14- مَوكِبُ الشُّهَدَاءِ

5 1 0
                                    

هُناكَ سِرٌّ عَجيبٌ في تَسليمِ الأُمورِ للهِ بَعدَ نَفادِ كُلِّ المُحاوَلاتِ، في التَّسليمِ للهِ انتقالٌ تامٌّ من العَجزِ المُفرِطِ إلى كَمالِ القُدرَةِ، ومِن مُنتَهى اليَأسِ إلى وُجوبِ الحَقيقةِ، ومِن خَوفِ القُلوبِ إلى رِضا الأَقدارِ .

اللّٰهمّ صلِّ عَلىٰ مُحمّد وآلِ مُحمّد .

"طُوبَى لأولئك الذين مَضوا شُهَداء فلا تفكروا بمنزلتهم فإنّ أفكاركم قاصرة عن بلوغ ذلك , بل فكروا بطريقهم وهدفهم"

واصلنا سيرنا في وسط صحراء مترامية الأطراف , ولم تخُف حرارة الجو أبدأً , واستولى عليَّ الإرهاق ولم تبق فيَّ قدرة على مواصلة الطريق .

في تلك الأثناء سمعت أصواتاً فأدرت برأسي نحو يمين الصحراء , فشاهدت منظراً مثيراً , إذ رأيت مجموعة من الناس قد اخترقت الصحراء ومضت بسرعة فائقة ولم يخلّفوا وراءهم سوى الغبار , فتوقفت متعجباً وأخذت أنظر إلى الغبار المتطاير , ثمّ حركني حسن فانتبهت على نفسي , وأردت أن أسأله فسبقني حسن وقال : هل شاهدت المنظر ؟

قلت : ومن هؤلاء ؟

قال : هؤلاء زمرة من الشهداء .

قلت مذهولاً : الشهداء ؟

قال : نعم الشهداء .

قلت : وأين يريدون ؟

قال : وادي السلام .

فأدرت برأسي نحو حسن متعجباً وقلت :  وادي السلام !

قال : نعم وادي السلام .

قلت : لقد ذلّلنا هذه المسافة الطويلة بما فيها من مشقات ومحن كي نُسعد يوماً بالوصول لوادي السلام , وها أنت تقول أنّ هؤلاء يتوجهون نحو وادي السلام بهذه السرعة , فهل هنالك فارق بيننا وبينهم ؟

فطُبعت ابتسامة على وجه حسن وقال :
بين قمري وجرم القمر فرقٌ بين السماء والأرض ،
ثم واصل كلامه : لقد عبدت الله في الدنيا على عجل فعليك الآن أن تقطع الطريق بمشقة وصعوبة , أين أنت من الشهداء فالشهيد تغفر ذنوبه بمجرّد أن تسقط أوّل قطرة من دمه على الأرض وتُذلل له الطريق .

وفي يوم القيامة أيضا أوّل من يدخل الجنة الشهداء , فإنّهم قطعوا طريق مائة عام في ليلة واحدة , وها هم اليوم يقطعون وادي برهوت في طرفة عين .

فغبطت الشهداء على منزلتهم وأخذت أردد : طوبى لهم وحسن مآب .

لشدة ما انتابتني من حسرة وغم جلست وأخذت أحدّث نفسي : أيّةُ درجة ومـنزلة هذه ؟ منذ مدة وأنا أدور في هذه الصحراء وواجهت الكثير من العوائق والمصاعب ولا زلت لم أصل بعد إلى نتيجة .
لكن هؤلاء بلغوا مقصَدهم بهذه السرعة , فحقاً طوبى لأولئك الذين مضوا شهداء .

[من صدُك طُوبى لهُم😔]

سالت الدموع على وجنتي وبلغت روحي حنجرتي .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 19 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رِحلـة بَرزخـيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن