4-حَل أَوانُ الغُربة

15 2 0
                                    

" أُحِبُ السائرين إلىٰ الله ، كُلٌ بطريقته ، كُلٌّ يتعبّدُ بما تفيضُ عليه روحه هـٰذا بحُبه للناس ، وهـٰذا بعطائه، وهـٰذا بابتسامته، وهـٰذا بإيمانه ، وهـٰذا بطريقة عيشٍ سليمة أُكِب من ينظر للحياة بمنظور إلهي تمامًا ، في كُل حركةٍ وسَكَنْة يرجو بها وجه الله "

اللّٰهمّ صلِّ عَلىٰ مُحمّد وآلِ مُحمّد

حَل أَوانُ الغُربة
كل انسان سوف يعيش هذه القصة بكل تفاصيلها!

انتَابَنِي السُّرُور لِكثرَة الَّذِين جَاؤُوا لِمُوَارَاة جُثمَاني الثَّرى، وَ شَعَرتُ بِالمُتعَة لِحُضُورِهِم وَ تِلَاوَتِهِم لِلقُرآن وَ الصَّلَوَات عَلَى النَّبِي وَآلِهِ  .

ثُمَّ أَخَذ الحَاضِرُون بِالإِنصِرَاف شَيئًا فَشَيئًا وَ لَم يَبقَى مِنهُم إِلَّا نَفَرٌ يُقَدَّرُون بِعَدَد الأَصَابِع، وَلَكِن لَم يَمضِ مِنَ الوَقتِ إِلَّا القَلِيل حَتَّى تَرَكُونِي وَحِيدًا وَهَذَا مَا لَم أُصَدِّقهُ !  .

رُبمَا لَا تَتَصَوَّرُون مَا جَرَى عَلِي فِي تِلكَ اللَّحَظَات، فَلَم أَكُن أَتَوَقعُ مِنهُم هَذَا الجَفَاء، أَولَادِي، بَناتِي، زَوجَتِي وَ كَذَلِكَ أَصدِقَائِي المُقَرَّبِين الَّذِينَ لَم أَبخِل عَلَيهِم بِالمَوَدَّة، لَكِنَّهُم سُرعَان مَا إِنصَرِفُوا وَ تَرَكُونِي وَحِيدًا وَدِدتُ لَو أَصرَخُ فِيهِم : أَينَ تَذهَبُونَ ؟ ابقَوا مَعِي، لَا تَترُكُونِي وَحِيدًا ..

فِي تِلكَ الأَثنَاء سَمِعتُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاس : تَوَالَدُوا لِلمَوتِ، وَ اجمَعُوا لِلفَنَاءُ وَ ابنُوا لِلخَرَابِ، وَلَكِن لِلأَسَف فَقَد كَانُوا فِي وَادٍ آخَر مَحرُومِين مِنَ الإِستِمَاع لِهَذَا النِّدَاء، وَلَمَّا عَرَفتُ أَنَّ النَّاس قَد خَرَجُوا مِنَ المَقبَرَة نَادَيتَهُم : إِذهَبُوا، وَلَكِن إِعلَمُوا بِأَنَّكُم سَتُنزِلُونَ التُّرَاب يَومًا، صَدَقتُم أَم لَم تُصَدِّقُوا، شِئتُم أَم أَبَيتُم، إِعلمُوا فَوَاَللَّهِ لَا يُؤَخَّر الْأَجَل 
.

بَعدَ كُل ذَلِكَ الصُّرَاخ وَ العَوِيل رَجَعتُ إِلَى نَفسِي فَوَجَدتُ أَنَّ كُل مَا بَقِي لِي هُوَ قَبرٌ مُظلِمٌ مُوحِشٌ مَهُولٌ يُثِيرُ الغُمُوم، فَأَستَحْوِذ عَلَيَّ الرَّهبَة، أَخَذتُ أُفَكِّر مَع نَفسِي : وَكَأَنَّهُم قَد قَذَفُوا فِي فُؤَادِي كُل مَا فِي افئِدَة أَهلِ الأَرضِ مِن غُمُوم وَ كُل مَا فِي الدُّنيَا مِن قَلَقٍ، وَ إِنَّهُ غَمٌّ وَ رُعبٌ لَو نَزَل عَلَى بَدَن الإِنسَان لَأَهلَكَهُ، وَ نَتِيجَةً لِذَلِكَ الضَّغط النَّفسِي بَكَيتُ وَ سَالَت دُمُوعِي سَاعَاتٌ وَ سَاعَات  .

أَخَذتُ أَتَذَكَّر أَعمَالِي فَأَدرَكتُ قِلَّة بِضَاعَتِي، فَتَمَنَّيتُ لَو عُدتُ مَع الَّذِين كَانُوا قَد إِجتَمعُوا عَلَى قَبرِي، كَي أَقضِي عُمرِي بِالعِبَادَة وَ إِحيَاء اللَّيل وَ الأَعمَال الصَّالِحَة وَ أُنفِق كُل مَا كُنتُ جَمَعتُهُ خِلَال السَّنَوات الأَخِيرَة مِن عُمرِي عَلَى الفُقَرَاء، لَيتَنِي ... لَيتَنِي ..

وَأَنَا غَارِق فِي بَحر أَفكَارِي ارتَفَع صَوتٌ مِن يَسَارِ القَبر : إِنَّكَ تَتَمَنَّى العَودَة عَبَثًا، أُغلَقَتْ صَحِيفَة حَيَاتِك ! فَرَعَبتُ لِذَلِكَ الصَّوت فِي تِلكَ الظُّلمَة وَكَأَنَّ أَحَدًا قَد دَخَلَ القَبر، فَسَأَلتَهُ بِصَوتٍ مَهزُوز : مَن أَنتَ ؟

فَأَجَاب : أَنَا رُومَان مِن مَلَائِكَة اللهَّ تَعَالَىٰ.

قُلتُ : لَعَلَّكَ عَرَفتَ مَا يَدُورُ فِي ذِهنِي !
قَالَ : نَعَم  .

قُلتُ : أَقسِم لَو تَرَكتَنِي أَعُودُ إِلَى ذَلِكَ العَالَم لَن أَعصِي اللَّهَ أَبَدًا وَ أَعمَل عَلَى كَسبِ رِضَاهُ، اليَوم حَيثُ انْصَرَفَ عَنِّي كُل مَن أَعرِفَهُم بَلْ وَ حَتَّى أَفرَادُ أُسرَتِي وَ تَرَكُونِي، أَدرَكتُ غَدرَ الدُّنيَا، فَأَطمَئِن إِذَا رَجَعتُ إِلَى الدُّنيَا لَن أَغفِل لَحظَةً وَاحِدَة عَن طَاعَة خَالِقِي وَ عِبَادَتِهِ !

قَالَ : إِنَّهَا كَلِمَةٌ أَنتَ قَائِلُهَا، لَكِن أَعلَم أَنَّ الوَاقِع غَيرُ مَا تَتَمَنَّاه فَلَا بُد أَن تَمكُثَ فِي البَرْزَخ مِن الآنَ وَحَتَّى قِيَامِ السَّاعَة  .

بَعدَ ذَلِكَ بَاشَر بِإِحصَاءِ أَعمَالِي الصَّالِحَة وَ الطَّالِحَة تِلكَ الأَعمَال الَّتِي ارتَكَبتُهَا طِيلَة حَيَاتِي وَ سَجلهَا الكِرَامُ الكَاتِبِين، عَجَبًا لَهَا مِن صَحِيفَة تَضِمُّ حَتَّى أَصغَر أَعمَالِي صَالِحِهَا وَ قَبِيحَهَا، وَفِي تِلكَ اللَّحَظَات شَاهَدتُ أَعمَالِي أَمَامَ عَينِي  .

كُنتُ أُفَكِّر بِثِقَل أَعمَالِي وَخِفتِهَا فَبَادَرَ رُومَان إِلَى تَعلِيق صَحِيفَة أَعمَالِي فِي رَقبَتِي، بحَيثُ شَعَرتُ وَكَأَنَّ جِبَال الدُّنيَا كُلَّهَا عُلِّقَت فِي عُنُقِي  .

قُلتُ : وَ إِلَى مَتَى يَجِبُ أَن أَتَحَمَّل ثِقَلَ هَذَا الطَّوق ؟

قَالَ : لَا تَقلَق، بَعدَ ذَهَابِي سَيَأتِي مُنكَر وَ نَكِير لِلمُسَاءَلَة ثُمَّ تَزُولُ هَذِهِ المُشكِلَة عَنكَ.

قَالَ رُومَان ذَلِكَ وَ إِنصَرَف  .

______________________________________________

البـاقِيات الصَّالِحـات :
- ﴿سُبحان الله﴾
-﴿الحَمدُ للّٰه﴾
- ﴿لا إلٰه إلّا الله﴾
- ﴿الله اكبَر﴾
- ﴿سُبحان الله وبحَمده﴾
- ﴿سُبحان الله العظيم﴾
- ﴿أستغفِرُ الله وأتوبُ إليه﴾
- ﴿لا حَول ولا قوّة إلّا باللّٰه﴾
- ﴿اللّٰهمّ صلِّ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ﴾

دُمتُـم في رِعاية اللّٰه .

رِحلـة بَرزخـيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن