[ خِـتـام مَـسـرحـيـة ألأسـرة الـسَـعـيـدة ]

30 7 22
                                    

[ الـمُـجـلَـد الـثـالـث ]

ظللت أعاني لأيام بصمت حتى أبي لم أشئ أن أخوضَ معه نقاشاً ضد أمي ، إذ لم أكن أحبُ أن أبدو كالمحرضة عليها ، لا أستطيع تخيل نفسي بتلك الوضاعة ليس لأجلها إنما لأجل صورتي أمام ذاتي .
كي لا تهتز أكثر مما هي مهزوزة .

نسيتها هي لكن كلماتها حفرت فيّ جرحاً لا يندمل مع الوقت ، مثل نفق يصل الحاضر المضطرب بالماضي الأليم ، وزرعت فيَّ شكاً لا يزول . ذهبت وأبي للتنزه ذات يوم خميس عصراً ، في الفصل الأخير من شهر يناير ، الأيام كانت تركض وكأنها طفل يعدو خلفَ طائرة ورقية ، لكن تفاصيلها الصعبة عندما أسترجعها كأن عشرة سنوات قد مرت بالفعل ، أكلنا المثلجات وتجولنا في ( ساحة الكونكورد ) وشاهدنا في السينما فيلماً ، وتسكعنا في البوليڤارات ، وركضنا يداً بيد تحت الثلج ، وإختبأنا بالزوايا وأسفل الأسطح والمظلات ، كان أبي معشوقي الخالد ، أحبه وأحب قربي منه .

إبتعت كالعادة أشياءً سأركنها في زاوية غرفتي ، وإشترى لي أبي عطوراً أعجبته وأهداني إياها أمامَ البائع الذي بادلنا نظرات الإعجاب ، كان أبي بنظر العالم ، أنه يعاملني كما الأميرات ولابد أن نظرات الحسد لاحقتنا وجائت لحظات شعرت فيها بالسمو والفخر ثم باغتتني التعاسة مثل غصة ، على من أكذب؟ ، على هؤلاء المشدوهين الذين يرمقونني بِغيّ وغل ، أم على نفسي حين أقول ، على الأقل أنني أبدو من بعيد للرآئي فتاة محظوظة بأب لا يبخل عليها بشيئ ، لكني لستُ سعيدة من داخلي بل تعيسة تعاسة لا تطاق ، تشعرني أني لا أقل عن غرض مهمل مغبَر مرمي فوق الرف ، منسي .

كنت أحزن عندما أنظر إلى والدي ، رجل هزيل وطويل ، شعره فضي ممشط للجانب ، وتلتهم نظارة بإطار أسود جزءً من جبينه ، والطيبة الزائدة تظهر على محياه . رغم أنه ذكي ذكاء مشهود ، إلآ أنه لا يتوانى عن النزول الى مستوى من الوضاعة لا أحتمله ليتناسب مع عقليتي ، طالما ذلك يفرحني .
كنت أفهم حيله وأحس بأن سكين تُغرز في قلبي ببطئ .

إذ كان يسره أن أضحك وإن كان سيرتكب الحماقات التي لا تليق بمقامِ بروفيسور مثلة ، لم يكن يكترث ، ويقوم بحركات بلهاء في وجهه لكي يمحو حزني ، وكنت مع دموع الفرح وصيحاتها أبكي على نفسي وعليه ، صحيح أنه لم يكن يلبي إحتياجاتي الحقيقية ، لكنه بذلَ جهده ليجعلني أحظى بحياة كريمة ، من وجهة نظره ، قضاها يلبي متطلباتي من بعيد وبصمت كالمذنب ، ومن فترة بتنا قريبين بفضل مبادرتي بكسر الحاجز الذي وضعته أمي والظروف. تمنيت لو أنني تجرأت وتقربت منه منذ زمن ، في طفولتي لم يكن يفارقني ثم جائت سنين إبتعد عني فجأة وكان التبرير جاهزاً وأمي تتلوه على مسامعي ، كترنيمة حفظت لحنها القاسي ، دعي أباكِ وشأنه يا فتاة لديه ما يشغله! كان ينصاع وأنا أنصاع .

فتعودت على غيابه حتى نسيت دوره تماماً ، وتلخصت حياتي بين المدرسة وسالي وصداقة الشابين وحبي ليوهان، صرفاً على أنه كان غلطة غبية الآ أنها سرقتني ، فبات أبي مع تعاقب سنوات إمتدت مذ تشكل وعيي إلى فترة الصحوة ، عني غريباً ، لكن لما إستأنفت علاقتنا أقبلَ عَليّ بتوق من كأن أسيراً وتحرر ، فعدنا أباً وإبنتَه .

BRILLIANT LOVE [ قِـسـمَـة عَــدل ]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن