P1|قُلت:متسبنيش..وسابتني

355 20 48
                                    

_

فتح عيناه بانزعاج من دقات الباب المُلِحة..تجاهلها منتظر ان يفتح الباب احد افراد اسرته النائمين..ما إن استرد وعيه حتى أدرك أنه لا يوجد أحد يدق الباب ولا يرن الجرس سوا ابن جيرانه ذو العشر سنوات..تيم.

نهض من السرير وهو يتثاؤب ويفرك عيناه ، فتح الباب وقال مؤنبًا:

-يابني هو فيه بني ادم يزور حد على صباحية ربنا ك-

توقف عن الحديث عندما رأى ملامح تيم الموشك على البكاء.

-بسم الله ، مالك؟

-...تعالى

مد يده وسحب الفتى لحضنه ، ما إن عانقه حتى أنسابت دموعه

-مالك يا حبيبي ؟ حد ضايقك؟

رفع له رأسه من صدره نظر له بعينيه الباكيتين..وهمس بين شهقاته:

-مُريد..م.ماما ...ماما سابتنا تاني يا مُريد.

ابتلع مريد ريقه..ضم الفتى له أكثر ليعلو نحيبه ، حمله متجهًا لغرفته..وهو يهمس بكلمات مواسية لا يدري هو ذاته ما جدواها.

وضعه على السرير وجلس بجانبه ..توقه بذراعه وبكف ذراعه الاخر مسح دموعه.

-اهدى يا تيم ..احكي لي اي الي حصل

استنشق مخاطه وابعد يد مُريد عن وجهه..وظل ممسكًا بكفه بين كفيه الصغيرتين.

-اتخانقِت مع بابا جامد امبارح بليل وبابا..ضربها ، بعدها كل واحد نام في اوضه...انا معرفتش انام وفضلت صاحي ، شفت ماما الفجر لمت هدومها في شنطة سفر..ع.عرفت انها..هتسيبنا تاني..قلت لها يا ماما عشان خ.خاطري يا ماما متسبنيش..بس مردتش عليا ..مردتش عليا و..سابتني.

ارتمى على صدر مريد وهو يبكي بحدة..ضمه مريد مجددا وهو يشعر بالعجز..هو ذاته شعر بالوجع المرير..شعر بغصة ..لم يدري حتى ماذا يقول..إن كان هو يشعر بكل هذا المقدار الفظيع من الآلم فماذا بالفتى الذي يصغرهُ بخمسِ سنوات وهو في وسط الموقف ..

ربت على شعره قبل ان يدفن يده بين خصلات شعر تيم الكثيفة

-هترجع تاني..مش مشيت قبل كدا ورجعت تاني؟ هترجع تاني.

رفع رأسه لمريد مما جعله يرى حُمرة أنفه ووجنتيه ،وأهدابه الكثيفة الغارقة في الدموع

-بس هي بتطول اوي ورندا مبتعرفش تعمل ايه..رندا مبتروحش مدرستها عشان تقعد معانا وتطبخ لنا وتعمل شغل البيت...وكمان هي.. بتوحشني اوي ،قبل ما بابا يروح الشغل شافني بعيط وقال لي انه مش مهم ان ماما مشيت هي امتى عاشت معانا سنه على بعضها اصلا ماهي على طول بتمشي...بس انا عايز بس اعيش مع ماما..ما كل صحابي مامتهم بتعملهم كل حاجه..صح ان رندا بتعمل لي..بس انا عايز ماما...هو مش رندا كمان عايزه ماما؟

ساد الصمت ، لم يجد مريد سوي بضع كلمات للمواساة -السخيفة التي لا معنى لها- ولم يبتعد تيم عنه ،ظل متشبثًا به..

قطع مريد الصمت فجأة:

-أنت قلت لرندا أنك هتجيلي؟

= رندا كانت نايمة..رندا متعرفش ان ماما مشيت.

-طب حرام عليك البت هتصحى تتغم ان امها مشيت وتتفزع ان انت مش موجود!..تعالى نبعت لها رسالة.

كانوا قد تبادلوا الارقام قبلًا لتطمئن رندا على تيم ،عندما كان دائم الهروب لبيت جيرانهم..وكانت في أحيان أخرى تحضره رندا لهم لتستذكر لإختباراتها ..لم تكن رندا تذهب للمدرسة،كانت تكتفي فقط بحضور الإختبارات النهائية..لأن بطبيعة الحال كانت الاخت الكُبرى..كانت مسؤولية المنزل وتربية اخوتها تقع على عاتقها دومًا ، كثيرًا ما جائت لوالدة مريد باكية حائرة من ضغطٍ أو مسؤولية أكبر منها..

كانت طِفلة تُربي أطفالًا..

-انت منمتش صح؟

=لا

-الساعة 8 الصبح..النهارده السبت؟ تعالى ننام عشان اصحى احل واجباتي.

=مش هعرف أنام

-تعالى بس..

سحبه بين أحضانه ..وضع تيم رأسه على كتف مريد، مرت عدة دقائق قبل أن يشعر مُريد ببلل كَتِفه وإهتزاز جسد تيم.."لو تعرف انت واجع لي قلبي قد ايه"قال مريد بينه وبين نفسه ،شد على جسده الصغير وهمس:

-متعيطش عشان خاطري.....كل حاجه هتبقى كويسة ،أنا معاك.

كان تيم متعلق به ، لم يجد سبب واضح لهذا التعلق الشديد...

ربما كان يشعر بقربه بالأمان ،

المعدوم في منزلهم.

بدأ تيم يغفو بالفعل ولكنه قال بصوتٍ ناعس قبل أن يستسلم للنعاس تمامًا:

-هي قالت لي انها المره دي هتفضل معايا على طول..قالت لي انها مش هتسيبني تاني...........

* * *
2010م

*رندا : سبعة عشر عام

*مُرِيد : خمسة عشر عام

*تيم : عشر أعوام


مَهْرَبِي الآمـنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن