الفصل الثاني
َبعد ستة عشر شهرًا من ولادة "مريم"، عاد "منهل" إلى مستشفى القديس رفائيل في صباح شتوي بارد، لكن الأجواء كانت مختلفة هذه المرة. المكان الذي كان يرمز للقلق سابقًا، أصبح مفعمًا بالفرح والحياة. الهواء البارد في بغداد حمل معه نسيمًا منعشًا، وكأن المدينة تبتسم له ولعائلته.
في بهو المستشفى الفسيح، تعم أجواء الفخامة والرقي؛ الأرضية الرخامية تعكس أشعة الشمس، والأعمدة الضخمة والثريات المضيئة تضفي لمسة من الألفة. منهل، بشعره الأسود الكثيف ولحيته المشذبة، وقف بنظرة متأملة، مزيج من القلق والحماس، منتظرًا مولوده الجديد.
رغم قوامه النحيل وبنيته الضعيفة، كان منهل يبدو مفعمًا بالحيوية، بعيون تلمع بالفرح وأوردته البارزة تشي بتوتر مشوب بالسعادة.
بينما كان منهل يبحث عن كرسي متحرك، لمحته ممرضة شابة تقترب منه بابتسامة ودودة وقالت:
"مرحبًا! يبدو أنك في مزاج جيد اليوم، هل يمكنني مساعدتك في شيء؟"
ابتسم منهل بتوتر ممزوج بالحماس، وأجاب: "نعم، زوجتي على وشك الولادة، وأنا بحاجة إلى إدخالها. هل يمكنك مساعدتي؟"
ردت الممرضة بسرعة وبهدوء: "بالطبع، لا تقلق. دعني أرافقكما، كل شيء سيكون على ما يرام."
جلست براق في الخارج بملامح مشرقة تعكس فرحتها وحماسها. بطولها المتوسط وشعرها الأسود المتدلي بانسيابية، كانت ملفتة بجمالها الهادئ. رغم آلام المخاض، احتفظت بحيويتها وروحها المرحة، مرتدية فستانًا أسود أنيقًا يعكس ذوقها البسيط والراقي، بينما كانت عيناها السوداوان تلمعان بالتفاؤل.
عندما اقترب منهل بالكرسي المتحرك، ابتسمت براق وقالت ممازحة: "أخيرًا حضرتَ يا مستر رومانسي!"
ضحك منهل قائلاً: "ها أنا هنا، ولن أتركك حتى نرى ابننا الجميل."
بمساعدة الممرضة، جلست براق على الكرسي، وأمسك منهل بيدها برفق. بينما يسير بجانبها، شعر بقلبه يغمره السعادة، محاولًا السيطرة على ارتعاش يده، مدركًا أن هذا ليس يومًا عاديًا لهما.
بينما كانت براق تتجه نحو صالة الولادة ببطء، منهل يمشي بجانبها، نظرت إليه بابتسامة متعبة وهمست: "يبدو أننا أخيرًا على وشك تحقيق حلمك."
ابتسم منهل وهو يمسك بيدها وقال: "حلمنا... ليس حلمي وحدي."
رفعت حاجبيها وقالت ممازحة رغم الألم: "لا تنسَ كلامك هذا عندما أبدأ بالصراخ."
ضحك منهل بصوت خافت وقال: "لا تقلقي، سأظل بجانبك حتى لو صرختِ."
ثم تدخلت الممرضة بابتسامة: "عذرًا، سيدي. وصلنا. عليك الانتظار هنا وسنخبرك فور ولادة الطفل."
أنت تقرأ
الشعناذا
Fantasyبين أساطير الزمن القديم، تقبع قوة الآلهة السومرية في انتظار من يوقظها من سباتها العميق. إدريس، الشاب الذي عاش حياته بين الدلال والظلال، يجد نفسه فجأة أمام قدر لا مفر منه. سبعة أبواب قديمة تحرس أسرار الآلهة المظلمة، وأرواحهم تنتظر من يفتحها. هل سيمضي...