"ذكريات مفقودة"

36 5 0
                                    

بينما كان هيونجين عائداً إلى المنزل، عينيه لا تفارقان الكتاب الذي حمله معه من المتجر الغريب. أغلق الباب خلفه بعناية، فتح الكتاب بحذر، يحدق في الصفحات القديمة التي بدت وكأنها تحتوي على سطور مشوشة، ثم بدأ يمسح النصوص بصمت. كانت الكلمات غير واضحة في البداية، مليئة بالتعويذات والمفاهيم غير المألوفة، لكنه استمر في التصفح بلا هوادة.

فجأة، توقف قلبه عندما وقع نظره على اسم "فيلكس" الذي كان مكتوبًا في الصفحة بشكل بارز وكأنها مقدمة لقصة لا يعرفها. اسمه كان هناك، في السطور القديمة، مع تفاصيل غريبة تتعلق به، كأن الكتاب نفسه يكتب عنه ويشيد به، لكن بطريقة غامضة ومربكة.

ومع ذلك، ما أثار قلقه أكثر هو أنه بدأ يشعر بتغير في النصوص أمامه. الكلمات بدأت تتغير بشكل مفاجئ، كما لو أن هناك يدًا غير مرئية تقوم بتعديل المحتوى. السطور التي كانت مكتوبة على الكتاب قبل لحظات قليلة أصبحت مشوشة، وظهرت كلمات جديدة، كما لو أن هناك شخصًا يتحكم في النصوص.

شعر بشيء غريب يسري في جسده، وكأن الكتاب نفسه أصبح كائنًا حيًا يملك القدرة على تغيير الواقع من حوله. كان هناك شيء مريب في هذا الكتاب، شيء كان يربط فيلكس بكل هذا العالم المظلم، شيء لم يكن هيونجين مستعدًا له بعد.

بدأ يشعر بالارتباك والخوف، وأصابعه ترتجف وهو يحدق في الصفحة التي بدأت تتغير بشكل متسارع. الأسماء تتبدل، الأماكن تتحول، وحتى الحوارات بين الشخصيات تتغير في لمح البصر، وكأن الكتاب يحتوي على قوة لا يمكن تفسيرها.

أغمض عينيه لثواني، يحاول إيقاف عقله عن التلاعب بكل هذه الأفكار. وعندما فتح عينيه مجددًا، كانت الحروف قد استقرت، لكن شعور غريب ملأ قلبه. "من هو هذا الشخص الذي يتحكم في الكتاب؟" تساءل في نفسه، وهو يعلم أن فيلكس كان في قلب هذه اللعبة الغامضة.

ابتلع ريقه، وعيناه مشدودتان إلى الكتاب وهو يهمس في نفسه، "لا بد أنني يجب أن أفهم هذا أكثر... وإذا كان فيلكس مرتبطًا بذلك، يجب أن أجد طريقة للوصول إليه."

كانت الصفحات التي أمامه الآن مثل نافذة إلى عالم آخر، عالم تتحكم فيه قوى خارقة، وعليه أن يواجه ما وراء هذا الظلام. شعر هيونجين فجأة بالتراجع، كما لو أن شيئًا ثقيلًا قد هبط على صدره. كانت الأفكار تتسابق في ذهنه، والكتاب الذي كان بين يديه بدا وكأنه يحوي أسرارًا لا يستطيع تحملها. جلس على الكرسي للحظة، ينظر إلى الكتاب الذي كان قد أغلقه، ثم نظر إلى الأدراج أمامه. هناك طرق أخرى، طرق أقل رعبًا، طرق لا تتطلب هذه المغامرة الخطيرة.

أخذ نفسًا عميقًا، ثم أغلق الكتاب بإحكام وأخفاه في أحد الأدراج، وكأن بيده كان يدفن جزءًا من الحقيقة التي لا يستطيع فهمها بعد. كان يعرف أن فيلكس لا يزال في مكان ما، ولكن هل كان هذا الكتاب حقًا هو المفتاح؟ أم أن هناك طرقًا أخرى يمكنه من خلالها إيجاد فيلكس دون أن يغرق في هذا العالم المظلم الذي قد يؤدي إلى شيء لا يمكنه السيطرة عليه؟

ارتاح على السرير بعد أن أغمض عينيه لحظة. كان عقله يدور بسرعة، يفكر في العديد من الأفكار التي يمكن أن تساعده. ربما يمكنه العودة إلى الأماكن التي كان فيلكس يتردد عليها، ربما كان هناك شخص آخر يعرفه جيدًا يمكنه أن يمنحه بعض الإجابات. "لكن ماذا لو كانت هذه الطريقة خطرة؟" تساءل في نفسه. كان يعلم أن كل خطوة جديدة قد تجلب معه المزيد من الأسئلة التي لن تكون سهلة الإجابة.

لكن في النهاية، كان هيونجين يعرف في أعماق قلبه أنه لا يمكنه التراجع الآن. قد تكون هناك طرق أخرى للعثور على فيلكس، لكنه لم يكن مستعدًا بعد للانسحاب. "لن أستسلم، مهما كان الثمن." همس لنفسه وهو يرفع رأسه ويحدق في السقف.

ثم أغلق عينيه مرة أخرى، ليرتاح قليلاً ويجمع قواه لمواجهة ما سيأتي. شعر هيونجين بصداع قوي يضغط على رأسه، كأن كل أفكاره تتصارع في عقله، لكن شيئًا ما في أعماقه دفعه لفتح هاتفه. يده ارتعشت قليلاً بينما بدأ يتصفح الصور القديمة، صورٌ لهما معًا، في تلك الأيام البسيطة التي كانت مليئة بالضحك واللحظات الجميلة. كانت الصور تشبه لمحات من حياة قديمة لا يريد أن يفقدها، كل صورة كانت تحمل ذكرى، وحينما نظر إلى أحدها، شعر بشيء يثقله قلبه.

في الصورة كان فيلكس مبتسمًا، عيونُه كانت مليئة بالأمل والحياة، بينما كان هو بجانبه يبتسم أيضًا، في عالمٍ كان يبدو فيه كل شيء ممكنًا. لكن الآن، كان كل شيء مختلفًا. الصور كانت تذكره بلحظات فقدها، بلحظات لن تعود أبدًا.

توقف نظره على إحدى الصور، حيث كان فيلكس يضحك بينما هو يمسك بيده، يتذكر كيف كان يطمئن نفسه بأنهم معًا، وأنه لن يتركه أبدًا. لكنه الآن، وبعد كل هذه الأيام، يشعر بفراغٍ لا يُمكن تعبئته، كأن قلبه قد سُرق في تلك اللحظة التي اختفى فيها فيلكس.

دموعه بدأت تتجمع في عينيه، لكنه حاول أن يبتلعها، لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا. وجد نفسه يبكي بصمت، تتساقط الدموع على وجهه بينما يتذكر كل اللحظات التي أساء تقديرها. يشعر بالذنب، وكأن كل شيء كان بيده ليحافظ عليه، لكنه فشل في إبقائه في حياته.

"لماذا تركتُه يرحل؟ لماذا لم أكن هناك عندما كان بحاجة إلي؟" همس لنفسه بين دموعه. لم يكن يشعر بالخذلان فقط، بل كان يشعر وكأن الأمل الذي كان يعقده على استعادته قد تلاشى تدريجيًا.

ذَكرى دِيسمبر البارِدةَ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن