تركت سلام يتساءل عما حدث لي وعدت غضباناً أسفاً إلى غرفتي، ثم جلست على السرير وأنا أحاول أهدئ نفسي محاولاً دفع الظن السيء الذي قام في نفسي اتجاه جهاد، لابد أنها تعد لشيء ما، ويجب أن أصبر أكثر قليلاً، وأراقب نفسي عن كثب أكثر حتى أمنعها من أي تصرف متهور، فقد أثر الارتباك والترقب والقلق على هدوئي مؤخراً.
بعد يوم شاق من العمل والتمثيل، ذهبت إلى فراشي وأنا أتوقع الحصول على نوم عميق، لكن ليلتها حصل لي شيء غريب، فقد تهيأ لي رؤية شخص ما يتحرك في أرجاء الغرفة، ولم يكن ذلك الشخص ضخم الجثة عبيد أو سلام فضلاً عن جهاد، قمت بفرك عيناي وأعدت النظر لأجده قد اختفى كأنه لم يكن، واستيقظت في اليوم التالي وأنا أشعر بالخمول، فقد أخذ ذلك المهاجم جزءاً كبيراً من ليلتي، حيث لم أستطع العودة إلى النوم وأنا أفكر فيه وأترقب عودته، ولكن مع الانخراط في يومي، اندس أمر ذلك المهاجم في الجزء المظلم من ذاكرتي، وتفاءلت ألا أراه مجدداً.* * *
أقبل الليل أخيراً ورحبت به من شدة التعب الذي لحقني من أرق ليلة البارحة، وما هي إلا دقائق حتى جاء شبح النوم وأخذني معه بينما كنت أطالع السقف في صمت أفكر في أحداث الأيام الأخيرة، لأنفصل بهدوء عن الواقع الذي كثيراً ما يكون مؤلماً، ولولا ذلك لما كان عالم الأحلام مريحاً، لكنني رأيت ليلتها ما جعلني أتمنى العودة إلى الواقع، لو كنت في حلم، أو أدخل حلماً لو كان هذا هو الواقع، لقد كنت أختنق!
حاولت إطلاق صرخة استغاثة، لكن الاختناق منع الهواء كما منع صوتي من أن يعلوا، فتحت عيناي بفزع لأرى أمامي رجلاً ضخم الحجم ملثم الوجه وعينيه تشتعلان كأنه يحمل حقد إبليس لآدم، لقد كان نفس الرجل الذي رأيته بالأمس!
تذكرت بشكل مفاجئ الركلة التي تعلمتها من التمرين الصباحي، والتي من كثرة التدرب عليها أحسست بأنني سأفقد ساقي، ودون الكثير من التفكير ضربته على بطنه بقدمي ضربة أسقطته أرضاً، فقمت من فوري فزعاً وأنا أحاول اخراج الكلمات من حلقي وإدخال الهواء فيه:
- عبيد... سلام... استيقظا!
وكانت جهاد أول الحاضرين من قوة الصياح، فتحت الباب وسألت عما يحدث، فقلت لها سريعاً:
- اغلقي الباب، لا يجب أن ندعه يخرج، هو ما زال في الغرفة!
عندها استيقظ عبيد وسلام وهما يستعيذان ويبسملان سائلين في نفس الحيرة التي تملكتني: ما الذي يحدث؟!
سرعان ما أضاءت جهاد المصابيح، لأصدم فوراً مما رأيته، أو بالأصح مما لم أره، فلم يكن في الغرفة أحد سوانا نحن الأربعة!
انهالت علي الأسئلة وتداخلت الأصوات كلهم يسألني عما حصل، فلم أتحرى رداً مقنعاً، من سيصدق أن مجرماً حاول قتلي ثم تلاشى كأنه لم يكن؟!
قام عبيد يهزني وهو يقول كأنه ظنني نائماً:
- قيس، أفق! ماذا جرى؟
نظرت إليهم والارتباك والحيرة يسيطران علي، ثم قلت:
- شخص ما، كان يخنقني، لقد حاول قتلي... لكنه اختفى!
تلاحقت علي أسئلتهم مرة أخرى تستفسر عن هويته، لأخبرهم أنه لا فكرة لدي، فلم أتبين ملامحه، عندها تجولت جهاد في الغرفة وفحصت النافذة محاولة دفعها وتحريكها لكن القفل كان سليماً والنافذة لا تفتح إلا من الداخل، فقالت في محاولة منها لإعادة سطوة المنطق:
- قيس، هل تدرك أن الطريق الوحيدة للدخول هو من الباب، وقد كنت أجلس عنده طوال الوقت؟
عندها تدخل عبيد لينقذني من الموقف المحرج الذي وجدت فيه نفسي:
- يبدو أنك كنت مرهقاً، مع تسارع الأحداث وانقلاب الأحوال، لا أستبعد أن تظهر لنا أحلام مزعجة.
- لم يكن ذلك حلماً، أنا متأكد مما رأيته!
أجبت في ثقة وثبات لا يتيح لهم الشك في صدقي، فأخذت جهاد تقلب بصرها في الغرفة علها تجد أي مدخل يمكن أن يثبت صدق كلامي، لكن طرفها ارتد خائباً.
وفجأة خطر لعبيد حلاً لهذه المعضلة، فأشار بيده إلى السرير ليوصل رسالة مفادها أن الفاعل ربما يختبئ تحته، ناظرنا بعضنا البعض، وبقدر خوفي كانت رغبتي لكشف غموض هذا اللغز فتقدمت بخطى وئيدة نحو السرير وأنا أستعيذ بالله بكل صيغ الاستعاذة التي أعرفها، قربت يدي من ملاءة السرير بهدوء ثم رفعتها بسرعة ليرتفع معها قلبي، لكنني لم أعثر على أحد، تابعنا على هذا المنوال نفتح الخزائن ونتفقد الأركان المظلمة، لكنني وجدتني مضطراً للتراجع عن كلامي والاعتراف بأن ذلك لربما كان حلماً مزعجاً، وفي قرارة نفسي أن ما رأيته كان حقيقياً، لكن أنى لذلك المهاجم أن يختفي هكذا؟!

أنت تقرأ
آخر الموحدين
Ngẫu nhiênفي عالمٍ مُدمر، حيث الظلم والكفر يلفان كل شيء، يقف قيس، الشاب التائه، على حافة الهاوية بعد أن فقد أسرته وأرضه في مذبحة وحشية طالت أمة الإسلام، ليجد نفسه مع بعض المرافقين وسط البحر، لا يصحبهم سوى شبح الماضي المؤلم وأمل خافت في المستقبل. لكن، يلتقي قي...