٢

589 31 7
                                    

سأخبرك بقصتك فأنصتي ..
بلدتك تعرضت للهجوم من قبل دولة مجهولة وبسلاح فتاك ليس له مثيل، هذا السلاح يطلقُ غازاً ساماً .. سكان بلدتك جميعهم قد لقوا حتفهم، أنتِ وحدك من عثر عليك حية من بينهم حين أتت فرق الإنقاذ من البلدان المجاورة.
تم اختطافك وتهريبك من قبل عملائنا إلى هنا،
وذلك لأنك مطلوبة من جهتين ..
البلدان الصديقة تريدك لتعرف مالذي حدث وتكتشف من تكون الدولة المتعدية إما لمحكامتهم أو لتوخي الحذر منهم ..
والدولة المعتدية تريدك لتعرف كيف نجوتِ ولم تتأثري بالغاز السام فيصلحوا عيوبه.. ثم يتخلصوا منك حتى لا تكشفي سرهم ..
أعرف أن ذلك صعب عليك فهمه ..
لكنَ ألا تتذكرين مالذي حدث ؟
ذلك مهم جداً ..
نظرت إليه الطفلة مطولاً و شريط ذكرياتها يعرض أمامها ..
تذكرت تماماً ما قد جرى ..
أغمضت عينيها بقوة .. ثم فتحتهما
وقالت كاذبة : لا أعرف عما تتحدث ..
أومأ برأسه وقال : حاولي رجاءاً ،
وابتعد عنها وأخذ يتحدث مع الرجلين ثم خرجوا ..
وفور خروجهم .. وضعت يديها حول قدميها ودفنت وجهها بينهما ..
وبكت بكاءً لم تبك مثلهُ أبداً ..
مضت عدة سويعات وبدأ اليوم ينتصف
وبدأت الشمس بالمغيب رويداً رويدا ..
رفعت الطفلة رأسهآ أخيراً، ومسحت ما تبقى من دمعاتها ..
همست قائلة : هكذا إذاً ..
تذكرت كيف أرسلتها والدتها في ذلك اليوم لتذهب لشراء الخبز من العم معتز ..
الذي بدوره طلب منهآ النزول إلى القبو لجلب الطحين فلسوء حظها قال أن الكمية انتهت، لكنه كان لطيفاً كفاية ليخبرها أنه سيخبز قطعاً اخرى لأجلهم ..
تذكرت كيف سمعت فور نزولها صوت صافرات الإنذار ..
واهتزاز الأرض وتهاوي الأرفف والتحف ..
اهتز المكان بأكمله وأُغلق باب القبو على إثرها ..
سقط فوقها أحد الصناديق الكبيرة فأفقدها وعيها ..
ولما أفاقت كانت الفوضى تعم المكان والهدوء طاغ على الجو.. خرجت من القبو .. وذُهلت من الدمار الذي رأته ..
رأت الجميع ملقى أرضاً بطريقة مرعبه تذكرها بحشرات المزرعة حين ترش والدتها المبيد على محصولها ..
إتجهت إلى منزلها وهي تتحاشى النظر إلى الجثث المنتشرة..
استقبلها اجساد اخوتها الثلاث التي كانت قريبة من بعضها ..
ووالدتها تبعد عنهم بضع خطوات،
هرعت إلى جسد والدتها تهزه وهي تناشدها على أن تعود إليها ..
كانت يد والدتها ممسكة بورقة، انتزعتها منها وفتحتها لتجد رسماً غريباً، أقرب إلى عين حيوان.
لم تكن في مزاج يسمح لها بالتساؤل عن المقصد، رمتها للرياح وتشبثت بيد والدتها تبكي بمرارة وتصرخ حتى كادت تجن،
ولا تتذكر ما حدث بعد ذلك.

عآدت إلى الحاضر وإلى زنزانتها المقفرة ..
ضمت ساقيها الملطخة بالأتربة إلى صدرها بقوة ..
قالت بصوت لا يسمع : "أمي "
لم تشعر إلا والدموع تعاود الهطول..
همست تخاطب عينيها " كفى "
فتح البآب فجأة بقوة .. مما أجفلها ..
كان هو الرجل ذاته من أخبرها بالقصة، نظر إليها بحدة
بينما هي تحاول إخفاء دمعاتها بقلق ..
قال بصوت خشن لا يشبه صوته الذي حدثها به مسبقاً : " اعتقدُ أنك لا تتذكرين .. فلم البكاء إذا "
ارتبكت الصغيرة و شدت لحافها إليها..
همست  : " دعني وشأني "
ابتسم بخبث و أقترب قائلاً : " أعتبر هذا إقرار بعودة ذاكرتك .. "
وازدادت ابتسامته إتساعاً ..

طفلة بألف درهمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن