ذي اللحية الحمراء

26 5 49
                                    

- مستحيل!

هذا أول ما تلفظت به جهاد حين أطلعتها على خطتي، ولكني هدأت من نفسي، كان ذلك متوقعاً، وليس علي إلا محاولة إقناعها، أو هكذا اعتقدت في البداية...

لكن الأيام كانت تمر والليل يعقبه النهار والساعات تتلوها الساعات وجهاد لم تتزعزع عن رأيها، لقد كان فضح الخونة أمراً محتوماً وواجباً مفروضاً بالنسبة لها، أما أن تنجو هي من هذه المعمعة، فشيء ثانوي يمكن أن يحله ألف حل، وقد كنت بالطبع أخالفها الرأي تماماً.

- أنتِ لا تعلمين عما تتحدثين عنه إطلاقاً... لقد رافقت والدي وعرفت مثلكِ شيئاً من الحكم وتراكمت عندي بعض الخبرات، ستُعدمين كالخونة.

- بل أنت جاهل مع وافر احترامي يا قيس، لا يمكن إعدامي مع وجود شبهة.

- لكن ليست هناك شبهة والأدلة بين أيديهم!

- اطمئن ودعني أفعل ما أريد فحسب، أعرف كيف أدافع عن نفسي إذا حاكموني... ولا بد لهم من ذلك فهذه دولة مسلمة تتحاكم إلى الشريعة، لستُ حمقاء حتى أرمي بنفسي في قاع الموت.

- لكنه بالضبط ما تفعلينه الآن! إنكِ تحومين حول الحمى، هذا ليس ذكاء بالمرة، إنه غباء وسُخف لا ترينه لأنكِ مغترة بخططك!

نظرت إلي بطرف عينيها مستغربة من انفعالي لهذا الموضوع وانشغال بالي به، وأي شيء يُستغرب؟ أي أحد آخر في مكاني كان ليفعل ما أفعله، فنحن لا نرضى بأن يُظلم البريء... على الأقل هذا ما ظننته، حتى أدركت أن استغرابها إنما كان لتطاولي بالكلام على شخصها الكريم، فقالت بجدية يشوبها الغضب وهي تبتعد عن سور الشرفة:

- أنت السخيف يا قيس... تريد الدفاع عني مقابل ترك صديقك يسقط، أنت الخائن في الحقيقة.

سكت مبهوتاً، وبهت أكثر حين كررته مشددة على كل حرف:

- أنت الخائن الذي ينبغي أن يستحي من نفسه ومن تغرره بوفائه!

- أحاول فقط أن أجعلكما تنجوان، أحاول الحفاظ على التوازن! هل هذه خيانة؟!

- هل كان جلال ليكون راضياً بخذلانك هذا؟ هل كان سيفرح بمعرفة أنك وضعت مصلحة الحكم كبشاً تفديني به؟! أنت لا تعقل شيئاً.

قالت في سخرية جلجلت أركاني فقلت مدافعاً عن نفسي هذه المرة، بنبرة من يتوسل القليل من الرفق والتقدير:

- بغض النظر عن صحة هذا الكلام، لماذا تتحدثين هكذا؟! ما الذي ترينني أفعل الآن؟ أدافع عن نفسي أم عنك؟!

ازدردت لعابي ثم أجبت عن نفسي قائلاً:

- بل عنكِ، ولو كان الأمر يخصني لما اهتممت!

- وهل تعتقد أنني كنت سأحشر أنفي في ما يخصك كما تفعل معي؟! صدقني... لست أبالي بك، ولم أكن لأبالي على الإطلاق!

آخر الموحدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن