الفصل التاسع
في أعماق الذكريات البعيدة، حيث انتهت رحلات نانشي المرهقة وآلامها الحارقة، تلاشت الصور ببطء كما يتلاشى ضوء شمعة واهنة في الظلام. مشهد نهر الفرات، ورقصة نانشي تحت المطر، تلك اللحظات المفعمة بالحزن والحنين، بدأت تتلاشى أمام عيني إدريس، الذي غرق في ذكريات نانشي وأوجاعها. وعندما استفاق من غيبته، وجد نفسه مجددًا في معبد إنانا، تلك الإلهة التي كانت تحدّق فيه بصمت يحمل مزيجًا من الدهاء والتأمل العميق.
وقف إدريس ببطء، وجهه متسم بملامح تجمع بين الحزن العميق والغضب المكبوت، وكأن أحاسيسه اجتمعت لتصنع ملامح جديدة على وجهه. استوعب أخيرًا ما مرت به نانشي، وما حملته من ألم وفراق. وجهه شاحب، وعيناه تحملان أسئلة لم يكن يبحث عن إجابتها لدى إنانا، بل في أعماق روحه. أدرك الآن، كم كان مجرد خيط في نسيج معقد لا يتحكم به، ومع ذلك، فقد تغيرت مشاعره تجاه إنانا بالكامل. نظر إليها نظرة مليئة بالاحتقار والأسى، ثم همس بصوت غمره الحزن وخيبة الأمل: "إذن… فهي لم تحبني أبدًا."
---
في مكان آخر، بعيدًا عن عواصف العواطف تلك، كانت سعادة تعمل في هدوء عيادتها، غارقة في زحمة المهام اليومية، حتى قطع الصمت صوت هاتفها الداخلي. رفعت السماعة لتسمع صوت سكرتيرتها تقول: "سيدتي، أختك زهور هنا وتود رؤيتك." ارتسمت الدهشة على وجه سعادة، ثم أجابت بابتسامة خافتة، "دعيها تدخل فورًا."
ما إن دخلت زهور حتى اندفعت الاثنتان إلى حضن طويل وصامت، كأنه لقاء تعويض عن سنوات الغياب. ولكن، على الرغم من هذا الحضن العميق، لم تستطع سعادة كبح استيائها. تراجعت قليلًا، ونظرت إلى زهور بنظرة يملؤها العتاب، وقالت بصوت خافت يخالطه الأسى: "لماذا لم تحضري جنازة والدنا؟ أعرف أنكِ لم تتحدثي معه منذ سنوات، لكن… لقد رحل، زهور."
امتلأت عيناها بالدموع، وبدت مشاعر الفقد واضحة في صوتها، بينما أجابت زهور بأسف يختلط بالحزن: "لم أستطع يا سعادة… لم أتمكن من مسامحته. كيف استطاع التضحية بمريم؟ وكأن حياتها لا تعني شيئًا، كل ذلك من أجل… ذلك المدلل."
حاولت سعادة تخفيف حدة التوتر بينهما، وقالت بصوت هادئ ولكن مفعم بالعاطفة: "كان مجرد طفل، يا زهور. إدريس لا يتذكر أي شيء مما حدث؛ كان مجرد حادث… وقد كانت صدمة شديدة عليه أيضًا."
قاطعتها زهور، ونظراتها تتلألأ بالغضب المتأجج: "حادث؟ هذا لم يكن حادثًا أبداً. ولادته كانت لعنة حلت علينا جميعًا. أحيانًا، أتمنى لو لم يولد هذا الطفل قط."
شعرت سعادة بالأسى وحاولت تهدئة الموقف، متحدثة بنبرة حازمة ولكن حانية، "إدريس أخوكِ يا زهور، لا ذنب له فيما حدث. أمي وأبي هم من يتحملون المسؤولية. أنتِ غادرتِ منذ زمن طويل، ولم تشهدي ما مر به هذا الفتى… أنا أشفق عليه، هو ضحية لما جرى بين والدينا، وأنت لا تعرفين التفاصيل بعد مغادرتك."
أنت تقرأ
الشعناذا
Fantasyبين أساطير الزمن القديم، تقبع قوة الآلهة السومرية في انتظار من يوقظها من سباتها العميق. إدريس، الشاب الذي عاش حياته بين الدلال والظلال، يجد نفسه فجأة أمام قدر لا مفر منه. سبعة أبواب قديمة تحرس أسرار الآلهة المظلمة، وأرواحهم تنتظر من يفتحها. هل سيمضي...