الفصلُ الثّانِي: أسرارٌ خلفَ الأبوابِ المغلقةِ
عددُ الكلماتِ: 1065 كلمة
الجزءُ: الخادمةُ ماريَا
___________________________________بدأتْ ماريا تعتادُ الروتينَ اليوميَّ في القصرِ، رغمَ أنَّ التعبَ كان يتسلّلُ إلى عضلاتِها كلَّ ليلةٍ، ويمتدُّ بثقلِه إلى أطرافِها المُرهقةِ. عملُها لم يكنْ مجرّدَ ترتيبٍ أو تنظيفٍ بسيطٍ، بل سباقٌ مستمرٌّ مع الزمنِ. فالأرضياتُ الرخاميةُ العتيقةُ كانت تحتاجُ إلى جهدٍ هائلٍ لتلميعِها، ولم يكن من السهلِ التعاملُ مع الممرّاتِ الطويلةِ المغطّاةِ بالسجّادِ الثقيلِ، الذي كان يحملُ أثقالًا من الغبارِ العنيدِ.
لم يكنْ هناكَ مجالٌ للتراخي، فالسيدةُ أنيتا، المشرفةُ الصارمةُ، كانت تراقبُ كلَّ شيءٍ بعينيْها الحادتيْن كالصقورِ، تتفحّصُ بدقّةٍ حركةَ كلِّ خادمٍ وخادمةٍ، وتلاحظُ أدنى الأخطاءِ. عندما كانت ماريا تشعرُ بأنَّ خطواتِها بدأت تتباطأ أو أنَّ يديْها ترتجفان من الإرهاقِ، كانت تُلقي نظرةً سريعةً نحو السيدة أنيتا. كانت ترى فيها قسوةً لا تعرف الشفقةَ، لكنَّ شيئًا فيها كان يدفعُها للمواصلةِ، ربّما الخوفُ أو الشعورُ بالواجبِ.
ومع ذلك، لم تكن ماريا وحدها في هذه المعركةِ. كانت تشعرُ بالامتنانِ العميقِ لوجود "لوسي" و"جين"، زميلتيْها في العملِ. ابتساماتُهما المشرقةُ كانت تمنحُها القوةَ، وأحاديثُهما الخفيفةُ كانت تزيلُ عنها بعضَ ثقلِ الروتينِ القاتلِ. بين الحينِ والآخرِ، كانت لوسي تتسلّلُ إليها بخفةٍ وتهمسُ لها ببعض الأسرارِ الصغيرةِ عن المكانِ، مثل الأساطيرِ القديمةِ التي تحيطُ بالغابةِ المظلمةِ الموجودةِ خلفَ القصرِ، أو قصصٍ عن الأرواحِ التي يُقال إنّها تتجولُ بينَ الأشجارِ ليلًا، مما كان يضيفُ للمحيطِ شيئًا من الغموضِ الذي يأسرُ النفسَ الخائفةَ.
في صباحِ اليومِ التالي، كانت ماريا منهمكةً في تنظيفِ إحدى الغرفِ العلويةِ الشاسعةِ في القصرِ، وهي غرفةٌ قِلَّما يُستخدمُها أحدٌ من قاطني المكانِ. الغرفةُ كانت هادئةً بشكلٍ مريبٍ، تملؤها طبقاتٌ من الغبارِ وأشعةُ الشمسِ الباهتةُ المتسللةُ من خلال الستائرِ الثقيلةِ، ملقيةً خيوطًا ذهبيةً على الأرضيةِ الخشبيةِ القديمةِ. كانت ماريا تجرُّ مكنستها المبللةَ بهدوءٍ، وتفكرُ في روتينِ العملِ المملِّ الذي لا ينتهي، عندما وقعتْ عيناها على شيءٍ أثارَ فضولَها.
في إحدى الزوايا المعتمةِ، لاحتْ لها لوحةٌ خشبيةٌ صغيرةٌ نصفُ مخفيةٍ، بابٌ صغيرٌ، مُصفّحٌ بالنقوشِ القديمةِ التي كادت أن تختفيَ بفعلِ الزمنِ. كان البابُ نصفَ مغلقٍ، مشققَ الأطرافِ، ومغطّى بطبقةٍ من الغبارِ السميكِ، وكأنّه لم يُفتحْ منذ عقودٍ طويلةٍ. وقفتْ ماريا هناكَ، مشدوهةً، بينما راح قلبُها ينبضُ بسرعةٍ غيرِ معتادةٍ، مزيجٌ غريبٌ من الفضولِ والخوفِ يتصارعُ في صدرِها. تقدّمتْ خطوةً، ثم تراجعتْ، وهي تتأمّلُ البابَ وكأنما يحكي أسرارًا دفينةً.
أنت تقرأ
وعيونه وراء القبر
خيال (فانتازيا)هرباً من حياة الريف الفقيرة ورفضاً لقدرها كراعية أبقار، حزمت أمتعتها وقررت البحث عن فرص أفضل في المدينة. فماذا ينتظرها هناك؟ وهل ستستمر حياتها بهدوء؟