الفصل الرابع: اللقاء الأول

124 26 7
                                    

الفصل الرابع: اللقاء الأول
عدد الكلمات: 1840 كلمة
الجزء: الرجل الغامض
___________________________________

مرت الأيام ببطء شديد، وكأن كل ساعة كانت تثقل كاهل ماريا في القصر، وكلما تعمقت في روتينها اليومي، زادت قناعتها بأن هناك شيئاً غريباً يحيط بها. بدأت تشعر كما لو أن القصر ليس مجرد مكان للعيش، بل هو ساحة من الألم والخوف. كانت تمضي أيامها بين المهام المعتادة، من ترتيب الغرف إلى تقديم التقارير لكبير الخدم، لكن في كل زاوية كان هناك إحساس غير مريح يلاحقها.

في كل مرة كانت تمر بالقرب من الممرات المعتمة أو الغرف المهجورة، كانت تشعر بأنفاس باردة تلف جسدها وكأن الهواء نفسه أصبح أثقل. كانت تسمع همسات خفيفة، أصوات لا يمكن تحديد مصدرها، وكأنها تأتي من داخل الجدران نفسها. كانت الأصوات تتسارع أحيانًا لتصبح همسات غير واضحة، وأحيانًا كانت تصبح خافتة جدًا بحيث لا تستطيع تمييز إن كانت هي من تخيلتها أو كانت حقيقية بالفعل.

لقد تجنبت الحديث مع الجميع حول تلك الظواهر؛قلقاً من أن تتهم بالجنون ، كأنت تعيش في حالة إنكار، غير راغبه في الاعتراف بأن شيئًا غريبًا قد يحيط بهذا المكان. ومع مرور الوقت، بدأ القلق يراودها بشكل متزايد، حتى أنها بدأت تقتنع بأن القصر يجب أن تخرج منه .

.......

في إحدى الليالي الباردة، وبعد يوم طويل من العمل الشاق الذي كان يرهق جسدها ويشوش ذهنها، قررت ماريا أن تتسلل خارج جناح الخادمات عندما نام من في القصر جميعهم، مروراً بالباب الخلفي للقصر، تمشت قليلاً في الحديقة الخلفية للقصر. كانت الحديقة قد أصابها سيل من المطر في هذا الوقت من السنة، حيث كانت الزهور قد تبللت وتحولت إلى لوحة مائية نضره. الجو كان هادئًا، والسماء فوقها كانت مليئة بالغيوم الداكنة التي حجب ضوء القمر، مما جعل كل شيء يكتسي بلون رمادي قاتم. بينما كانت تسير على الطريق المرصوف، أحست بشيء غريب، وكأن هناك شيئًا ما ينتظرها في تلك الليلة، شيئًا لا يمكنها تفسيره تمامًا.

بينما كانت تمشي في تلك المسافة الباردة، لاحظت حركة خفيفة في أحد الممرات الضيقة التي تتوغل نحو زاوية مظلمة من الحديقة، وكأن شيئًا قد تحرك بين الظلال. توقفت فجأة، وشعرت بقلبها ينبض بسرعة، كان الخوف يتسلل إلى أعماقها، وكأنها تسمع أصواتها داخليًا تردد أسئلة عديدة: هل كان هناك أحد غيرها في هذا المكان؟ هل كانت تلك الظلال من أثر الرياح؟ أو هل كانت شيئًا آخر تمامًا؟

أخذت خطوة بطيئة نحو الممر الضيق، وعيناها تركزان على الظلال التي كانت تتراقص بشكل غير طبيعي تحت الأشجار العارية. كان الجو ثقيلًا، وكأن الزمن نفسه توقف في تلك اللحظة.

......

ثم، فجأة، ظهر أمامها. كان رجلاً يتمتع بجمال آسر وغير طبيعي، جمال لا يُمكن وصفه بالكلمات المعتادة. كان معتدل القامة، يبرز من بين الظلال وكأن الضوء نفسه لا يجرؤ على الاقتراب منه. كان يقف بثقة، وكأن له سلطة غير مرئية على كل شيء من حوله، وكأن هذا المكان، بكل تفاصيله، خُلق خصيصًا ليكون له. ملامحه كانت دقيقة، وكل شيء في شخصيته يوحي بأنه ليس مجرد إنسان عادي، بل كائن غريب لا ينتمي إلى هذا العالم.

وعيونه وراء القبر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن