سألت ماليا : ( ما الأمر ؟! )
أجابت صبا : ( لا شيء .. أشعر بالغثيان قليلاً، لنعد رجاءً )
قالت ماليا دون أن تحاول إخفاء تذمرها : ( أنتِ فعلاً مملة .. )
وأشارت للخدم بيدها لـلعودة.
_________
جلست صبا على سريرها تعبث بأصابعها بقلق ..
هي بالتأكيد لم تنس ما قالته لها أمها بعد .. لكن..
قاطع تفكيرها ضجيج في الخارج ..
نهضت بتثاقل لتفتح النافذة وتعرف الخبر،
( ماهذا ! ) فغر فمها.
كان هناك تجمهر كبير يتقدمه الصحفيين وخلفهم يتراص المواطنين
يكادون يحطمون البوابة باندفاعهم الذي بدا لها غريباً..
صرخ أحدهم فجأة : ( إنها هناك .. )
لمحت صبا اصبعه وهو يرتفع ليشير إليها، قبل أن يفاجئها إنهمار اضواء الكاميرات عليها، أغمضت عينيها لئلا يتأذيا.
داهمتها يدٌ من خلفها وأغلقت النافذة؛
ولم تحاول تخمين الفاعل .. كان جيان بالطبع.
قال لها : ( يبدو أنهم هنا لأجلك.. )
أومأت صبا .. والتقطت حذائها على عجلة قائلة : ( سأنزل اليهم )
( حسناً .. أجيبي عن الاسئلة باسئلة)
( سأفعل )
ركضت خارجة .. بينما فتح جيان النافذة بعد ذهابها ليطل عليها منها.
-------
تسمرت صبا أمام البوابة الحديدية التي تفصل بينها وبين فوج المتجمهرين
صرخ أحدهم : ( أأنتِ سبا ؟ )
إنزعجت صبا من طريقة نطقهم لـ إسمها .. ولم تعقب.
كانت تنظر إلى وجوههم بينما تنهمر الاسئلة عليها كالطوفان..
: ( أنتِ الناجية الوحيدة من تلك الدولة؟ )
: ( هل هناك ناجون غيرك؟ )
: ( هل تستطيعين اخبارنا بقصتك؟ )
صرخت صبا : ( نعم أنا هي )
هدأ الجميع فقالت : ( أنا صبا .. ) شددت على الصاد ثم أكملت ( أنا الناجية الوحيدة بالفعل )
سأل أحدهم : ( هل تعرفين من تكون الدولة التي هاجمت دولتك ؟ )
صمتت صبا تفكر .. ثم قالت : ( وكيف لي أن أعرف؟)
أتى حارسان من داخل القصر وطلبا منها الابتعاد عن التجمع فابتعدت معهما تاركة ورائها عشرات الاسئلة الفضولية.
________
زمجر الرئيس قائلاً : ( كيف وصل الخبر إلى الصحافة ؟ )
لم يجب عليه أحد .. كانوا يجهلون الفاعل.
عدل ربطة عنقة بغضب قائلاً : ( استدعوها حالاً)
_____
جلست صبا على المقعد وهي تحرك قدميها بهدوء .. لطالما حيرها كيف يجلس البالغين دون تحريك أرجلهم ولو قليلاً .. كيف يتحجرون؟
رفعت بصرها الى الرئيس الذي يجلس على المقعد المقابل ..
الذي ما فتئ أن قال لها : ( حسناً .. لندخل في صلب الموضوع )
مالفائدة من المقدمات مع طفلة؟ .. هكذا فكر. (.. كيف نجوتيّ؟ )
قالت صبا بهدوء : ( مصادفة ) لم تكن تكذب.
انزعج الرئيس من جوابها لكنه أكمل : ( هل هناك ناجون غيرك ؟ )
صبا : ( لم أرى أحداً .. استيقظت في الحبس )
صمت قليلاً .. ثم سأل : ( هل تعرفين من أين كان الهجوم؟ )
صبا : ( لا )
طال زمن المقابله وصبا على هذه الحال .. إجاباتها مختصرة لا تعطي أي معلومة كما علمها جيان.
نهض الرئيس اخيراً : ( انتهينا .. )----
خرجت صبا من غرفة الاجتماعات متجهة إلى غرفتها ..
حيث جلست هناك أمام النافذة تراقب السماء.
شعرت بفقدان الحيلة .. مالذي يمكنها فعله؟
أدركت أن كل ما تستطيع فعله هو تقديم الإجابات. لا غير ..
( مهما كان ما سأفعله ففي النهاية أنا وحدي مقابل دولة ! )
نهضت بيأس ثم رمت نفسها على الاريكة أمام التلفاز وبدأت تقلب قنواته
بعد أن التقطت جهاز التحكم من على الطاولة ..
شاهدت عرض موجز الأخبار .. و أدهشها عرض قصير عنها ..
داهمتها فكرة مفاجئة وهي تراقب صورتها على التلفاز، لِم لا تخبر الصحافة بالحقيقة ؟
لكن لا .. مهما يكن الصحافة لن تنفع. لن يقوموا بعرض شيئ يضرهم أليس كذلك؟
دخل جيان إلى الغرفة في هذه اللحظة ..
وجلس بجانبها بهدوءه المعتاد .. بملابسه الرسمية السوداء، وياقته المهملة.
تحدثت صبا بعد تردد دام لدقائق : ( جيان .. )
نظر إليها ب اهتمام .. فتراجعت فوراً : ( لا شيء .. )
وحولت نظرها للأسفل .. هي لا يمكنها أن تثق به ايضاً ..
طُرق الباب عدة طرقات ثم دخلت إيما وبيدها طبق حساء لصبا،
والتي بدورها تناولته بصمت مطبق ..
______
بعد مضي عدة أيام هادئه قضتها صبا بالتفكير في حلٍ لمعضلتها ..
كانت ترقد على سريرها بتعب .. حين انحنى جيان ناحيتها قائلاً:
: ( صبا ماذا ألم بك؟ .. حالتك الصحية تسوء يوماً بعد يوم )
سعلت صبا مرة وإثنتين قبل أن تجيبه : ( لا أعلم .. ربما حمى خفيفة )
عقد حاجبيه ولم يجب. التقط معطفه من على الكرسي
وهم بالخروج لكنه تسمر في مكانه فجأة حين لمح طبق الحساء الخاص بصبا ..
نظر إليه مطولاً .. ثم إتجهه إليه ورفعه ..
وضع إصبعه بوسطه ثم رفعه إلى انفه ليشتم رائحته.
لاحظ بطرف عينه أن صبا تراقبه فقال لها : ( يبدو شهياً .. أأستطيع أخذه ؟ )
قالت صبا بدهشه : ( بالطبع.. ! )
خرج بعدم تركيز جعله يسقط معطفه امام الباب..
ركب سيارته على عجلة وانطلق بها حتى توقف أمام منزل صغير ..
ارتجل وطرق الباب الذي لم يلبث أن فتح ..
وأطل منه رجل قصير القامة أصلع الرأس.
قال الرجل بدهشة وهو يبتعد عن الباب : ( سيدي ! ) لم يكن يتوقع أي زيارة قريبة .. ولم يكن من عادة جيان أن يزور أحداً دون موعد، عدا صبا طبعاً.
دلف جيان إلى الداخل قائلاً : ( لدي شيء أريد منك القاء نظرة عليه )
__________
دخلت إيما ومعها طبق الحساء المعتاد
ومدته الى صبا قائلة : ( هل تحسنت صحتك آنستيّ ؟ )
لم تجب صبا والتقطت الطبق بهدوء واضعة اياه في حجرها ..
وامسكت بالملعقة قائلة : ( اشكرك )
اومأت إيما لها وغادرت من فورها، لطالما كانت تشعر أنها غير مرحب بها أمام هذه الطفلة التي لو تعلم من تكون لما استهانت بها هكذا!
وقبل أن تغلق الباب خلفها تسللت قطة إلى الداخل ..
لم تعرها إيما أي انتباه فهي قطة القصر المدللة ولا تملك طردها،
أخذت صبا تعبث بالحساء بـ ملعقتها .. لم تكن تشعر بأي رغبة بتناوله ..
وفي هذه الأثناء وبينما هي تقلب الحساء قفزت القطة على السرير،
صدرت عن صبا صرخة فزع في البداية ..
لكنها سرعان ما إنتبهت إلى كونها مجرد قطة.
مدت اليها يدها ببطئ لتلمس رأسها ..ولم تصدر القطة أي حركة تدل على الإعتراض ..
مما جعل صبا تنتقل بيدها الى ظهرها وتداعب فروها الناعم ..
نظرت صبا إلى الحساء قائلة : ( أتريدينه ؟ )
ولم تنتظر الجواب إذ سقتها منه مباشرة، وأخذت تروي لها مخاوفها..
ولكن القطة بعد مضي عدة دقائق بدأت تصدر صوت اختناق غريب
وهي تتقلب يمنة ويسره حتى تدحرجت وسقطت أرضاً دون حركة !
إتسعت عينا صبا وهي تنقل بصرها بين القطة والحساء برعب.
أنت تقرأ
طفلة بألف درهم
Mystery / Thrillerظلمة شديدة.. لا يُرى بفضلها شيء .. وصوتُ خطواتٍ بطيئة .. مليئة بالثقة .. يترددُ صداها مشكلاً قرعاً ذا إيقاع متناغم .. تتوقفُ الخطواتَ .. و تمتدُ يدٌ لـ تفتح الباب .. يُصدرُ الباب صريراً مرتفعاً .. يوحيَ لسامعهَ أنه قد عاش دهراً.. يَدخُل الرجلَ...