الفصل الثالث

203 71 49
                                    


الفصل الثالث

في مساء الثالث من نوفمبر، كانت سعادة تراقب المطر الخفيف من نافذة غرفتها الجامعية، تتأمل الغيوم الداكنة التي تتجمع ببطء. شعرت بشوق كبير للعودة إلى بيت العائلة بعد أسابيع من الدراسة، خاصة مع اقتراب عيد ميلاد شقيقها الصغير إدريس، وهي المناسبة التي تجمع العائلة دائمًا في أجواء مليئة بالدفء والفرح.

من خلفها، كانت زهور تنهمك في ترتيب حقيبتها، تتحرك بخفة وتغني بفرح طفولي غير مقصود. "تخيلي، إدريس أصبح في الصف الأول!" قالت بحماس وهي تغلق حقيبتها بنقرة خفيفة.

ابتسمت سعادة، لكن وراء تلك الابتسامة كانت تختبئ مشاعر متناقضة. إدريس كبر بالفعل، ولكن طفولته لم تكن كما يجب أن تكون. كانت تعلم أن الدلال الذي غمره به والداهما، منهل وبراق، قد أفسد عليه الكثير. لم يكن إدريس مجرد طفل مدلل، بل كان يعيش في نوع من العزلة المذهبة، محاطًا بحماية لا تدعه يختبر العالم بنفسه. كل شيء في حياته كان يتم تقديمه له على طبق من ذهب، حتى تجربته مع الحياة كانت محدودة بحدود الخوف الزائد عليه.

تذكرت حادثة الدراجة الهوائية. تلك اللحظة التي كانت، بالنسبة لها، رمزية لكل ما كان خاطئًا في طريقة تعامل والديها مع إدريس. عندما سقط عن الدراجة وجرح ركبته بشكل بسيط، تصرفا وكأن السماء قد سقطت على الأرض، فهرعا به إلى المستشفى. تلك الحادثة الصغيرة أوقفت مغامرات إدريس عند حدٍ معين، فبدلاً من أن يتعلم من خطأه، منعاه من ركوب الدراجة نهائيًا.

سعادة كانت تشعر بثقل هذه المعاملة، ليست فقط لأنها ترى إدريس محرومًا من طفولته، بل لأنها تعلم أن كل ذلك يأتي على حساب الأخريات. "لقد فقد طفولته تحت كل هذه الحماية المفرطة"، فكرت وهي تجمع كتبها وملابسها في حقيبتها، تشعر بأن شقيقها يعيش في عالم من الوهم الجميل الذي بناه له والداها.

"أتمنى أن تساعده المدرسة على أن يكبر بحق، أن يتعلم كيف يعيش طفولته بحرية ويختبر مغامراته بنفسه"، همست لنفسها، وكأنها تتمنى أن يصبح إدريس قادرًا على اكتشاف العالم خارج حدود الحماية الزائدة.

"ماذا تقولين؟" سألت زهور وهي تحمل حقيبتها، مستعدة للخروج.

"كنت أفكر، هل تعتقدين أن إدريس سيكوّن صداقات جديدة في المدرسة؟" سألت سعادة، وهي تحاول أن تخفي قلقها المتزايد.

زهور، بابتسامة متفائلة، أجابت: "بالطبع سيفعل! إنه ذكي ولطيف. الأطفال يكونون الصداقات بسرعة". ثم أضافت بمرح: "وإن لم يحدث، سيبقى أمير المنزل المدلل دائمًا".

ضحكت سعادة على المزحة، لكنها شعرت بوخزة في قلبها. لقب "أمير المنزل" لم يكن مجرد مزحة، بل كان يختصر حياة إدريس بشكل مؤلم. كان يملك غرفة كاملة وحده، بينما تم حشر بقية الأخوات في غرفة واحدة، وكان هذا السبب الذي دفع سعادة وزهور للعيش في الأقسام الداخلية خلال سنوات الدراسة الجامعية. كانت تلك الغرفة المشتركة أشبه بصندوق مكتظ، لا مكان فيه للخصوصية أو الراحة.

الشعناذاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن