الفَصْلُ الثَّاني

41 10 181
                                    

«مشتَّتةٌ»

إنَّ الحُبَّ مُفاجئٌ لدرَجةِ أنَّه لَا يسْمحُ لكَ بتَدارُكِ نفسِكَ وأنتَ تغرَقُ بهِ... هوَّ يجرُفكَ إلى القَعرِ المُظلِمِ دونَ أنْ يَلفتَ اِنتبَاهكَ، تَستمرُّ في الإنجرَافِ حتى تَصلَ إلى الهَلاكِ وعندَها تَنتَبه وتُريدَ الفِرارَ لكنَّ الأوَانَ قد فَاتَ …

❀❀❀

كنتُ أجلسُ فوق كرسيِّ مكتبي الهزَّاز تُقابلنِي فتَاةٌ بيضاءُ بشعرٍ أسودَ و ملامِحَ آسيويَّةً حادَّة، حلمقتُ بها لبرهة قبل أن أحمل قلمي وأفتحَ دفتري ثمَّ أرفع حدقتيَّ أمامها وأُردف بلطفٍ : مرحبا آنستي مالذي أتى بك؟

رمقتني ببرودٍ جعلني أراجع نفسي... هل قلتُ شيئا خاطئا؟

قالت فجأةً وهي تَنظر إلى خزانة الأدوية : سيَّارةُ أبي.

كدتُ أن أضحك لكنَّني تحكمتُ في نفسي، أنا لن أنسَى أنني طبيبة نفسية ومن المحتمل أن أواجه العديدَ من هذهِ الحالاتِ.

اِبتسمتُ مجدداً لكن بتكلف هذه المرَّةَ، ثم أضفتُ : أقصدُ ممَّا تُعانينَ؟

بعد جملتي هذه صوَّبت سوداويَّتيها الغرابيَّة نحوي، نظَرت صوبَ عينايَ للحظَاتٍ أربكتْني، ثمَّ اِقتربت مِنِّي قربًا خطيرًا جعلني أنحني لأقْصَى الخلفِ، حرفيًّا لم يفصِل بيننَا إلاَّ إنشاتٌ، و همستْ فجأةً : أُعاني من غَباء أفرادِ عصابَتي، أردتُ تفجِير هذَا المَكان ولكن بِسببهم لم يتمَّ الأمر.

حسنًا أظننِي فهمتُ ممَّا تُعانِي … لديْهَا إضطرابِ الهويَّة التَّفارقي والمسمى سابقًا بإضطرابِ الشَّخصية المتعَدِّدة، هذَا الأخيرُ واحدٌ من أخطرِ الأمراض النفسيَّة، وقد يعتبرهُ مجتمعنا مرضًا عقليًّا، وهذَا راجع إلَى الأعراض التِّي تظهرُ على المُصابِ، فتجعلهُ يعيشُ شخصيَّةً أخرى ويتقمَّصها مُبتعدًا عن واقعهِ وجوهَرهِ الحقِيقي، قد يكونُ بشكلٍ إستحواذيٍّ ظاهرٍ للكل وهذَا لأنَّ المُصابَ بهِ عندمَا يتقمَّص شخصيَّة ما يُظهرُ ذلكَ لكلِّ من حولهِ عن طَريقِ ملابسهِ وتصرُّفاتهِ؛ أو بشكْلٍ غيرِ اِستحوَاذيٍّ عندمَا لا يُظهرُ المريضُ تقمُّصهُ للشخصيَّة رغمَ ملاحظة تغيِّرٍ واضحٍ بشخصيَّته. وأعتقدُ أنَّ مُشَّخصَتي من النَّوع الأولِ.

يعودُ سبب هذَا الإضطِرابِ الأسَاسيِّ إلى هروبِ المريضِ من وَاقعهِ، وهذَا بالتأكيدِ سيكُون جرَّاءَ صدمةٍ أو شخصٍ ما، تركَ في نفسهِ ثغرةً لا يمكنُ علاجُها لدرجَةٍ تجعلُهُ يغادرُ عالمنَا نحو عَالمه الخَاصِّ بحثًا عن الملاذِ والإستِقرار... لعلاجِ هذا المرضِ يجبُ محاولةُ دمجِ كلِّ الشخصيَّاتِ التي يتقمَّصها المريضُ في شَخصيَّةٍ واحدةٍ هي شخصيَّتهُ الواقعيَّةُ، ويجبُ إعطاءُ أدويةٍ ومنوِّماتٍ مناسبَةٍ وكذَلك توفيرُ عنايةٍ نفسيَّة مشدَّدة، ولتَقرير سهولَةِ أو صُعوبَةِ رحلةُ العلاجِ، يجبُ أخذُ الصدمَةِ أو الشَّخص المُسبب للإضطِرابِ بعينِ الإعتبارِ. أي بالمُختصرِ المفيدِ إنَّ هذهِ هيَّ أوَّل حالةٍ نفسيَّةٍ تحتاجُ جهدًا كبيرًا واجهتُها في عاميَّ الأولِ من العملِ.

Just an illusion حيث تعيش القصص. اكتشف الآن