الفصل السابع

133 54 34
                                    

الفصل السابع

نهض إدريس من كرسيه بخطوات ثقيلة، وكأن كل ذرة في جسده تقاوم التحرك. عيناه كانتا تغليان بالحقد المكبوت والغضب المتأجج بينما ثبت بصره على إنانا، التي وقفت أمامه بكل ثقة. بصوت منخفض مليء بالتهديد، قال: "إذا اكتشفت أنك تكذبين، وأن تشوشو تحول بسبب تحريركم... أعدك أنني سأجد طريقة لقتلك."

ابتسمت إنانا ابتسامة هادئة، وعيونها اللامعة تتراقص بشيء من الحماس الخفي. ردت بصوت يشوبه التحدي: "أنت تعرف ما عليك فعله. اذهب، وانظر بنفسك ما حدث."

كانت كلماتها تحترق في ذهن إدريس، لكنه لم يرد. استدار وبدأ يسير نحو جثة رونق. كل خطوة كانت تثقل على قلبه، وكلما اقترب منها، ازداد شعوره بالعجز والفقد. عندما وصل، جثا على ركبتيه بجانبها. نظر إلى وجهها الهادئ والميت، ودموعه بدأت تتساقط بصمت. قبّل جبينها برقة، واحتضن جسدها البارد بقوة، كما لو كان يحاول أن يوقظ الحياة فيها مجددًا.

لكن بداخله، كان الغضب يتصاعد، مختلطًا بالألم الذي يكاد يمزق قلبه. بدأ يشعر بشيء يتحرك بداخله، طاقة غامضة تسيطر عليه. جسده بدأ يتحول ببطء إلى "الشعناذا". القوة التي تدفقت فيه جعلته يغلق ذراعيه حول جسدها بشدة، غير مدرك لما قد يحدث.

وفي لحظة مليئة بالغضب والألم، ضم رونق بقوة زائدة، حتى سمع صوت تحطم عظام جمجمتها وعنقها بين ذراعيه. تجمد في مكانه، وأدرك ما فعله في لحظة من الرعب الصامت. القوة التي استولت عليه جعلته يخرج عن السيطرة، وما بقي بين يديه الآن سوى جسد حبيبته المحطم... تمامًا كما تحطم قلبه

ترك إدريس جسد رونق المحطم يسقط على الأرض، وأصابعه الطويلة المتحولة إلى "الشعناذا" بدأت في فتح جمجمتها ببطء كأنه يفتح حبة جوز، بينما لم يتردد للحظة. مشاعر الغضب والألم تداخلت مع قسوته، وتحولت إلى شراهة لا يمكن السيطرة عليها. أخذ بإصبعيه قطعًا من دماغها، وبدأ يأكلها بشراهة متوحشة، كأنه يغذي تلك النيران التي تعصف بداخله.

مع كل لقمة، كانت تتسلل ذكرياتها إلى عقله، مشوشة أفكاره، وبدأت صور متقطعة من حياتها تومض أمام عينيه. رأى ماضيها، أحلامها، وأسرارها التي لم تكشفها أبدًا. رأى رونق كما لم يرها من قبل، ليس كما عرفها هو، ليست رونق التي يعرفها وليست حتى عاهرة بابل، اسمها الحقيقي كان "نانشي"، إلهة الحكمة القديمة

وفي تلك اللحظة، اجتاحت الذكريات عقل إدريس كعاصفة، لتأخذه بعيدًا إلى ما قبل الطوفان العظيم، إلى مدينة إريدو القديمة، في عام 2500 قبل الميلاد. كان الزمن الذي تمشي فيه الآلهة بين البشر، وكانت المخلوقات الغريبة جزءًا طبيعيًا من الحياة اليومية، تعيش وتتنفس بين البشر دون أي حواجز.

إريدو، المدينة التي تأسست عند نهر الفرات، كانت تنبض بالحياة والقصص والأساطير. مبانيها الطينية المتراصة تعانق السماء، والأسواق المفتوحة تعج بالناس الذين يرتدون أثوابًا من الكتان الفاخر المزينة برموز الآلهة. الرجال يلبسون الأثواب الطويلة التي تتمايل مع كل نسمة هواء، فيما تتزين النساء بالحلي الثقيلة والأوشحة المطرزة بألوان زاهية.

الشعناذاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن