الفصلُ السادسْ: ما وراءَ الأبوابِ
عددُ الكلماتِ: 1606 كلمة
الجزءُ: الرجلُ الغامضْ
___________________________________كانت الليالي تمر ببطء شديد في القصر، وكأن الزمن نفسه قرر أن يتوقف عن الحركة. الجدران العالية الباردة لم تعد تُشعر ماريا بالأمان كما كانت من قبل، بل باتت وكأنها تضيق عليها شيئًا فشيئًا. الجو كان يزداد برودة مع كل يوم، والرياح التي تهب عبر النوافذ المفتوحة تُصدر صفيرًا مخيفًا كأنه همسات أشباح قديمة تحوم في المكان. ماريا كانت تشعر أن شيئًا ما يتغير، ليس فقط من حولها، بل داخلها هي أيضًا، وكأن هناك صراعًا خفيًا يشتعل في أعماقها.
كل ليلة كانت تجد نفسها أكثر توترًا وحذرًا، تراقب كل زاوية، وتنتبه لكل تفصيلة. كانت تسمع صوت الخشب يتآكل تحت ثقل خطواتها، صوت الريح يضرب الأبواب، وأحيانًا خفقات قلبها نفسها كانت تبدو كأنها تكشف خوفها. كل حركة غير مألوفة، كل صوت مهما بدا بسيطًا، كان يثير شكوكها، حتى تنفسها الذي كان يتحول إلى ضباب في الهواء البارد جعلها تشعر بالضعف والوحدة.
أما الرجل الغامض، فلم يظهر منذ تلك الليلة التي التقته فيها في المكتبة. ومع ذلك، حضوره لم يغب. كان يثقل الأجواء حولها، يزرع في زوايا عقلها خوفًا غير مبرر، وكأن ظله يتبعها أينما ذهبت.
في إحدى الليالي الباردة والمظلمة، كانت ماريا قد أنهت أعمالها المعتادة في القصر الكبير. يومها كان شاقًا كعادته، لكنها كانت تتوق للوصول إلى غرفة الخادمات في الجزء الخلفي من القصر، حيث تجد بعض الراحة. الممرات الطويلة التي تؤدي إلى الغرفة بدت موحشة على غير العادة.بينما كانت الشموع الموزعة هنا وهناك تلقي بظلال متراقصة على الجدران. تلك الظلال لم تكن مريحة، بل بدت في عقلها وكأنها كائنات تراقبها.
ماريا سارت ببطء، خطواتها تتردد في الفراغ الثقيل. رغم هدوء المكان، كانت تشعر بشيء غير طبيعي يحيط بها. فجأة، أحست بشيء غريب؛ الهواء تغير فجأة، لم يعد باردًا فقط، بل أصبح ثقيلًا، مشبعًا بشعور غريب وغير مريح. توقفت في مكانها للحظة، قلبها ينبض بقوة وكأنها على وشك مواجهة شيء مجهول. نظرت حولها، لكن كل شيء بدا ساكنًا بشكل غير طبيعي، عدا ذلك الشعور المتصاعد الذي كان يسيطر عليها.
كانت متأكدة أن هناك شيئًا غير طبيعي ينتظرها في مكان ما، شيء لم تستطع فهمه بعد، لكنه كان قريبًا بما يكفي ليجعلها تتمنى لو لم تغادر غرفة الخدم أبدًا صباح اليوم.
توقفت ماريا فجأة أمام أحد الأبواب القديمة في الممر الطويل. كان هذا الباب مختلفًا عن بقية الأبواب في القصر، خشبه الداكن المتآكل ووجود زخارف باهتة محفورة عليه جعلته يبدو كأنه قطعة من الماضي البعيد. طوال السنوات التي قضتها في القصر، لم ترَ أحدًا يقترب منه أو يفتحه، بل بدا وكأنه مُهمل تمامًا، نُسي عمدًا. لم تكن تعرف ما قد يكون خلفه، ولم تكن تهتم من قبل بالسؤال. لكنه الآن، وسط الظلام والصمت، بدا وكأنه يناديها.
أنت تقرأ
وعيونه وراء القبر
Fantasyهرباً من حياة الريف الفقيرة ورفضاً لقدرها كراعية أبقار، حزمت أمتعتها وقررت البحث عن فرص أفضل في المدينة. فماذا ينتظرها هناك؟ وهل ستستمر حياتها بهدوء؟