العالم الذي لم يكن يوماً بيته

16 3 17
                                    


في زاوية الغرفة، يجلس ذلك الطفل الصغير، عيناه تحدقان في مكان بعيد لا يدركه أحد غيره. عالمه هادئ وصامت، لكنه يموج بأصوات لا يسمعها أحد سواه. يبتسم أحياناً، وتارة أخرى تدمع عيناه دون سببٍ يُرى.

الناس من حوله يمرون، يضحكون، يتحدثون، ولكن كلماتهم لا تصل إليه. كأن بينه وبينهم حاجز شفاف لا يمكن اختراقه. يحاول والديه فهمه، يجتهدون في الوصول إليه، ولكن كل محاولاتهم تبدو عبثية. هو في عالم آخر، عالم منظم، مليء بالتفاصيل التي لا يفهمها أحد سواه.

عندما يحاول لمس يد أحد، يجدهم ينظرون إليه بعطف أو دهشة، ولكنه لا يحتاج الشفقة، إنه فقط يبحث عن فهم، عن تواصل بسيط لا يحتاج إلى كلمات معقدة أو إشارات. فقط أن يكون مقبولاً كما هو، دون أن يُنظر إليه كغريب أو مختلف.

يتألم عندما لا يفهم الآخرون صمته، يتألم عندما يُطلب منه أن يكون "طبيعياً"، في حين أن "طبيعته" هي شيء لا يمكن لأحد أن يفهمه أو يلمسه. في عالمه الخاص، كل شيء منطقي، ولكن في هذا العالم الكبير، هو مجرد طفل تائه يبحث عن مكان يناسبه.

وفي كل ليلة، وهو مستلقٍ على سريره، يغمض عينيه ويرسم عالماً خاصاً به، عالماً بلا أصوات مزعجة أو نظرات مُحرجة. عالمٌ يفهمه ويحتويه كما هو، بلا محاولات للتغيير. وفي هذا العالم، يبتسم، لأن الحزن الذي يملأ قلبه في الواقع لا يصل إلى هناك.

"في كل مرة يغفو فيها، يتمنى لو أن أحدهم، ولو لليلة واحدة فقط، يزوره في عالمه الخاص، دون أن يحاول إعادته إلى هذا العالم الذي لم يكن يوماً بيته."

خواطر : تأملات في الحب والحياة والأملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن