الفصل الثالث: ظل يقترب

39 6 3
                                    

بينما كان مالك غارقًا في أفكاره الكئيبة التي سيطرت على عقله بالكامل، قطع حبل أفكاره صوت طرقات على الباب. نهض بتثاقل من مقعده، متجهًا نحو الباب بخطوات ثقيلة.

عندما فتح الباب، وقف أمامه حمدي، أخوه الأكبر، الذي لطالما كان مصدر القوة والدعم له. 

حمدي، في بداية الثلاثينيات من عمره، شعره أسود حالك يتميز بطول قامة يزيد عن 180 سم، ما يمنحه حضوراً مهيباً دون تكلف. وجهه مشوب بهدوء متأصل، تزينه لحية قصيرة معتنى بها، تضفي عليه وقارًا إضافيًا. يرتدي نظارة بإطار أنيق، تعكس شخصيته المتزنة وغير الانفعالية. عيناه تحملان بريقًا من التأمل، وكأنهما تريان العالم من خلال عدسة خاصة به، يحب المزاح ويضفي بروحه المرحة جواً من البهجة على من حوله، رغم مظهره الجاد. حمدي يجسد رجلًا هادئًا، يتحدث بروية ويزن كلماته بحكمة، مما يجعله دائمًا الملاذ الآمن لمن حوله. 

ابتسم حمدي ابتسامة خفيفة، لكنها كانت مشوبة بالقلق العميق الذي انعكس في عينيه.

حمدي: "كيف حالك يا مالك؟ كنت قلقًا عليك."
تجول بنظره في الشقة، ورأى الفوضى التي تعم المكان. أطباق متسخة متروكة على الطاولة، وأوراق متناثرة في كل مكان.

مالك بصوت متعب: "أنا بخير، لا داعي للقلق."
حاول التظاهر بالقوة، لكن حمدي لم يكن مخدوعًا. فهو يعرف أخاه.

حمدي: "من الواضح أنك لست بخير... انظر حولك، هذا المكان كان منزلًا للدفء والحياة، أما الآن فهو كقبر مهجور. يجب أن تخرج من هذا الظلام قبل أن يبتلعك تمامًا." بدأ حمدي يتجول في الشقة، محاولاً ترتيب بعض الأشياء.

مالك وهو يتابع حركات حمدي بعينين خاويتين: "لا شيء سيتغير، كل شيء انتهى، ولن يعود مجددًا."
حمدي وقف أمام أخيه، ووضع يده على كتفه، محاولاً إظهار الدعم الذي يحتاجه مالك بشدة.

حمدي ممسكًا رأس أخيه مبتسمًا: "لا يوجد شيء ينتهي إلى الأبد. هناك أشخاص ما زالوا هنا، وأنا معك مهما حدث. 
كلمات حمدي تلامس جزءًا عميقًا من نفس مالك، لكنه لم يُظهر أي رد فعل، فقط أومأ برأسه.

 "لا أعرف يا حمدي... لا أعرف كيف أخرج من هذا. كل ما حولي يذكرني بها."
كلماته كانت تحمل كل الألم الذي حاول إخفاءه.

"حسنًا، لنبدأ بخطوة واحدة، دعنا ننظف هذا المكان، ونتحدث قليلًا. ربما نتمكن من الوصول إلى حل."
حمدي بدأ في جمع الأوراق المبعثرة، محاولًا جاهدًا إخراج أخيه من دوامة اليأس التي يغرف فيها.

جلس حمدي بجوار مالك على الأريكة، ملامحه تعكس مزيجًا من القلق والحزن. ثم تنهد بعمق وقال: "مالك، لقد مر شهرين على اختفاء رنا. لا أحد يستطيع إنكار الألم الذي تمر به، لكنك لا تستطيع أن تستمر هكذا. كل الخيوط تشير إلى أن رنا... قد رحلت."

نبضات بين الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن