###الفصل الثامن:**علامات غير مرئية**

9 4 0
                                    

---

في صباح هادئ، كانت سارة تجلس في مكتبها بالشركة، تحاول التركيز على الملفات المتراكمة أمامها. أشعة الشمس تتسلل بخفة عبر النوافذ الكبيرة، مضيفة دفئًا ناعمًا إلى الأجواء الباردة داخل المكتب. تردد صوت نقرات لوحات المفاتيح من حولها، حيث كان زملاؤها منشغلين في أعمالهم اليومية.

رفعت رأسها للحظات، تسترق نظرة إلى ساعة الحائط المقابلة. كانت تشير إلى التاسعة والنصف صباحًا. كل شيء يبدو طبيعيًا، أو على الأقل هذا ما اعتقدته. لكن في جزء من الثانية، شعرت بشيء غريب يمر عبر عقلها، كأنها لحظة زئبقية، تلاشت قبل أن تتمكن من إدراكها بالكامل.

تابعت العمل مجددًا، محاوِلة تجاهل الشعور الذي أصابها. دقائق مرت ببطء، وبدت الكلمات على الشاشة أمامها مشوشة. أخذت نفسًا عميقًا، تحاول استعادة تركيزها. لكن عندما رفعت عينيها مرة أخرى إلى ساعة الحائط، توقفت للحظة. الساعة كانت لا تزال تشير إلى التاسعة والنصف.

تجمدت سارة في مكانها. في البداية، ظنت أن عينَيها تخدعانها. ألقت نظرة خاطفة إلى ساعة يدها، لتجد أنها تشير أيضًا إلى نفس الوقت. تسارعت دقات قلبها قليلًا، لكنها حاولت إقناع نفسها بأن الأمر مجرد خلل بسيط. ربما توقفت الساعة عن العمل؟

لكن بعد مرور بضع دقائق، لاحظت أن كل شيء حولها كان يتحرك بشكل طبيعي: زملاؤها يتحدثون، الهواتف ترن، الأوراق تتناثر على المكاتب. كيف يمكن أن يكون كل شيء في مكانه الصحيح، بينما الزمن يبدو معلقًا فقط بالنسبة لها؟

حاولت تجاهل الفكرة واستمرت في العمل. مع مرور الوقت، شعرت أن كل شيء بدأ يعود إلى طبيعته. تراجعت مشاعر القلق قليلاً، لكن في الخلفية كان هناك شيء لم تستطع تجاهله بالكامل.

في وقت الغداء، اتجهت سارة إلى غرفة الاستراحة، حيث جلست مع زميلتها ليلى. كانت المحادثة تدور حول الاجتماع القادم والمواعيد النهائية، لكن سارة كانت شاردة الذهن. لم تستطع التخلص من الشعور الذي سيطر عليها منذ الصباح. الساعة؟ كيف يمكن أن تتوقف لبضع لحظات ثم تستأنف من جديد؟

ثم حدث شيء آخر، أثناء حديث ليلى، توقفت سارة عن السمع للحظة. لم يكن ذلك بسبب شرودها؛ كان كأن العالم بأسره توقف للحظات، ثم عاد فجأة كأنه لم يحدث شيء. نظرت سارة إلى ليلى بدهشة، لكنها وجدت أن زميلتها تتابع حديثها بشكل عادي، غير مدركة تمامًا لما حدث للتو.

لم تستطع سارة أن تتجاهل الأمر بعد الآن. هذا لم يكن مجرد شعور غريب، كان هناك شيء يحدث، شيء لا يمكن تفسيره بسهولة. الزمن، بطريقة ما، كان يختل حولها

عادت سارة إلى مكتبها بعد الغداء، لكن شيئًا ما كان مختلفًا هذه المرة. بينما جلست أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بها، بدأت تلاحظ أن عقارب الساعة الموجودة على الحائط أمامها تتحرك ببطء، ببطء غير طبيعي، حتى توقفت تمامًا عند الساعة الواحدة والربع. هذا التوقف كان مختلفًا عن الذي لاحظته في الصباح. كانت تعلم الآن أن الزمن ليس طبيعيًا من حولها، لكنه شيء أشد تعقيدًا.

نظرت سارة حولها. كل شيء في الشركة كان يبدو طبيعيًا، الناس يتحدثون، الأضواء مضاءة، الحركة مستمرة. لكنها كانت تعرف، بعمق في داخلها، أن ما تشعر به الآن له علاقة بمكتبة الزمن. تلك المكتبة الغامضة التي عاشت فيها تجربة لا يمكن أن تنساها. هل من الممكن أن المكتبة لم تتركها بعد؟ هل تبعت آثارها إلى حياتها اليومية؟

توقفت سارة عن العمل، وأخذت تحدق في الشاشة. فجأة، شعرت بثقل في رأسها، كأن الزمن يلتف حولها مثل ضباب. أغمضت عينيها للحظة، تحاول استعادة نفسها. لكن عندما فتحتها، وجدت نفسها في مكان غريب.

كانت لا تزال في الشركة، لكن كل شيء حولها كان قد توقف. الزملاء مجمدون في أماكنهم، الأوراق متوقفة في الهواء كما لو أنها معلقة. كانت سارة الوحيدة التي تتحرك، تشعر وتتنفس.

لمحت من زاوية عينها شيئًا غريبًا. في الجهة البعيدة من المكتب، كان هناك رجل يقف، يرتدي عباءة داكنة، تمامًا مثل التي كان يرتديها حافظ الزمن في المكتبة. عينا الرجل كانت غامضتين، تحملان عمقًا لا تستطيع فهمه.

"أنتِ تلعبي بالزمن الآن، أليس كذلك؟" قال بصوت هادئ ولكنه مليء بالقوة. "الزمن لم يعد كما كان بالنسبة لكِ بعد تجربتك في المكتبة."

تراجعت سارة بخطوة إلى الوراء، تشعر بالخوف والغموض يملآن قلبها. "من أنت؟ ماذا يحدث لي؟"

ابتسم الرجل ابتسامة غامضة، واقترب منها ببطء. "أنا مجرد مرشد، مثلكِ كنت، في البداية. لكن عليكِ أن تدركي أن اللعب مع الزمن له عواقب."

شعرت سارة بارتجاف في قلبها. هل كان هذا الرجل جزءًا من المكتبة؟ أم أنه شيء آخر، أكثر خطورة؟ "ماذا تعني؟ كيف يمكن أن أكون قد لعبت بالزمن؟"

أشار الرجل إلى ساعة يدها. كانت عقاربها تدور بسرعة غير طبيعية. "الزمن ليس مجرد شيء نعيشه. إنه شبكة متداخلة من الأحداث واللحظات. عندما دخلتِ المكتبة وقرأتِ الكتاب الأسود، أصبحتِ جزءًا من تلك الشبكة. والآن، الزمن بدأ يتغير من حولك."

ارتجفت سارة. كان ذلك صحيحًا، تلك التجربة في المكتبة لم تكن مجرد خيال. لقد فتحت بابًا لم يكن من المفترض أن تفتحه.

"وماذا يمكنني أن أفعل الآن؟" سألت سارة بصوت مليء بالقلق.

ابتسم الرجل مرة أخرى، ولكن ابتسامته كانت تحمل تحذيرًا. "عليك أن تعودي إلى المكتبة، قبل أن يفوت الأوان. الزمن لم يعد مستقرًا من حولك، وسيستمر في الانهيار حتى تعودي وتواجهين الحقيقة."

تراجعت سارة إلى الخلف، ثم فجأة شعرت بالضوء يلمع أمام عينيها. عندما فتحت عينيها من جديد، وجدت نفسها في المكتب مجددًا، الزمن قد عاد إلى طبيعته. الجميع يتحركون كما لو أن شيئًا لم يحدث. لكن في داخلها، كانت تعرف أن شيئًا خطيرًا قد بدأ.

الآن، لم يكن أمامها خيار. عليها العودة إلى المكتبة.

---

يتبع..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 21 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

مكتبة الزمن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن