيرا وجدها تغفو بهدوء كطفلة ذات الخمس أعوام
جلس بجوارها يرسمها بعينيه، وبخيلاته ليلة أمس
تنهد متألمًا هامسا لنفسه
-معرفش قدرنا هيعمل فينا ايه، رجع جمعنا بعد السنين دي كلها، بس بطريقة مؤذية اوي، ياترى لسة فيكي البراءة ولا اخدتي طباع ابوكي
سحب نفسًا وزفره ثم نهض متحركًا للخارج، استمع إلى رنين هاتفه:
-أيوة ياكريم..أجابه كريم على الجانب الآخر
-مبروك ياحضرة القاضي، لسة عارف من شوية أنك اتعينت قاضي
جلس على مقعده ..ثم أطلق صوتًا اعتراضيا تردد في حلقه وأخرجه من أنفه قائلاً:
-مكنش في بالي اصلًا، ومش فاضي لكن المستشار سامي العمدة أصر .. المهم سيبك إنت من موضوع القضاة دا، وبكرة الصبح عايزك تعمل اجتماعات للمحامين
نهض كريم ينظر للخارج ثم تحدث متسائلا:
-بدر إنت كويس، ليه مسافرتش شهر العسل
أطلق ضحكة ساخرة وأجابه دون الدخول بتفاصيل:
-هو أنا كل شوية هعمل شهر عسل ولا إيه، امشي ياله لسة راجع من برة وعايز ارتاح
قالها ثم أغلق هاتفه
اغمض عيناه متراجعًا للخلف، وأصوات كثيرة متداخلة بعشقه الصامت لها، اقنع نفسه ماهي إلا نزوة وستنتهي بعد فترة، سحب كم من الهواء وطرده غاضبًا من سيطرتها عليه، نصب عوده وتوجه إلى المرحاض، خرج بعد قليل متجهًا إلى غرفتها، وقف يطالعها للحظات بصمت ثم اقترب يمسد على خصلاتها
-رهف ..رهف..كررها عدة مرات حتى فتحت عيناها المنتفخة من البكاء، وهمست بصوت متحشرج من النوم
-أيوة.. فيه حاجة، هيئتها سحبته رغمًا عنه، فقد صفعه قلبه بعدم إتزانه، فانحنى يتذوق شهد شفتيها للحظات، أفاقت من نومها على قبلته التي أدمت قلبها، عاجزة عن ابتعاده، ضاع الأثنين بخضم مشاعرهما المتناقضة، فصل قبلته ومازال محاوط جسدها
-ليه نايمة هنا!!
اخيرا فاقت على واقعها المرير، فابتعدت بجسدها عنه وأجابته:
-أنا هكون مرتاحة هنا، ياريت تحترم رغبتي، جوازنا اتفاق، حضرتك تلتزم بيه، وياريت بعد كدا متقربش مني بدون أذني
دفن وجهه في حنايا عنقها النقي الذي يشبه الثلج، يستنشق رائحتها الندية لقلبه الصحراوي هامسًا إسمها من بين شفتيه
-إنسي، مفيش اللي بتقوليه دا مفيش ست بتبات بعيد عن جوزها
انتفض قلبها من حديثه، نعم لقد خصها بزوجته، فكيف له إهانتها البشعة
تجمد جسدها بين ذراعيه، محاولة السيطرة على قلبها الخائن فهمست قائلة:
-بدر إنت مقتنع باللي بتعمله، رفع رأسه وتعانقت النظرات، تائه بعيناها لا يعلم ماذا عليه قوله، قلبه يعاقبه بما يفعله، وعقله يصفعه
حمحم متجليًا صوته:
-عايزة توصلي لأيه؟! قالها مبتعد بنظره عنها
احتضنت كفيه وتلألأت عبراتها بخط من الدموع، قائلة بنبرة حزينة:
-إنت تصدق إن رهف ممكن تأذي جدو عثمان، فين بدر بتاع زمان
نهض كالملسوع عندما ذكرت الماضي ونبرة حارقة لروحها أردف قائلا:
-الماضي ماضي يا مدام، وانا معرفكيش غير انك رهف المحلاوي، فبلاش تستعطفيني بشوية الدموع دول، احنا الاتنين قدام معادلة صعبة ولازم نحلها بهدوء علشان كل واحد مننا يطلع خسران اقل حاجة، أنهى كلماته الموجعة بنظرات حاسمة
نهضت من مكانها وهي بحالة مأسورة خلف نيران عشقه الذي اشعله القدر مرة اخرى، فهمست قائلة:
-الظلم ظلمات يابدر ياقاضي، وهعملك اللي أنت عايزه، لكن افتكر إنك لتاني مرة بتكسرني، اقتربت وغرزت عيناها بعينه قائلة:
-هيجي الوقت اللي يأكدلك إنك أكبر ظالم ليا، حتى انك ظلمتني أكتر من بابا، هو بنفيه ليا دون وجه حق، وانت بظلمك وتماديك معايا ، ولو بدور على مين فينا اللي المتهم في نظر التاني، فأنت المتهم الأول يابن القاضي، لأنك في الاول بعدت بدون وجهه حق، ولتاني مرة تبعدني بذنب مش ذنبي، كدا النهاية اتكتبت بينا، وحاضر همشي على بنود عقد الجواز اللي حضرتك عملتها، اقتربت أكثر حتى اختلطت أنفاسهما، ثم رفعت كفيها تلكزه قائلة:
-علشان اكدلك إنك المتهم الوحيد والظالم في حياتي..قالتها وتحركت للخارج
مرت الأيام سريعا بينهما والحال كما هو عليه، بدر الذي يهرب من قربها بعمله، وهي التي تعودت على حياتها الجديدة
ذات مساء يجلسان بصمت كعادتهما يتتناولان العشاء، في جو لا يخلو من النظرات ولجت لميس ووالدته
-مساء الخير..رفعت رهف نظرها إليهما
-مساء النور، تحركت والدتها وجلست بمقابلتها
-عاملين ايه، رجعتوا إمتى
اتت رهف لأجابها ولكنه سابقها قائلاً:
-احنا مسافرناش غير يومين ورجعنا، رهف عندها شغل في عيادتها الجديدة ومحبتش اقف قدام شغلها
جذبت لميس مقعد ووجلست بجواره وهتفت بمغذى:
-بس دا شهر عسلكم يعني المفروض تنسى كل حاجة وتتفرغ لجوزها، بسطت كفيها تتلاعب بزر قميصه واقتربت منه قائلة بنبرة إغوائية:
-فاكر يابدر في شهر عسلنا، كنت مش عايز ترجع، ثم استدارت بنظرها للرهف التي تأكل بصمت
-معرفش ليه مااتحملتش يومين عسل، يمكن الجوازة دي لحاجة تانية
نادت نهال على العاملة ثائلة بأمر
-جهزي أوضة لميس هانم، وطلعي شنطها، ثم استدارت لأبنها مردفة:
-خالتك سافرت الصبح لجوزها فطبعًا مينفعش لميس تقعد لوحدها
نهض من مكانه قائلًا:
-البيت بيتها، ثم التقت عيناها الصامتة قائلا:
-يالة حبيبتي علشان ننام عندي شغل بدري، نهضت لميس وعانقت ذراعه
-بدور حبيبي عندي مشكلة ومحدش هيحلها غيرك، ممكن نتكلم شوية
رمقها بتحذير عن قربها، ولكن ذهب ببصره على رهف التي ألقت الشوكة من يديها
امسك كف لميس وتحرك قائلا:
-طبعا يالميس تعالي على المكتب، ثم صاح بالخادمة
-هاتي قهوتي على المطبخ
نظرت نهال بتشفي لغيرة رهف الظاهرة على وجهها فأردفت بخبث
-رغم أنهم اطلقوا، لكن تفضل لميس الأولى عند بدر، اوعي تغيري منها يارهف، هي دلوقتي بنت خالته وبس، وهي بتعتبره اخوها، ياريت متعملش مشكلة
نهضت رهف وأجابتها بهدوء رغم نيران قلبها
-لأ متخافيش مش هتأثر بعلاقاتي مع جوزي، مش معقول تأثر على بدر ماهي كانت قدامه
استمعت لصوت ضحكاتهما، وجدت الخادمة تحمل إليه القهوة، فتحركت قائلة:
-استني عندك..تقدمت منها وحملت عنها قهوته، ثم أشارت بعينيها على قهوة لميس
-حطي دي لمدام لميس مع طنط نهال، يشربوا قهوتهم مع بعض
قالتها وتحركت للداخل، وجدته جالسًا خلف مقعده ينفث تبغه، وتلك اللميس تجلس تتحدث إليه، ولكن كأن عقله مشغولًا بشيئا آخر
اقتربت منهما، ورسمت ابتسامه تطالعه بها
-جبتلك القهوة حبيبي، ثم اتجهت بنظرها إلى لميس قائلة:
-أما قهوة مدام لميس برة مع طنط نهال، قولت اكيد زمانها خلصت كلامها، وهتخرج برة، ماهو ماينفعش تبقى عزول مع راجل ومراته
تراقص قلبه فرحًا من كلماتها، ودّ لو نهض وعانقها عناقا آذبها داخل أحضانه، يكفي هذا البعد الذي اتخذته منذ آخر لقائهما الوحيد
رفعت لميس حاجبها ساخرة وأردفت:
يعني حضرتك بتطرديني بالذوق ..تحركت رهف متجهة إلى بدر الذي راقه فعلتها، ثم جلست أمامه على المكتب بجرأة لم تعهدها
-مقولتش كدا حبيبتي، أنا قصدي إننا عرسان جداد ومحبتكيش تتحرجي مش اكتر..بسطت كفيها على ياقة قميصه ونظرت لعيناه السعيدة بحركاتها فدنت منه
-مش كدا ياحبيبي، هو أنا غلطت
دنى بها وبنظرة خبيثة ابتسم يجذبها حتى جلست على ساقيه، وفعل بشفتيه صوته معترضًا
-لأ طبعًا ياحبي، إنتِ مبتقوليش غير الصح
نهضت لميس تضرب قدمها بالأرض ثم خرجت ونيران نظراتها ترمقهما تريد إحراقهما
هبت من مكانها عندما استمعت لأغلاق باب المكتب، تراجعت للخلف وطالعته بألمًا
-المفروض تراعي مشاعري قدام الناس، وتحفظ كرامتي، زي ماأنا بعملك حساب
قالتها واستدارت، نصب عوده واتجه إليها
-استني عندك!! توقفت تواليه بظهرها ودقات عنيفة. تكاد تخترق اضلعها
وصل إليها وجذبها حتى أصبحت بأحضانه
أدارها ورفع ذقنها لامسًا وجنتيها بأنامله:
-مين قالك أن محفظتش كرامتك، على ماأعتقد باب المكتب كان مفتوح، وأنتِ دخلتي وشوفتينا قاعدين إزااي، يعني بلاش كلامك اللي بتحاولي تبيني فيه اني راجل خاين ومفتري
تراجعت ثم نفضت كفيها من فوق وجنتيه قائلة
-شكل حضرتك متعرفش أن من الأصول ماينفعش تختلي بيها
تحركت سريعًا من أمامه..وقف متنهدًا يحدث نفسه
-وبعدهالك يابدر، هتفضل كدا لحد إمتى..تحرك خلفها وعزم قراره
وصل إلى غرفتهما وجدها تخرج من غرفة الملابس، بعدما أبدلت ثيابها، تحركت ولم تعريه إهتمام متجهة لغرفتها
أوقفها عندما اعترض مكانها وتحدث بنبرة جيلدية
-هتنامي معايا الليلة قالها وتحرك متجها المرحاض
فهمت معنى كلماته، فجلست بمكانها وقلبها ينزف من حقيقة زواجهما
مر شهرين على زواجهما، والحال كما هو
ذات مساءًا خرجت من غرفة العمليات بعدما اعتذرت عندما شعرت بالغثيان وعدم انتظام تنفسها، ناهيك عن الدوران الذي أصاب جسدها
هوت على المقعد تحاول لمام شتات نفسها عندما فقدت القدرة على الحركة
استمعت إلى طرقات على باب مكتبها، ولجت انجي اختها
-ممكن ادخل..اومأت برأسها
ولجت ثم جلست بمقابلتها
-عاملة إيه واخبار جوزك ايه
تراجعت مغمضة عينيها وهمست :
-الحمد لله..نهضت متجهة إليها ثم جلست أمامها على سطح المكتب
-كنت عايزة أقولك حاجة علشان متزعليش مني
فتحت عيناها منتظرة حديثها فهمست قائلة:
-خير فيه حاجة؟!
ضغطت على شفتيها بأسنانها ثم اردفت :
-أيوب..اعتدلت تطالعها بصمت فاستأنفت انجي حديثها
-أيوب انا معجبة بيه، وهو خايف تكون عندك مشكلة يعني في ارتباطنا
نهضت رهف بجسدًا واهن، ثم ربطت على كتفها
-لأ حبيبتي، لو فعلا شايفة أنه بيحبك متفكريش فيا، أيوب عمره ماكان في قلبي، ثم صمتت لبعض اللحظات وأسترسلت بإبانة
-علاقتي بأيوب كانت عابرة ، ومتعلقتش بيه ولا حاجة..رسمت ابتسامة على وجهها واحتضنت وجهها
-الشخص اللي طول عمري بحلم بيه وحبيته فعلا، هو اللي انا ملكه دلوقتي
صاعقة أصابت انجي فتسائلت بتيه:
-كنتي بتحبي بدر قبل أيوب تقصدي
اتجهت لمقعدها مرة أخرى وإجابتها بنبض قلبها الذي نبض بعنف من مجرد ذكره
-أيوب مكنش في حياتي ياأنجي، بدر حب طفولتي، ولولا اللي حصل زمان كنا زمان متجوزين
ضيقت مابين حاجبيها
-وبدر كان بيحبك، انطفأت لمعة عيناها وأومأت برأسها
-لو ماكنش بيحبني مكناش اتجوزنا ياانجي
هزت انجي رأسها مردفة
-بس هو مقاليش كدا
قطبت رهف جبينها متسائلة :
-تقصدي ايه..نزلت برأسها اسفًا قائلة:
-كنت مضايقة من جوازه منك، وروحت لعنده، فقالي أنه متجوزك إنتقام
شعرت بأنقباص بأحشائها من حديثه الذي شق صدرها، ورغم ذلك ابتسمت
-مش يمكن قالك كدا علشان شايف إعجابك بيه، وضعت كفيها على أحشائها وأسترسلت بإبانة:
-تفتكري واحد مبيحبش مراته هيبقى عايز يجيب منها اطفال
ابتسمت بحبور ممسكة كفيها
-إنتِ حامل ..هزت رهف رأسها وابتسمت
-وانتِ أول واحدة تعرفي، احتضنتها ودمعت عيناها
-رهف أنا آسفة، آسفة على كل حاجة وشكرا على وقوفك جنبي
ضمتها رهف بمحبة ثم اتجهت إلى متعلقاتها الخاصة، بعدما نزعت بالطوها الطبي واردفت
-يالة نعمل كبسة لحضرة الظابط، لازم اكدله أن مفيش حاجة تربطنا غير الصداقة مش أكتر
تحركت الفتاتان للخارج، انجي التي تغيرت كثيرا ووعدت نفسها بالتغير للأفضل بعد قربها من رهف وعلمت بمدى نقاء قلبها
ورهف التي تحركت بجوارها بقلبًا متألمًا كلما تذكرت حديثه عن الانتقام ..وصولوا لذاك المكان الذي ينتظرهم أيوب به، ولكن هناك من العيون من تقوم بمراقبتهما
جلسوا بعض الوقت، بعدما أخرج الثلاثة كل مايعتليه قلوبهما...نهضت رهف مبتسمة
-أنا هروح بقى، مش عايزة ابقى عزول، اتمنى تحافظ على انجي ياأيوب، واعرف لو حاولت تزعلها هقفلك
ابتسم ونهض قائلا:
-هوصلك للعربية، تحركت بجواره وهي تشعر بالدوران يحاوطها، توقفت عندما انتابتها غمامة سوداء، ولم تشعر بنفسها إلا حينما سقطت هاوية تلاقها بين اذرعه يصيح بصوته على انجي، التي وصلت إليهما سريعا
حملها ووضعها بجوار اختها متجها إلى المشفى
بعد فترة وصلت إلى منزلها بعد مكثوها فترة تحت الرعاية الطبية والأطمئنان على الجنين، والطبيب الذي اوصاها ببعض النصائح
ولجت للداخل بجسد مرهق واهن، كان ينتظرها وصدره يشتعل بنيران جحيمية يريد التهمام كل ما يقابله
نهض عندما وجدها تدلف من باب المنزل..اتجه إليها سريعا ثم أمسك رسغها بعنف:
-كنتي فين دا كله..
-بدر..سيب ايدي بتوجعني
ضغط بقوة يغرز أظافره برسغها حتى شعرت بتمزقها فهتفت بألم
-اتجننت، ابعد عني، قالتها غاضبة بعد الفكاك من محاصرته
دفعها وصاح بغضب
-مبترديش ليه، المدام كانت فين دا كله، ياترى كانت معزومة على قعدة حلوة
دفعته بقوة صارخة ، ثم أشارت بسبباتها
-هنا وألزم حدك، الخوض بشرفي كدا جبت اخرك، مش علشان ساكتة هتتخطى حدودك، أشارت على نفسها وصاحت مزمجرة
-إياك ثم إياك تتخطى حدودك، اللي قدامك دي رهف المحلاوي
قالتها واستدارت متجهة للأعلى سريعا، هرول خلفها يحذبها بعنف، فنيران الغيرة اكلت أحشائه كلما تذكر صورتها وهي بأحضان ذاك الأيوب يريد أن يحطم كل مايقابله، يريد إحراقها لما فعلته بقلبه
-لما اكلمك توقفي قدامي وإياكي تسبيني وتمشي
دفعته عندما اشتد آلامها وهتفت بنبرة متألمة
-لو سمحت نتكلم بعدين ..استدارت لتحرك ولكنه عرقل طريقها وجذبها بعنف صارخ عندما فقد السيطرة على نفسه:
-لأ يامدام لازم تجوبيني وتقوليلي كنتي فين، ايه مش عارفة الإجابة ولا خايفة
رفعت نظرها إليه بذهول
شكلك مش واعي لكلامك، جز على أسنانه مزمجرا من بين أنفاسه وهناك غيرة حارقة تحكمت به فهتف بفحيح
-مش واعي ،لما اشوف مراتي في حضن غيري مستنية اصقفلك يامدام
هنا فاق آلامها وصمتت عندما عجزت عن الرد، استدارت هاربة، ولكنه أوقفها بنيران جحيمية بصوته الذي افزعها ودفعها بغضب يود أن يلقيها صريعة، فكيف لرجلُ الصمود أمام نيران الغيرة القاتلة
-مش هتمشي يارهف غير لما تجاوبيني، كنتي بتعملي ايه مع الظابط، وازاي تسمحي لنفسك أنه يشيلك، هو لدرجة دي قدرتي تخدعيني ببرائتك المرسومة ببراعة
أطبقت على جفنيها متألمة من اتهاماته التي اخترقت صدرها كالسهام القاتلة
ظلت تطالعه بوجه اصابه الألم والخيبة، فلقد تأقلمت على اوجاعها التي سكنت روحها ..أصابه الجنون من صمتها فهزها بعنف صارخًا
-هتفضلي خرصة كدا، ردي على جوزك وجاوبيه ليه روحتي تقابلي حبيبك القديم ليكون عشيق في السر يامدام
هنا انهارت قواها واظلمت الأرض بدورانها حولها حتى هوت فاقدة للوعي مرحبة بتلك الغامة تدعو الله بقلبها ألا تصحو مرة أخرى
هوت مدحرجة على الدرج بصرخة اهتز لها جدران منزله، وهو يراها بتلك الحالة
وقفت والدته ولميس ينظرون بذهول لتلك التي وصلت لأخر الدرج والدم أسفلها
توقف بجسد شاحب كشحوب الموتى وهو يراها كأنها فارقت الحياة، تكورت العبرات بعينيه يهز رأسه رافضا ماصار، توقف لسانه عن الحديث وكأن أصابه الشلل
صاحت والدته غاضبة:
-ألحق البنت يابدر، شكلها كانت حامل
كتم صرخة مصعوقة جاشت بها حنجرته مما استمع إليه من كلمات والدته ..صمتا مقتولا يصاحبه رجفة قوية اجتاحت جسده كالزلزال
ووالدته تصرخ
-البنت حامل بالفعل وشكلها سقطت الحمل
هنا فاق من صدمته واسرع يحملها بين يديه يضمها إلى صدره متجها إلى المشفى
خرجت الطبيبة بعد قليل وعلامات الأسى على وجهها
-المريضة فقدت الجنين ربنا يعوض عليكم
شهقت نهال تنظر لأبنها بحزن، ربتت على ظهرها
-متزعلش بكرة ربنا يعوضك..بينما لميس التي تجلت السعادة على ملامحها، بعدما نجح مخططها، رسمت الحزن واقتربت تحتضنه
-معلش يابن خالتي ملكش نصيب في البيبي ، بس ايه اللي حصل
كان واقفًا كأن على رأسه الطير، وصفعة قوية تضرب قلبه دون رحمة، وضميره الذي يعاقبه
-قتلت ابنك بإيدك، تحرك متجها إلى غرفتها ، كأنه طفلا يتعلم السير، فتح باب الغرفة ودلف للداخل بهدوء، وجدها تستغرق بنوم هادئ بسبب تلك العقاقير، كفيها المغروز به الإبر، والمحاليل، رفع كفيها يحتضنها ثم طبع قبلة عليه
-آسف..قالها بآه مؤلمة خرجت لتحرق جوفه، تكورت عبراته بعينيه فأردف كأنها تسمعه
-عارف إني ظلمتك معايا، اتمنى تسامحيني
ظل لبعض الوقت حتى رفرفت بآهدابها متأوة فتحت عيناها وصورته البعيدة ترودها بسبب المواد المخدرة بالعقاقير
همست اسمه وهي تضع كفيها على احشائها
-ابني، ابني يابدر أنا حامل انحنى بانفاسًا ملتهبة وقلب محترق يمسد على خصلاتها ، ثم ابتلع جمرة حارقة بجوفه هامسًا لها
-ربنا يعوض علينا، المهم تكوني كويسة ..تعلقت عيناها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت صدرها
فانهمرت عبراتها ممزوجة بآلامها قائلة بنبرة حزينة
-ابني مات قبل ماالمسه، قبل مااحس بنبضه، موت ابني يابدر، وصل بيك عقابك لموت ابني
احتضن كفيها وأطلق تنهيدة مرتعشة وهو يهز رأسه
-لأ يارهف ، مالناش نصيب فيه، انا مكنتش اعرف ولا كنت قاصد
-اطلع برة عايزة اكون لوحدي..
كلماتها نزلت على قلبه ادمته، يكفي أن صدره يحترق كمرجل جف ميائه من كثرة الغليان ..اتسعت عيناه حينما استمع ماحطمه كاملا
-طلقني ياحضرة القاضي..الاتفاق انتهى ، حملت وربنا عاقبنا، كفاية لحد كدا، لا انا هقدر اسامحك ولا إنت هتقدر تسامحني
-رهف ممكن نأجل كلام دلوقتي
صرخت به قائلة:
-طلقني واطلع برة ..قالتها بأعين يتطاير منها الشرر، رغم شحوب وجهها
نزلت كلماتها كسهام مسمومة أصابته بعدم القدرة على الحركة..ظل لفترة وهو يرى عبراتها التي سقطت على صدره تكويه بنيران الندم
انفرطت الايام واحد تلو الأخر والحال تفاقم بينهما، رهف التي استقلت بمنزل والدتها وبدر الذي غادر البلاد لبعض الأيام حتى تهدئ الأمور بينهما
ولجت والدتها بطعامها، وضعته على الطاولة بجوار الفراش، وجلست بجوارها تمسد على خصلاتها
-هتفضلي لحد امتى كدا، ناوية على ايه، وقبل ما تقولي حاجة
-بدر بيحبك، صدقيني يابنتي انا أعرفه اكتر منك
تمددت على الفراش
-ماما عايزة انام، ممكن تاخدي الأكل وتسبيني لو سمحتي
تنهدت والدتها ، ثم تحدثت بهدوء:
-كفاية لحد كدا يارهف، من إمتى وإنتِ ضعيفة يابنتي، قومي خدي شاور، وفوقي جوزك كلمني وقالي هيجي بعد شوية، ينفع يرجع يلاقي حالتك كدا، كفاية أنه بعد علشان ترتاحي
-ماما لو سمحتي لو بتحبيني سبيني أنام، ومش عايزة أشوف حد لو سمحتي
بفيلا القاضي بعد وصول بدر بعدة ساعات ..استمع على طرقات غرفته، فتح عيناه من نومٍ متقطع
-ادخل، دلفت العاملة قائلة بإحترام:
-الاستاذة انجي تحت وبتقول مش هتمشي غير لما تقابل حضرتك
أطبق على جفنيه، ثم زفر الهواء المكبوت بداخل صدره
فأشار بكفيه لتحركها قائلاً:
-تمام قوليلها شوية ونازل
هبط بعد القليل ..كانت تجلس بجوار أيوب، وصل إليهما ولكنه تسمر بوقفته عندما وقعت أنظاره على أيوب، واصل خطواته إليهما
حتى توقف أمامهما، وعقله يرسم سنيورهات
-خير، ايه سبب الزيارة الكريمة دي !!
توقفت انجي أمامه وهتفت
-جاية علشان حاجتين ، أشارت على أيوب
-اعرفك أيوب خطيبي وفرحنا بعد شهر ..ثم تحركت خطوة وهي تنظر إلى مقلتيه بغضب
-أنا ممكن كنت شاركت معاك في ضياع حياة اختي في الأول ورضيت انك تتجوزها وانا عارفة ومتأكدة إنك واخدها انتقام، وجيت هنا رمتها بالباطل قولتلك أنها على علاقة بأيوب، لكن رهف عمرها ماحبت أيوب، هما قربوا فترة وهي ماارتحتش، وللأسف أنا شاركتك كسرتها ووجعها ،لكن اعمل حسابك ياحضرة القاضي انك المتهم الأول اللي وصل اختي لحالتها دي، انت في المقام الأول وبابا كمان مشترك معاك، بس لحد هنا وكفاية بقى، عايز توصل لأيه، انت عارف ومتأكد من حب رهف بس حضرتك عملت ايه، كنت السبب في ضياع حياتها
أمسكت الهاتف وقامت بفتحه بعدما وجدت الذهول بملامحه التي تجلت على وجهه
-أنا اتجوزت الأنسان اللي طول عمري بتمناه ياانجي، أيوب مجرد صديق ، لكن بدر حبيبي اللي بجد ولو مش مصدقة تعالي نروح لأيوب ياستي
هنا شعر بإنسحاب أنفاسه حتى فقد توازنه وجلس على المقعد، استأنفت انجي حديثها
-أنا كنت معاها يوم مااغمى عليها وأيوب شالها وخدنها المستشفى، بس شكل اللي وصلك الأخبار كان عايز يفرق بينكم ياحضرة القاضي العادل
قالتها وتحركت بجوار أيوب الذي بسط كفيها وتعانقت اناملهما أمام ناظريه
نهض متحركا لسيارته فيكفي بعدها عن حضنه إلى آلان، هو كان يشعر بتبادل المشاعر، ولكن كرامته وكبريائه منعته من الأعتراف بحبها، نعم حبها الذي نبت بشبابه وكبر وترعرع إلى أن أصبحت زوجته قولا وفعلا..وصل لمنزل خالته ، دلف للداخل قابلته والدته
-رجعت إمتى حبيبي..تحرك يبحث بعينه متسائلا:
-هي فين؟!..ضيقت والدته عيناها متسائلة
-هي مين !!
استمع الى خطواتها وصوتها
-بدر حبيبي، ايه المفاجأة الحلوة دي، قالتها وهي تلقي نفسها بأحضانه
صفعة قوية هوت على وجنتيها، ثم زمجر كأسدًا جريح
-بقى إنتِ ياحقيرة تلعبي بيا، مين اللي سلط الممرضة تقتل جدي وتتهم في رهف
جذبها من خصلاتها التي أصبحت بقبضته، جذبها يتحرك بها وسط صرخات والدته وصرخاتها
بكت من قوة آلامها عندما شعرت بتمزق خصلاتها
رفعها من خصلاتها
-عمري مافكرت اني امد ايدي على واحدة ست وخصوصا انها بنت خالتي
ودلوقتي لازم تتعاقبي يالميس
-بدر.. وحياة ربنا ماكنش قصدي يموت، الممرضة الغبية معرفتش تتصرف، أنا قولت تعمل حاجة تتهم في رهف بس وحياة ربنا ماكان قصدي
جز على أسنانه وتحدث بفحيح:
-ليه ياحيوانة هي كانت عملت فيكي ايه، إذا كان أنا مكنتش بكلمها وكنت ببعدها انت مالك ومالها..قالها وهو يدفعها بقوة حتى اصطدم جبينها بالجدار
نهضت تصيح ترمقه بغضب
-كنت عايزة اتخلص منها وخصوصا بعد ماعرفت أن جدك ناوي يجوزهالك بوصية سرقتها من المحامي، اقتربت تغرز عيناها بعمق عيناه وهتفت
-اه مالك مصدوم، جدك ربنا ينتقم منه لا رحمني وهو عايش ولا هو ميت
صفعها بقوة
-إنت واحدة مجرمة زبالة، لازم تتعاقبي يالميس
توقفت نهال تهز رأسها لم تستوعب حديث لميس، اقتربت منها
-اتجننتي يالميس تلوثي ايدك بالدم ليه يابنتي
تراجعت تهز رأسها كالمجنونة
-علشان ابنك يبعد عنها ويرجعلي ايه مش دا اللي كنتي عايزاه ياخالتو، ولا دلوقتي أنا بقيت وحشة، أشارت بسبباتها
-لأ فوقي ياخالتوا، انا عملت كدا بعد مااقنعتيني أن بدر بيحبني بس جدو اللي مسيطر عليه
نظر إلى والدته بذهول
-ازاي تقولي كدا وانت عارفة لولا الظروف اللي اتحطيت فيها كنت عمري مااتجوزتها
وصلت الشرطة بعدما أخبرهم بدر بمكان الممرضة التي اخفتها لميس منذ خروج رهف من السجن
تم القبض عليها في وسط صرخاتها، بينما والدته التي جلست بصدمة بعدما استمعت إلى اعترافات لميس
أشار لوالدته
-دي اللي كنتي عايزاها أم لأولادي ..قالها وتحرك متجها إلى حبه الدفين بأعماق روحه
استقل السيارة وقادها بسرعة، ظل يضرب على المقود كاد أن يكسر معصمه، ويزأر بغضب كلما تذكر ماصار لها، اعتصر قلبه من فراقها ودقات قلبه تعلن عن عصيانها بالنبض العنيف، كلما تخيل له اقترابها منه مرة أخرى
وصل بعد فترة وجيزة، دلف للداخل يبحث عنها
-لسة فاكر عليك يابدر، استدار إليها بلهفة قائلا
-فين مراتي ياطنط كوثر..أشارت بعينيها على غرفتها بعدما وجدت لهفته بعينيه
ولج للداخل بهدوء، كانت تغفو كحورية بحر، انتفض قلبه عندما وجد شحوب وجهها وفقدانها الكثير من الوزن، لمست أنامله وجنتيها..ظل يمرر أنامله يرسمها إلى أن وصل إلى ثغرها واحتضنه بقبلة مشتاقة ، فتحت عيناها بعدما سحب نفسها بقبلته
وضع جبينه فوق خاصتها
همست بإسمه
-بدر..وزع قبلات متناثرة على وجهها بالكامل قائلاً :
-روح بدر..
نهضت تدفعه بقوة وصوت بكائها أصاب نياط قلبها
-ابعد بقولك اياك تقرب مني
قامت بتحطيم كل ماتطاله يديها صارخة بجنون
- طلقني
أنت تقرأ
القاضي المتهم
Mystery / Thrillerعندما يصبح القلب جافيا قاسيا، فقد يصيب بعتمة حالكة، كالصحراء القاحلة لازرع فيها ولا ماء، حتى تنزف الروح بلا دماء، مما تجعل الجسد ميتا وهو على قيد الحياة"