الفصل الرابع: خلف الستار

32 6 2
                                    

بعد أن خرج مالك من القسم،  شعر بأن شيئًا ما لا يزال غير مكتمل. كانت تفاصيل الفيديو تطارد عقله، وكان لديه شعور قوي بأن الإجابات التي يبحث عنها لم تظهر بعد. بينما يسير في الشوارع، كانت أصوات السيارات والناس تتلاشى تدريجيًا في خلفية تفكيره، ليصبح كل تركيزه منصبًا على شيء واحد: رنا.

توقف للحظة، ناظرًا إلى الأفق البعيد، والشمس تقترب من الغروب، ملقيًة بأشعتها الذهبية على المباني المحيطة. كان لديه شعور بأن الوقت ليس في صالحه، وأن كل دقيقة تمضي قد تبعده أكثر عن رنا. عليه أن يتحرك الآن، وأن يعود إلى المكان الذي شهد اختفائها.

بادر إلى حجز إقامة في الفندق نفسه، فقد شعر بأن البقاء هناك قد يمنحه فرصة للبحث بهدوء ودون إثارة الشكوك.

عاد إلى منزله، وأخذ بعض الحاجيات الضرورية استعدادًا للعودة إلى الفندق. كانت الحافلة المقررة للانطلاق في الساعة التاسعة مساءً، مما منحه بضع ساعات ليجمع أفكاره ويعيد التفكير في كل ما شاهده وسمعه في القسم.

مع اقتراب الوقت، توجه مالك إلى محطة الحافلات، حاملاً حقيبته بيده، ومشاعره مزيج من القلق والتصميم. كانت الحافلة المضيئة بالأنوار المتلألئة تستعد للمغادرة، فتسلق على متنها، واختار مقعدًا بجوار النافذة. عقله امتلئ بالأفكار المتداخلة. تارةً يتذكر اللحظات السعيدة التي قضاها مع رنا، وتارةً أخرى تسيطر عليه الهواجس حول مصيرها الغامض.

مع كل ميل تقطعه الحافلة، يقترب خطوة نحو الإجابات التي يبحث عنها، أو على الأقل هذا ما كان يأمله. وفي صمت الليل، بينما كانت الحافلة تشق طريقها للمرة الثانية، بدأ مالك يشعر بالثقل الحقيقي للمهمة التي وضعها على عاتقه. لكنه كان مصممًا على المضي قدمًا.

تدور الأفكار في رأس مالك دون توقف. تارةً يتذكر اللحظات السعيدة التي قضاها مع رنا، وتارةً أخرى تسيطر عليه الهواجس حول مصيرها الغامض. كلما ازداد الطريق ظلمة، زاد إصراره على كشف الحقيقة، مهما كان الثمن.

عندما وصلت الحافلة إلى وجهتها في الساعات الأولى من الصباح، نزل مالك منها بخطوات مثقلة بالإرهاق ولكن مليئة بالعزيمة. توجه مباشرة إلى الفندق، وقام بتسجيل الدخول مجددًا، ثم توجه إلى غرفته ليستريح قليلاً قبل أن يبدأ في متابعة خيوط القضية التي قد تكون مفتاحًا لاكتشاف مصير رنا.

بسبب إرهاق مالك بعد رحلته الطويلة، وجد نفسه يغفو رغماً عنه بمجرد أن لمس السرير. سرعان ما انغمس في حلم جميل، حلم أعاده إلى تلك الليلة التي كانا فيها معًا على الشاطئ. كانت رنا مستلقية على كتفه، شعرها يتطاير برفق مع نسيم البحر العليل، وعيناها تتأملان السماء المرصعة بالنجوم. كانت لحظات مليئة بالحب والسكينة، لا يعكر صفوها شيء.

ابتسامة رنا العذبة كانت تشع نورًا على وجه مالك، وكأنهما في عالم آخر، عالم لا يعرف سوى السعادة. تحدثا عن أحلامهما، وتشاركا الضحكات. لوهلة، شعر مالك أن كل شيء على ما يرام، وكأن الألم والمعاناة لم يكونا سوى كابوس بعيد. كانت الأمواج تتلاطم بلطف على الشاطئ، وأصواتها تنسجم مع همساتهما، مما أضفى على اللحظة جوًا من الطمأنينة.

نبضات بين الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن