بقلمى /رنا محمد
جميعنا نحب النهايات السعيدة ، لكن في الحقيقة ، إنها فقط بداية حياة مليئة بالكثير و الكثير من المواقف الحلوة والمرة ، و لكن كل ما نأمله هو أن يظل ضوء الحب على تلك الحياة التي نعيشها مع أحبائنا مضوي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوم زفاف مراد و نسمة
داخل أحد الفنادق الفخمة ، يقع مكان الزفاف في قاعة واسعة مزينة بأناقة و رقي على مستوى عالٍ.
الجميع يجلس على الطاولات المزينة بالورود البيضاء و الحمراء ، والمنظمة بطريقة مذهلة ، ويتحرك حولهم الأضواء الملونة ، ويستمعون إلى الموسيقى الصاخبة التي أضافت إلى العرس أجواء من البهجة والسرور في قلوبهم.
بينما كان العروسين يرقصون في ساحة الرقص ، كانت الرقصة الأولى ، حيث كانت نسمة تتمايل بهدوء وسلاسة بين ذراعيه ، بفستان زفافها البسيط والأنيق للغاية ، من تصميم أزياء شركات البارون ، واتفقت كارمن مع زوجها على إهدائه للعروس كهدية زفاف ، ووافق أدهم بسعة رحب عندما رآها متحمسة للغاية لذلك الأمر.
لكن مراد كان لهم جميعا بالمرصاد ، حيث رفض العديد من الفساتين التي قدموها لنسمة ، التي كادت تختنق من السخط على أفعاله ، حتى استقر اختيارهم على هذا الفستان ، مما أجبر مراد على الإذعان لهم على مضض عندما رأى بريق عينيها في الإعجاب به ، بينما كان الجميع على وشك الانفجار بسببه.
كان شعر نسمة على شكل كعكة أنيقة فوضوية ، حيث قامت بلف الأجزاء الجانبية من شعرها مباشرة فوق خط أذنيها ، وتم تثبيتها بدبابيس الشعر ، ثم إدخال باقي شعرها في حلقات فضفاضة مثبتها في مكانها.
كانت كارمن ترتدي فستاناً طويلاً خالي من التموجات ، أو الطبقات العديدة من قماش الساتان الأحمر القاني الذي يتميز بنعومة ملمسه وبريقه الشديد ، كان يتدفق في قالب واحد ، راسماً بوضوح نحافة خصرها ورشاقة جسدها الساحر ، بدون أكتاف فقط شريطين عريضين يتدليان من الأعلى بجانب الكتفين بطريقة أنيقة ، مع ترك شعرها منسدلا دون قيود ، فكانت رائعة الجمال والأنوثة بكل ما تحمل تلك الكلمة من معني.
أما روان كانت ترتدي فستاناً من الساتان باللون البيج العاجي يظهر بروز بطنها المنتفخ قليلاً ، مع طرحة أنيقة بنفس اللون.
بينما كانت يسر ترتدي فستان ساتان بني فاتح مع قماش شيفون من الخصر إلى القدمين بأناقة شديدة ، ومن الأكمام والصدر مغطاة بقماش دانتيل أبيض رائع يتناسب للغاية مع انتفاخ بطنها الكبيرة ، مع أيضا تسريحة شعر مفرود على كتفيها مع اكسسوار شعر من الكريستال واللؤلؤ على جانب شعرها ، لذلك كان لديها اطلالة مميزة وانيقة.
كان العروسين يرقصون في انسجام تام ، وهم يتحدثون بصوت منخفض ، بينما كانت عيناه تائهة في ملامحها الأنثوية المبهرة مع مكياجها الخفيف ، وابتسامتها السعيدة التي تزين ثغرها الصغير ، همس لها بشغف : مش مصدق اخيرا هعيش تفاصيل كل يوم معاكي
زمت شفتيها بخجل ، ثم همست بتوتر طفيف : علي فكرة ممكن تمل مني كدا!
ابتسم لها بعفوية وأجاب نبرة منخفضة نابعة من صمام قلبه : مش هيحصل عشان انا بحب اجمل وارق بنت في الدنيا
همست له بنبرة خافتة بسبب خجلها دون أن تنظر له : وانا كمان بحبك يا مراد
تسمرت عيناه الزرقاوان بإنشداه للحظات ، وقلبه يخفق بقوة بعد سماعه لهذه الكلمة من فمها ، و هما وجهًا لوجه للمرة الأولي ، واقترب منها بأذنه وقال بصوت هامس من صدمته : قوليها تاني!!
عضت علي شفتيها بإبتسامة قبل أن تهمس مجدداً : بحبك يا مراد
همس مراد بصوت أجش لا يخلو من الشوق ، وهو يمرر يده بلطف على خدها : خلاص مش قادر اسيطر علي مشاعري واكبت احساسي اكتر من كدا ما تيجي نمشي من الفرح دا بقي
نظرت حولها في إرتباك ، وقالت بتحذير رقيق : اعقل يمراد والناس دي كلها هنسيبهم
هتف بحماس ، وهو يضمها أكثر بين ذراعيه بسعادة : ما انتي طيرتي عقلي مني حاسس اني محظوظ اوي و ربنا رضي عني بأنه رزقني بيكي
أسترسل حديثه وهو ينظر لها وعيناه تشع بلمعة صدق وحب : بقيتي عيلتي و وجودك معايا محسسني ان حياتي ليها معني مش عايش وخلاص
تمتمت بنبرة حب ممزوجة بالمرح جعلته يضحك بخفة : ربنا يقدرني واطلع عينك قصدي اسعدك واهنيك
ردد مجددا بإلحاح : مصممة برده نستني!
قالت بتبرم و تذمر طفيف : وبعدين معاك يا مراد حد يسيب فرحه برده مايصحش .. قولي صحيح احنا هنخرج من هنا علي المطار
همس لها بحنان : ايوه يا قلبي
إلتمعت عيناها بفرحة قائلة بحماس طفولي : متحمسة اوي دي اول مرة هركب طيارة .. بس انت طبعا متعود علي السفر يا بختك
أجابها بثقة صادقة ، وهو يتأمل ملامحها بعشق جارف : انا فعلا سافرت كتير .. بس السفرية دي مختلفة لانك هتكوني معايا دا مخليني مبسوط و متحمس اوي
عانقته بشدة دون خجل لأول مرة ، لتهمس في أذنه بقلب يخفق بعشق لذلك الرجل : بحبك بجنون يا مراد
شدد من معانقته لها قائلا بشغف : وانا بعشقك يا روحي
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
عند مالك و يسر
يرقصون معًا بحذر بالرغم من اعتراضات مالك علي ذلك ، ولكن بعد إلحاح يسر المستمر رضخ لطلبها ووافق.
ضحك وهو يحركها ببطء بين يده قائلا بسخرية : شكلك غريب وانتي بترقصي ببطنك الورمة دي
وكزته برفق في صدره قائلة باستياء : اخس عليك يا مالك انا ورمة
تأوه من ضربتها الخفيفة قائلا بسخط : انا بقول بطنك
ابتسمت يسر بإلتواء وقالت بخبث : علي فكرة هقول لبنتك لما تيجي انك قولت عنها ورمة واخليها تطلع عينيك
تنحنح مالك بصوت خافت قائلا بإبتسامة حنونه : لا خلاص دي عسل هي وامها المزة دي حتي وهي حامل
تنفست براحة وهي تضمه قائلة بحب : ايوه كدا احبك
مسد براحة يده على ظهرها بإستسلام من تقلباتها اللامتناهية ، لكنه يحب كل شيء منها رغم تعبه أحياناً ، قائلا بنبرة عميقة : وانا بموت فيكي
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
عند روان و زين
كانوا يرقصون معًا رغم أنهم لا يعرفوا شيئًا عن الرقص ، والأسوء من ذلك ، هو أن روان حامل في شهرها الخامس.
خرج أنين خافت من شفتيها ، قائلة بألم طفيف : ما براحة يا زين دوست رجلي
تمتم بغضب وهو يبتعد عنها قليلا ، لينظر إلى وجهها : مش انتي اللي اصريتي نرقص .. بذمتك انتي عمرك رقصتي قبل كدا؟
سألته بإستياء ساخر : وهو انت بتوديني في حته عشان نرقص يعني .. وبعدين كارمن هي اللي علمتني وانا بعلمك اهو
ثم أردفت بتصميم مغري : فكر بقي هتوديني فين عشان تصالحني انا و النونو
تنهد بإستسلام ثم سألها : عايزة تروحي فين يا قدري؟؟
زمت شفتيها بتفكير ثم قالت بدلع : اي حته رومانسية كدا دلعني شوية
رفع حاجبيه ينظر لها بحب وقال بتذمر طفيف : هو انتي فضيالي خالص الايام اللي فاتت كنتو بتحضرو العروسة
ضحكت بخفة ، وهي تقوّي ربطة عنقه بإغراء متعمد جعله يتنهد بحرارة من حركاتها المثيرة لمشاعره قائلة بهدوء ، بينما شفتيها مقوسة بلطافة : انت بقيت غيور اوي .. علي فكرة دا الواجب نسيب البنت لوحدها يعني!!
زمجر بإمتعاض قائلا بنظرة شغوفة : لا بس انا جوزك برده بدأت اندم اننا جينا علي مصر من وقتها دايما عند بنت عمك
ابتسمت إليه قائلة برقة بالغة أذابته بها أكثر : حقك عليا يا زيزو هتفرغلك الايام الجاية كلها انا ليا غيرك اصلا
زين بتمتمة : ثبتيني كالعادة
قبلت خده الشائك بجراءة دون أن تهتم بنظرات أحداً لتهمس بجوار أذنه : بحبك
غمغم بصوت مرتعش بمشاعر غامرة فؤاده ، وهي بين ذراعيه : وانا بعشقك يا بنت الشناوي
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
عند أدهم و كارمن
إبتسم وهو يهمس لها بجوار اذنها : مرتاحة يا قلبي
لفت ذراعها حول عنقه أكثر قائلا بإبتسامة رقيقة : اوي يا حبيبي
عانقها أكثر سانداً خده بجانب رأسها قائلا بصدق : وانا مش عايز غير اننا انا وانتي وموكة نكون مبسوطين و مرتاحين سوا
غمغمت بنبرة خفيضة بجوار أذنه بكلمات مبهمة : يعني مش هترتاح اكتر لو زيدنا واحد كمان!؟
رمش بعدم فهم وقد إستحوذت علي كامل اهتمامه متسائلاً بفضول : ازاي يعني!!
ابتلعت لعابها بقليل من التوتر قبل أن تقول بنفس نبرة الصوت الهامس ، بينما كانت عيناها تتابعان ردود أفعاله بتمعن : بصراحة انا روحت للدكتور من يومين و عملت التحاليل
أومأ لها بخفة وقال بسرعة : وبعدين!!
سحبت نفساً عميقاً ، وقالت بابتسامة رقيقة جدا على شفتيها : الدكتور قال انه دلوقتي انا سليمة .. ومابقتش محتاجة للدواء يعني اقدر ابقي حامل من غير مشاكل
همس بحماس أمام شفتيها ، وقلبه ينبض بسعادة : بتكلمي بجد!!
أغمضت عينيها ، وأومأت مؤكدة بعد أن رأت تعبيرات وجهه المندهشة وعيناه التي تتألقان من الفرح : اه والله
سند جبهته فوق جبهتها ، متشرباً أنفاسها الدافئة بشغف ، وقد تحولت الدهشة في عينيه إلى مشاعر عميقة وسعيدة : يعني عن قريب هتجبيلي نونو صغير يبقي أخ لملك!!
أومأت برأسها وهي تنظر له بأمل : ان شاء الله يا حبيبي
ضمها علي صدره بعشق يسري في دمه ، وهو يقبل شحمة أذنها بلطف ويهمس لها : انا بعشقك يا كارميلة قلبي
همهمت بإبتسامة مشرقة : وانا كمان يا روحي
استمعوا إلى من يهتف لهم ، فذهبوا إليهم ، ووقف الجميع حول العرسان ، وتم التقاط صورة جماعية لهم ، وحيث كانوا سعداء جدًا في تلك اللحظة ، و ترتسم الابتسامة زاهية على شفاههم ، والسعادة تملأ قلوبهم العاشقة.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
مرت ثلاثة أشهر على تاريخ زواج نسمة ومراد
في قصر البارون
أدهم الغرفة ليجد كارمن جالسة ، و حولها ورق مبعثر في كل الاتجاهات على السرير ، وشعرها مبعثر على وجهها بطريقة فوضوية من كثرة فركها فيه أثناء ما كانت تفكر بالتصميم الذي تعمل عليه ، لكن الأمر أصبح مزعجًا للغاية معها ، وبدأت تحاول إبعاده عن وجهها بغضب حتى تتمكن من التركيز في عملها.
كانت ملامحها بريئة وجميلة جدا ، وملك الصغيرة كانت جالسة على الأرض ممسكة بقلم تلوين بين أصابعها الصغيرة ، وأمامها ورق رسم كبير وتحاول تقليد والدتها بما فعلته بطفولة محببة.
ابتسم في مظهرهما اللطيف أمامه الذي نال إعجابه ليصفر بشكل عفوي ، فالتفت إليه ملك لتراه يفتح ذراعيه لها في دعوة صريحة لضمها ، فتركت ما كان في يدها وركضت إليه فالتقاطها من علي الأرض ، رافعا إياها بين ذراعيه مقبلا خدها الوردي بحب كبير.
ظهرت ابتسامة جميلة على وجه كارمن ، وهي سعيدة علي منظرهما الرائع معًا.
ظلت تحدق في أدهم بعشق وشوق جارف ينبع من أعماقها ، حيث لم تعد تذهب إلى الشركة كثيرًا في تلك الأيام لرعاية طفلتها قليلاً ، لكنها أيضًا تحاول استغلال الوقت أحيانا في العمل حتى لا تتكاسل ، بينما هو ملاحظ نظراتها مطولة إليه.
أنزل ملك من يديه بلطف بعد أن سألها عن أحوالها وماذا تفعل ، ثم تحرك نحو كارمن ، وجلس بجانبها على السرير ، طابعاً قبلة على جبهتها بعمق ، نزولاً إلى عينيها ، تبعها خدها المتورد مع عضة خفيفة عليه ، لتطلق كارمن ضحكة مدللة على مداعبته اللطيفة لها.
دمدم أدهم بإعتراض ، وهي تحرك وجهها بعيدًا عن شفتيه : لسه ماشبعتش عايز اكل التفاح اللي علي خدودك دول
همست كارمن بإرتباك وخجل : عيب يا ادهم ملك بتبصلنا
سعل أدهم بخفة ، بعد أن تدارك نفسه فتلك الجميلة سلبته ببساطة عقله ، متسائلاً بإبتسامة : بتعملي ايه؟
أجابت كارمن وهي تجعد حاجبيها بقليل من الحيرة : بشتغل علي موديل جديد بس لسه مش ظابط معايا كويس
زم شفتيه بتفكير ، بينما كانت عينيه علي الورقة التي بين أصابعها ، ثم قال بتساءل : اومال فين ماما و مامتك؟
أجابت بهدوء ، بعد أن التقطت الأوراق المتناثرة حولها ، وبدت كأنها تشعر بالملل : راحو النادي يغيرو جو مع بعض
مرر أصابعه في شعره ، وهو يشرد في أفكاره ، قبل أن يقول بصوته العميق : طب ايه رأيك اخدك انتي و موكة ونخرج احنا كمان!؟
رمشت كارمن بعينيها في براءة ، وهي تحدق فيه قائلة بحنان : بس انت لسه راجع من الشغل ومحتاج ترتاح!!
ابتسم لها بلطف ، وأمسك بيدها طابعا عليها قبلة رقيقة ، وقال بنفس نبرة الصوت العميقة : ماكنش فيه شغل متعب انهاردة .. اهي فرصة نغير جو البيت شوية وانتي تسترخي عشان تعرفي تشتغلي ببال رايق
عضت شفتيها ، وبدأ الشعور بالحماس يتصاعد داخلها متسائلة بحيرة : طيب نروح فين؟
قفزت ملك على ظهر أدهم ، تهتف بحماس طفولي ، بعد أن كانت تقف بالقرب منهم ، فيما كانت تتابع حديثهما بترقب : نروح الملاهي يا مامي
اتسعت عيني أدهم علي كارمن بصدمة ، لتقول بضحكة : انت ليه بتبصلي انت اللي طمعتها فيك اشرب بقي
قالت ملك بنبرة طفولية ، وتتوسل أدهم ببراءة : بابي عايزة اروح الملاهي بليز
انفجر أدهم ضاحكا على حماس الطفلة ، قائلا بعد أن سحب ملك برفق ليجلسها على قدميه ، ويبدأ في دغدغتها بلطافة : خلاص موافق يلا جهزو نفسكم
حدقت كارمن به ، تكاد تصدق ما سمعته ، قائلة بسؤال : انت بجد هتسمع كلامها!!؟
قال أدهم بابتسامة حنونة ، وهو يبعثر شعر ملك بأصابعه ممَ جعل ضحكاتها البريئة ترن في المكان : انا مقدرش افرض طلب لموكة قلبي ابدا
نظرت إليهم كارمن بغضب مصطنع ، وغيرة طفولية : طب روحو انتو انا مش رايحة
نظر أدهم إلى ملك ، وهو يغمز في لها ثم هاجم كارمن معها ، ودغدغها وسط اعتراضها وصرخها وهي تضحك معهم بشدة ، ثم طبع قبلة على خدها بخفة ، وقال بصوت هامس : انا كلي ليها ولأمها ام عيون زرقه مدوخاني
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد ساعة
داخل مدينة الملاهي
بعد أن قضوا وقتًا سعيدًا في لعب العديد من الألعاب ، قرروا بعد إصرار ملك الدخول إلى بيت الرعب وسط اعتراضات كارمن ، لكنها أذعنت لهم بعد أن استفزها أدهم ، ووصفها بأنها جبانة لأنها كانت تخاف من الدخول.
فجأة بعد دخولهم بيت الرعب بفترة وجيزة ، فقدت كارمن وعيها من شدة خوفها.
أصاب أدهم بالذعر وهو حملها بسرعة ، وتوجه بها مباشرة إلى المستشفى ، وتبعوه إلى ليلي ومريم بعد أن تلقوا هذا الخبر منه خلال الهاتف.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في ممر بأحد المستشفيات
كان أدهم يقف متوتراً أمام غرفة الفحص ، وبجانبه والدته التي كانت تحمل ملك النعاسة بين ذراعيها بعد أن كانت تبكي بخوف رغم عدم فهمها لما كان يدور حولها ، بينما كانت مريم بالداخل مع إبنتها.
خرجت الطبيبة من الغرفة ، وهرع إليها أدهم يسألها بقلق : طمنيني عليها يا دكتورة؟
قالت الطبيبة بإبتسامة : مافيش داعي ابدا للقلق المدام بس ضعيفة شوية وماكنتش واكله حاجة طول اليوم لكن هي افضل دلوقتي بس انا فهمتها ان ماتعملش مجهود مالوش داعي الفترة الجاية
سألت ليلي بعدم فهم : في ايه يا دكتورة انتي كدا قلقتينا!؟
ابتسمت لها الطبيبة وقالت بنبرة عادية : اطمني حضرتك دا اجراء طبيعي لكل اللي في بداية حملهم
تسمرت حدقتي أدهم عليها ، ليسأل مرة أخرى ببلاهة واضحة حتي تعيد ما قالته ، بينما دقات قلبه زادت ، وكأنه يريد التأكد مما سمعه منها : يعني كارمن حامل
أومأت له برأسها وقالت بإبتسامة لطيفة : ايوه يا فندم الف مبروك احنا عملنا ليها تحاليل و كشف هي حاليا حامل في شهرها التاني
لم ينتظر حتي لكي تنهي كلامها فقد تجاوزها ، و ركض بسرعة إلى الداخل فقالت ليلي بابتسامة سعيدة ، وهي تشكر ربها سرًا : الله يبارك فيكي يا دكتورة متشكرين جدا
ردنت الطبيبة بلطف ، وقد اتفاهمت شعور ذلك الرجل من خبرتها وتجاربها مع العديد من الحالات التي مرت بها بنفس الطريقة : دا وجبي عن اذنك تقدر تمشي معاكم بعد محلولها مايخلص
دخل أدهم الغرفة بابتسامة مليئة باللهفة ، وبالكاد يصدق أن أمنيته قد تحققت بالفعل ، وأن معشوقة قلبه ستلد له طفلًا.
وجدها جالسة على السرير ، وقد توجهت عيناها نحوه ، وظهرت ابتسامة مشرقة على وجهها ، رغم التعب الذي بدت عليه فقالت مريم بابتسامة : مبروك يا ابني
تمتم أدهم مبتسمًا ، وعيناه تتجهان إلى كارمن : الله يبارك فيكي يا روما
ابتسمت مريم بسعادة ، وقالت بلطف حتي تترك لهم فرصة التحدث معًا على انفراد ، فهي تعرف جيدًا كم من الوقت انتظروا قدوم تلك اللحظة المميزة : طيب انا هروح اشوف ليلي و راجعة
قالت كارمن بخفوت بعد أن رأت عينيه تلمع بالدموع ، بعد أن جلس على حافة السرير الذي تجلس عليه ، ثم شدها برفق نحوه وعانقها بحب ، فبادلته العناق بالمثل ، وهي تضم خصره بذراعيها بقوة لأنها كانت في حاجة ماسة إلى الدفء ، والطمأنينة التي يغمرها بها بسخاء كالمعتاد : مبروك حبيبي
مرت عدة لحظات قبل أن يبتعد أدهم عنها قليلًا مقبلا جبينها ، وقلبه قد أرتاح بعد أن كاد يخرج من ضلوعه من خوفه الشديد عليها ، رافعا وجهه المقتضب إليها قائلاً بهدوء : الله يباركلي فيكي بس قبل اي حاجة انا زعلان منك ومن نفسي
عبست كارمن بغير فهم ، وسألت بهدوء : ليه كدا؟!
أردف حديثه بعتاب يتخلله ندم الضمير الذي شعر به بسبب ما فعله دون التفكير في العواقب : زعلان منك عشان ما أكلتيش حاجة من الصبح وانتي عارفه انه غلط .. وزعلان من نفسي عشان غصبتك تدخلي بيت الرعب دا رغم اني كنت ملاحظ خوفك منه
ابتسمت له كارمن وهي تتنهد بارتياح ، إذ خطر ببالها أفكار كثيرة بعد أن رأت الحزن على ملامحه.
تحركت للأمام قليلاً ، ثم وضعت قبلة لطيفة على خده الشائك ، قائلةً بصوت خافت : حقك عليا انا بس ماكنش ليا نفس للأكل ونسيت اقولك
تلاشى تجعد حاجبيه تلقائيًا بعد أن قبلته ، وظهرت ابتسامة دافئة على وجهه قائلا بتحذير : بعد كدا هتاكلي قدامي وتهتمي بصحتك كويس مفهوم
ضحكت بخفة على كلماته ، وهي سعيدة لذلك الإهتمام منه ، وأقسمت أنها ستستغل هذا الشئ لصالحها من اليوم فصاعدًا ، هامسة بدلال : حاضر بس عايزة اقولك علي حاجة؟
مط أدهم شفتيه إلى الأمام ، وقال بحذر بعد أن لاحظ النبرة الماكرة في صوتها : قولي!!
قالت كارمن ، مشيرة بإصبعها السبابة ، محذرة أياه بطريقة مضحكة : اوعي لما يجي النونو تلعب معاه و تنساني
رفع حاجبيه ، وهو يضحك بصوت عالٍ على كلماتها التي احتوت على غيرة محمودة ، وتظاهر بالتفكير قبل أن يهمس بصوت أجش مثير ، وهو يغمس رأسه في رقبتها ويمرر أنفه بخفة عليها ، شعرت كارمن بدغدغة لطيفة تسري في جسدها بسبب لحيته التي مررها علي فكها ورقبتها الناعمة : انتي و ملك والنونو حياتي كلها و هنقسم اللعب علينا كلنا
ابتسمت كارمن بينما تسللت ذراعيها حول خصره تطوقه بها واضعة رأسها علي صدره ، بينما كانت تغلق عينيها مستمتعة بحنان همساته ولمساته التي يغدقها بها ، قائلة بتنهيدة عميقة : اااه يا روحي انت كل يوم بحبك اكتر و اكتر
رفع وجهه عن رقبتها المرمرية ، وكانت الابتسامة السعيدة لا تزال على وجهه ، قائلا بشغف ملئ بالعشق ، وهو يميل جبهته ضد جبهتها تزامنا مع دخول ليلى ومريم لكي يطمئنوا عليها : وانا بموت فيكي يا دنيتي ربنا مايحرمنيش منك ابدا
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور أكثر من شهرين
في قصر البارون
حيث كان الحال اليوم غير مألوف بالنسبة لسكان هذا المنزل ، في ذلك اليوم يكتمل العام الكامل من زواج أدهم وكارمن ، لذلك قرر أدهم الاحتفال به مع جميع أفراد الأسرة بعد أن دعاهم بنفسه للحضور.
كما أصر على أن ترتدي كارمن ثوباً أبيض من تصميمه الخاص ، في منتصفه فوق بروز بطنها الكبيرة شريط على شكل قوس أبيض أسفل الصدر مباشرة بفيونكة له تموجات عليه بالطول ، له اكمام طويلة و واسعة ، ومن اعلى الرسغ يضيق بشريط صغير ، وينزل للأسفل بإتساع بشكل انيق مع تموج بسيط ، وهذه هديته لها في هذا اليوم.
نزلت كارمن الدرج بحذر شديد بمساعدة زوجها ، فقد أصبحت حركتها ثقيلة بعض الشيء بعد أن أكملت شهرها الرابع من الحمل ، برزت بطنها بشكل ملحوظ للغاية.
توقفت عن النزول من منتصف الدرج بتردد طفيف.
نظر إليها أدهم ، وهو يجعد حاجبيه بعدم فهم ، وسألها بلهفة : حاسة بحاجة بتوجعك!!
هزت كارمن رأسها بنفي ، قائلة بنبرة هادئة : لا انا كويسة بس...
رمش أدهم بعيناه المتسمرة عليها قائلا بإستفهام : بس ايه؟
عبست كارمن بشدة ، بينما كانت على شفير البكاء ، قائلة بصوت مبحوح يتخلله التذمر : شكلي غريب يا ادهم وبطني كبيرة يعني كان لازم تحكم رأيك وتلبسني الفستان دا كلهم هيشكو دلوقتي من منظر بطني
تسللت ابتسامة بإرتياح على وجهه وأمال رأسه تجاهها ، وقبلها بخفة على جبهتها ، محاولًا طمأنتها حتى لا تصاب بالذعر كالمعتاد مؤخرًا ، قائلاً بأكثر نبرة هادئة يمتلكها ، بينما يكمل نزوله معها ببطء : انتي دخلتي في شهرك الخامس يعني عادي ان بطنك تبقي كبيرة و بطلي تبصي عليها عشان كدا هتخليهم يلاحظو بجد
رفعت كارمن حاجبًا واحدًا من كلماته الواثقة وقالت بقليل من الاقتناع : انت شايف كدا يعني!!
أومأ أدهم برأسه لها ، متابعًا خطواتها باهتمام شديد ، قائلاً بابتسامة واثقة : اتوكلي علي الله وانزلي براحة ولو حد سأل سيبهولي
قالت بضحكة مرحة تزيح بها التوتر الذي كان يرافقها في الأيام الأخيرة ، وهي تخفض نظرها للأسفل لأنها بالكاد تستطيع أن ترى الدرجات من بطنها البارزة أمامها : بدأت اشفق علي الحد دا من دلوقتي
ضحك أيضا معها بخفة على جملتها الساخرة ، واستمروا في نزول السلم بهدوء بينما كان الجميع متجمعين في انتظار مجيئهم.
هتفت كارمن بسعادة ، وهي تتجه نحوه بعد أن وصلوا إلى القاعة الفسيحة : جدو حبيبي
عانقها الجد بحب وحنان ، تبادلت معه كارمن العناق بمحبة وفرح من رؤيته مرة أخرى ، وكانت تشتاق إليه كثيرًا قائلا لها بنبرة خشنة : قلب جدك كيف صحتك يا بنتي!!
خرجت من بين ذراعيه ، ووقفت بجانبه تمسد على ظهره برفق قائلة بسرور : الحمدلله مبسوطة جدا انك جيت اخيرا وشوفتك كنت وحشني اوي
بادلها الجد الابتسامة بحنان ، وقال بمودة : وانتي كمان يا حبيبتي كل سنة وانتو طيبين و ربنا يسعدكم يارب
رد أدهم باحترام ، وابتسامة جذابة على وجهه : وانت بألف صحة وسعادة يا جدي
أجابته كارمن أيضاً بابتسامة رقيقة تزين ثغرها : ربنا يخليك لينا يا جدو
وأردفت بعد أن التفتت للذين يقفون على يمينها ، وكان قد بادر أدهم بالترحيب بهن عندما دخل معها مباشرة ، قائلة بابتسامة سعيدة وهي تقبل خدود كلتا المرأتين بمودة واحترام : ازيك يا عمتو و انتي يا طنط حنان عاملين ايه
ردت حياة بإبتسامة : الحمدلله يا حبيبتي .. انتي اللي اخبار حملك ايه؟
أجابت كارمن بإبتسامة صادقة : يعني الحمدلله تمام
ابتسمت حنان وهي تنظر إليها قائلة بمحبة : ربنا يقومك بالسلامه يا بنتي
جاءت روان إليهن من خلف كارمن قائلة مازحة : نحن هنا علي فكرة .. كل سنة وانتي طيبة يا كوكي
قالت كارمن بضحكة خافتة : وانتي كمان كل عيد جواز وانتي طيبة يا وزة .. اومال فين بنوتك هنا!!؟
ابتسمت روان ابتسامة عريضة وقالت بخبث : وانتي بالصحة والسعادة .. يا ستي هنوشة حبيبة امها نايمة فدبست زين فيها وقولت اجي نقعد مع بعضينا علي رواقة
صاحت حنان غاضبة على أسلوب ابنتها التي أفسدها زوجها كثيرا بعد أن أنجبت ابنتهما الصغيرة "هنا" : مفترية والله البنت يدوب تمت شهر مش هيعرف ياخد باله عليها سيبتها معه فين اروح عشان اخدها منه قبل ما تصحي
ردت روان بعبوس يتخلله الغيظ : انتي مش ملاحظة انك امي انا اقفي معايا شوية وبعدين هو ابوها كمان لازم يشيل برده اشمعنا انا اشيلها تسع شهور لوحدي يعني
مطت كارمن شفتيها مستاءة ، وهي تضرب رأس روان برفق قائلةً بسخرية : ياعيني علي الراجل انا بشفق عليه
حركت روان رأسها بعيدًا ، وهي تئن بتلقائية من ضربتها ، وقالت بتذمر طفولي وهي تخاطب والدتها : بس يا بت هو موجود برا مع باقي الرجالة يا ماما
وصل صوت الجد إليهما مخاطبا حنان بعد أن استمع إلى حديثهما وهو يقف مع أدهم : تعالي معانا يا حنان احنا هنقعد معاهم كمان خدي منه البنت
أومأت حنان بطاعة وهي توبخ ابنتها بازدراء واستسلام من جنونها الدائم : ماشي يا عمي ربنا يصبرني
★★★
تكلمت كارمن بصوت عالٍ قليلاً عندما دخلت الصالة الشاسعة المساحة في أحد أركان القصر ، حيث جلست جميع الفتيات بحرية : طمنوني عليكم يا بنات اخباركو ايه!!
قالت يسر بلا مبالاة وهي ترضع طفلتها الصغيرة "بسنت" ، التي كانت تبلغ من العمر أربعة أشهر فقط ، وكانت نسخة مصغرة من يسر ، حيث كانت تتميز بلون عينيها الواسعتين ، ورموشها الكثيفة ، وخديها ممتلئان بحمرة جميلة : احنا تمام اهو
رفعت نسمة يدها فقط وقالت بابتسامة كسولة : بالنسبالي تعالي انتي سلمي عليا انا مش قادرة اتحرك
هزت كارمن رأسها مستاءة من كلماتها ، وهي تمشي ببطء نحوها ثم عانقتها برفق قائلةً بابتسامة لا تخلو من التذمر : يالهوي علي كسلك يا نسمة بقيتي كسولة اوي اتحركي كدا انتي لسه داخله في شهرك الرابع اومال انا اعمل ايه!!
سألتهم روان بفضول ، وهي جالسة بجانب نسمة : اه قولولي صحيح عرفتو نوع الجنين؟
حركت نسمة رأسها ، نافية هذه الكلمات ، وسألت بحيرة : لسه شوية بس انا دايما نايمة علي نفسي ماعرفش مالي!!
قالت يسر بصوت خفيض حتى لا توقظ ابنتها التي كانت تنام ببراءة بين ذراعيها بعد أن أطعمتها : نسمة بتفكرني بنفسي ايام حملي في ياسين كنت بنام و اكل كتير .. دا الحمدلله اني قدرت اخس بعد الولادة .. كان زمان مالك اتجوز عليا يا اوختشي واخدت انا الصابونة .. عشان كدا مستنية شوية وهلعب رياضة من تاني عشان اخس بدل ما رجلي تيجي في الصابونة المرة دي بجد
ضحك الجميع علي ما قالته ، ثم أومأت إليها كارمن بفهم ، وهي تجلس بجانبها بارتياح قائلة بإصرار ، بعد أن خافت من فكرة اكتسابها للوزن ، مشيرة إلى نسمة بإصبعها : كويس انك قولتي الكلام دا عشان هنفذو انا والبت دي بعد ما نولد
مدت نسمة يديها باتجاه طبق الفاكهة على المنضدة أمامهما ووضعته في حجرها قائلة بلا مبالاة : ماشي بس حاليا خلينا ناكل براحتنا بقي عشان نعمل ريجيم جماعي عن اقتناع
اتسعت عينان كارمن بصدمة عندما رأتها تقطم التفاحة بشراهة ، قائلة بأسي علي حالتهم : مافيش فايدة لسه بتاكل برده
مدت روان يدها نحو طبق نسمة وتناولت منه موزة ، وهي تقول مؤيدة لرأي نسمة ، ثم قشرتها بخفة وأعطتها لكارمن التي أخذتها منها وأكلتها بتلذذ ، ونسيت أمر تخسيس الوزن تماما : ما عندها حق يا اختي هي حامل واحنا بنرضع لازم نتغذي كويس وبعد مدة كدا نبقي نعملو هي الدنيا هتطير
دخلت حنان عليهم بعد قليل حاملة طفلة صغيرة جدا بين ذراعيها ، قائلة بصوت خفيض حتى لا تصاب بالذعر وهي في حضنها : بت يا روان خدي هنا رضيعها
أخذتها روان من يديها بالطريقة الصحيحة وبحرص شديد ، فهي طوال فترة حملها ، كانت تقرأ كل ما يتعلق بتربية الأطفال حتى تعرفت على كل المعلومات عنها لتعتني بابنتها بشكل سليم ، وهذه كانت نصيحة كارمن لها ، و أيضا نسمة الحامل الآن في شهرها الرابع بدأت بقراءة الكتب على الإنترنت لفهم ما تحتاجه لتربية الأطفال.
همست روان بحنان وهي تتأمل في ملامح الطفلة بحب عميق ، رغم أن ملامحها غير واضحة حتى الآن ، لكنها جميلة بعيون عسلي فاتحة ، مثل بحر من العسل الصافي بنظراتها البريئة للغاية : تعالي يا روح امك عند ماما عشان تأكلك
★★★
سرعان ما إنسدل عليهم المساء في جو عائلي دافئ مليء بالضحك ، والقيل والقال بينهم دون توقف.
اجتمع الجميع في البهو الداخلي الفسيح بعد العشاء
قاطعت كارمن الحديث بين الجميع بالوقوف فجأة ، وجعلتهم ينظرون إليها بذهول وإستفهام.
لاحظت ذلك بعد أم وزعت نظراتها الهادئة عليهم ، وقالت بصوت عالٍ قليلاً وهي ترفع إصبعها السبابة : معلش تركزو معايا لحظة واحدة من وقتكم يا جماعة
أنهت جملتها ثم نادت علي كريمة التي جاءت مع بعض الخادمات ، أثناء جر حامل اللوحات الذي كان مغطى بقطعة قماش سميكة وكبيرة تخفي ما تحتها.
أصبح الجميع أكثر فضولًا مع مرور كل لحظة من الصمت ، منتظرين بفارغ الصبر فهم ما كان يحدث أمامهم
تحركت كارمن بخطوات بطيئة وهادئة نحو اللوحة ، بعد أن تراجعت كريمة وأولئك الذين يقفن بجانبها للخلف ، أثناء انتظارهم لمعرفة ما كان في اللوحة أيضًا بحماس.
وقفت كارمن تنظر إلى بريق الفضول الذي برَّق في أعينهم المتسمرة نحوها ، وخصَّوصا أدهم الذي كان يحدق بها في ترقب كبير ، وهو يضع يده اليمنى على حافة مقعده ورأسه مرفوعًا عالياً بكبرياء.
تحنحت كارمن بخفة لتوضيح صوتها بعد أن بدأت تتوتر قليلاً من النظرات المصوبة عليها ، وحاولت ترتيب كلامها قائلة بنبرة هادئة إلى حد ما ، بينما كان قلبها يدق مثل الطبول بين ضلوعها ، وهي تنظر إلى أدهم الذي يبتسم لها بفضول : انهاردة مر سنة كاملة علي جوازي منك يا أدهم .. كانت سنة فيها احداث كتير و مواقف اكتر .. كبرت معاك سنة قدمتلي حاجات كتير حلوة فيها .. وفي أخر السنة دي حابة أنا اهديك ذكري حلوة مني ليك يارب تعجبك
أنهت كلماتها وهي ترفع الغطاء عن اللوحة وهي تعض بتوتر طفيف على شفتها السفلى ، إتسعت عيون الجميع بدهشة وإعجاب بما رأوه.
لم يتمكن مالك من الصمت مطلقاً صفيراً عالياً من إعجابه بجمال رسمها.
أضافت بابتسامة رقيقة ، وبدأت ثقتها تزداد من نظرات أدهم اللامعة بصدمة التي كانت تراقبها بتمعن شديد : كل سنة وانت معايا وجنبي علي طول
كانت عيناه تتألقان بموجات من المشاعر تخصها وحدها ، حيث ألجمت الصدمة لسانه للحظة قبل أن ينهض من مقعده ويسير نحوها ، ثم أمسك كفها الرقيق بكلتا يديه ليرفعه إلى فمه ، ويقبله بحب وحرارة.
تسللت الحرارة إلى وجنتاها اللتين احمرتا خجلاً قبل أن يحتوي جسدها بين ذراعيه قدر المستطاع بسبب انتفاخ بطنها.
غمرت رأسها أكثر في صدره بابتسامة تطوق خصره بذراعيها ، وسعيدة بنظرات الجميع التي تشع إعجابا على جمال اللوحة التي رسمت عليها ملامح أدهم بوضوح وإتقان عاشقة لأدق التفاصيل في زوجها الذي يملأ حبه قلبها ، و كان كل الواقفين يبتسمون بسعادة على منظرهم الرومانسي.
استمعت إلى همسه الرقيق بجوار أذنها وهو يشدد عناقه لها ، بينما يكاد يصدق أنها نفذت تحديها السابق له دون أن يعلم أنها كانت تخطط لهذا الشيء منذ ذلك الحين ، وحتى الآن لتفاجئه بتلك المفاجأة الجميلة : كل سنة وانتي دايما معايا وفي قلبي وعيني و علي راسي يا احلي وارق ست في الدنيا .. كل سنة واحنا طيبين وربنا يخلينا لبعض و يبعد عننا وعن ولادنا كل شر
استنشقت كارمن عطره الذي أصبحت تدمنه أكثر فأكثر منذ حملها ، قائلة بصوت خفيض : امين يارب العالمين .. ربنا مايحرمنيش منك حبيبي .. كفاية بقي عشان بتكسف قدامهم
ضحك أدهم عليها بخفوت قبل أن يطلق سراحها من بين يديه ، ثم نظر إليها بتمعن ، ملاحظا احمرار خدها بإحراج من عناقه لها هكذا أمام الجميع ، ومتسألا بابتسامة بجوار اذنها : طيب تحبي تقولي المفاجأة دي كمان؟
هزت كارمن رأسها برفض ، وشبكت أصابعها في أصابع يده ، وأجابت بحرج : لا قول انت
تمتم أدهم بإبتسامة جانبية : ماشي
ثم أضاف بنبرة عالية لفت بها أنظار الجميع إلى حديثه : يا جماعة عندنا خبر كنا عايزين نقولكم عليه
تسائلت ليلي بإبتسامة : خبر ايه يا حبيبي!!
شدّ أدهم علي أصابعها بإبتسامة قائلا بنبرة هادئة تتخللها الحماسة : كارمن حامل في توأم ولاد
نظر إليهم الجميع بنظرات مندهشة قبل أن يتجهوا نحوهم ، يباركهم ويهنئهم على ذلك الخبر السعيد ، حيث كانت الابتسامة ترتسم علي شفاههم بسعادة حقيقية.
أكملت كارمن حديث أدهم الذي قاطعته التهاني التي أمطروها عليهم بفرح : قررنا إن شاء الله نسمي ولادنا محمد و عمر
هنا كانت الابتسامة حقًا لا توصف على وجوه الجميع ، وخاصة مريم وليلي اللتان احتضنتا كارمن معًا بحنان وحب كبير ، بينما أرسل لها أدهم الذي كان يقف ورائهما قبلة في الهواء دون أن يلاحظها أحد غيرها.
★★★
بعد عدة دقائق
وقف زين أمام المسبح ، بعيدًا عن التجمع في الداخل ، حتى يستطيع تدخين سيجارة في هدوء ، فجاءت روان من ورائه ، ثم وقفت بجانبه ، تهمس بمشاكسة : انت مش ملاحظ انك ناسي حاجة!؟
نظر إليها مندهشا ، مع رفعة حاجبه متظاهرا بالتفكير ، وقال ببرود ، وهو ينفث دخان سيجارة بين أصابعه : مش واخد بالي
نظرت روان إليه بحزن قبل أن تتنهد بضيق يثقل صدرها ، و تقول بنبرة خافتة بسبب الغصة التي تشكلت في حلقها من لا مبالاته مثلما حدث في الماضي : لا والله .. طيب
أمسك زين بمعصمها ، يمنعها من الابتعاد عندما رآها تتحرك من جانبه قبل أن يغلق عينيه بقوة ، متنهدا داخله بغضب لرؤية الحزن في عينيها ، ثم فتح عيناه ناظرا إليها بغضب من نفسه لأسلوبه القاسي معها عن غير قصد ، حيث أراد أن يراوغها قليلاً حتى يعودوا إلى منزلهم ، لكنها ستجعله يتراجع عن ذلك الآن حتي لا يزداد حزنها أكثر.
ألقى بعقب سيجارته على الأرض ، وداس عليها بقدمه قائلاً بتمتمة : لو بتعرفي تصبري علي رزقك كنت قدرت افجئك بالهدية اللي الفضول بياكلك عشان تعرفي اذا جبتها ولالا
دمعت عيناها رغماً عنها ، وضغطت على شفتيها بشدة لتبتلع الغصة في حلقها ، ثم همست بتحشرج : لا مش عشان كدا انت مش مخليني محتاجة حاجة او نفسي في حاجة بس دي غريزة جوايا عايزة اتأكد في كل مناسبة انك بتفكر فيا مش ناسيني بس كدا
لف زين ذراعه حول كتفها ، وقبل جبهتها بحرارة قائلا بحنان محاولا تهدئتها : ماقدرش أنساكي وانتي عارفة كدا ماتزعليش مني بس والله كنت محضرلك مفاجأة وباستعجالك حرقتيها
تغير مزاجها من حزن إلى مرح مرة أخرى بعد أن استطاع زوجها أن يملأ قلبها بالسعادة ، عندما علمت أنه يتذكرها في هذا اليوم المميز رغم عمله طوال الوقت ، قائلة بشقاوة وهي تتكئ أكثر على صدره الصلب : طب ما تيجي نروح البيت وتقدمهالي وانا هعمل نفسي متفاجئة بيها
هز زين رأسه بالموافقة على تفكير زوجته المشاكسة التي مهما كبرت ستظل كما هي ، بقلب أبيض نقي تغضب سريعا و بنفس السرعة ترضي ، قائلاً باستسلام : موافق يا مجنونتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهاية الخاتمة 1
مزيج العشق
رنا محمد