Part 1

12K 205 11
                                    

ربما كنت في احدى الخطوط التي ارتسمت على فنجاني الذي كنت ارتشفه في ذاك الصباح او ربما المساء وانا افكر بمستقبلا اجهله.
نظن بأن الصدفة موجودة لكن لا نخبر انفسنا بأن كل شيئا قد كتب ولسبب ولا وجود لشيئا قد يدعى "صدفة" فجميعها حكايات مترابطة ومتسلسلة وقد كتبت حتى قبل ولادتنا في يوما من الايام. فقد كتب القدر لنا ان نلتقي في ذاك اليوم الممطر وانخلق ذاك الحادث الصغير كي أراك امامي وتراني من بين الاف الناس ولا مجال للهروب.
فأنت الذي بدء حكاية وربما كنت موجودا في رأسي دون ان ادرك حتى ارتسم وجهك بين تلك الحبات واصبحت انفاسي في خليط القهوة حتى تشكلت انت فيما بينهم لكن لم تكن لدية الجرئة لقلبه ومعرفة ما يدور, ربما اردت ان ارى في عيني بدلا من رصد الاحتمالات واعتبر بأن وجودك ليس الا صدفة في حياتي.
"ولا نرى بعضنا الا مصادفة فمن يصدق ان الحب يجمعنا." #عبدالرزاق عبدالواحد

(غلا)
فتحت عيناي وانا متحمسة ليوما لم و لن يتكرر في الزمن. قمت من فراشي بنشاط والابتسامة مرتسمة على شفتاي متوجهة لاستحم. بعد خروجي ارتديت فستان أحمر طويل مع سترة سوداء قصيرة واضعة مكياج على بشرتي السمراء وكحل لعيناي الواسعتان مع حمرة حمراء.
أستمعت لقطرات المطر وهي تهطل على سقف المنزل كأنها أحلام قد تحطمت واخرى قد نبتت في احدى رقع المكان.
قبل أن اخرج من المنزل أخذت مضلتي التي كانت بقرب الباب وحقيبتي السوداء مرتدية حذائي الاسود ذو الكعب العالي. استقليت عربتي وتوجهت الى مكان توقيع عقد كتابي الاول لنشره الذي سوف ابدء بمشواره بعد عناء دام لسنة كاملة بسبب مديري الذي افتعل المشاكل حول اختيار القصة المناسبة.
كان مديري ماجد ذو مزاج غريب, لا اعلم لماذا يحاول دائما ان يجعلني اقوم بعمل اكثر من الذي قمت به, لكن كونه المدير العربي الذي حظيت به في هذا البلد الاجنبي كنت التزم الصمت دوما واحاول ان افعل مافي وسعي كي ارضيه في النهاية.
عند وصولي امام الشركة وانا بذاك الحماس ترجلت من العربة وقام الحارس بأخذ مفتاح العربة كي يضعها في موقف السيارات لكن حدث مالم اتوقعه حيث انقلبت حياتي رأسا على عقب!
أتت عربة لامبورغيني من بعيد بسرعة متوسطة بينما كنت اقف أنا بجانب العربة من جهة مرور العربات وتلطخ فستاني بالوحل. وقفت متصنمة وانا انظر لما حل بي. اجتاحني الغضب وصرخت على صاحب العربة بلهجتي العراقية دون التحدث باللغة الانكليزية حتى, "انت اعمى متشوف."
لا اعلم ان كان قد سمعني ام انه لاحظ ما فعله لكنه ارجع عربته ببطئ ووقف بجانبي. انزل زجاج العربة وناظرني بطارف عينيه محدثني بالانكليزي, "انا اسف على ماحدث سيدتي."
اجبته والغضب يتلبسني, "حقا؟؟؟"
في هذه الاثناء رن هاتفي واذا بي ارى مديري ماجد يتصل, اجبته بسرعة, "الو استاذ ماجد."
"غلا وين صرتي؟ الناس دينتظرون حتى توقعين."
نظرت الى ملابسي وانا لا اعلم ما علي قوله, استرسل, "الو غلا تسمعيني؟"
"اسفة بس صار حادث."
صرخ قائلا, "انتي زينة؟"
نظرت الى صاحب العربة بينما هو كان يناظرني والابتسامة في طارف شفتيه, "لا ملابسي كلهة توصخت وما اعرف شون اصعد هيج."
"شنو ملابسج مدا افتهم مو كلتي حادث؟!"
"اي من نزلت من السيارة واحد اعمة ديسوق وصار وصخ على فستاني."
غضب ماجد, "غلا دا اكلج الناس هنا شنو فستان!؟"
"عفية استاذ الله يخليك احجي وياهم يكدرون يأجلون الموعد."
قال بنفاذ صبر, "راح احاول."
اغلقت الهاتف وانا اناظره حتى اخبرني, "تراني مب اعمة."
فوجئت بنطقه لتلك الكلمات واعدت الحديث في رأسي وانا اذكر مالذي قلته لماجد خوفا من التفوه بكلمة غير مقصودة عليه.
أبتسم بسخرية, "انا اسف الحين بسير. محتاجة شي؟"
"انت صدك تحجي؟ من وراك راح يروحني توقيع عقد الكتاب وانت تكلي اسف وين اصرفه؟"
بينما كنت اصرخ في وجهه واناضره شعرت بأنني رأيته من قبل لكن لا اعلم اين ومتى. لكن بسبب غضبي المفرط وكوني اهتم بما ارتيده وكيف سأقابل اولائك الاشخاص الذين سوف يغيرون حياتي بعد معاناة طويلة حل بي ما حل بسبب تهوره.
"انتي شفيج كلة معصبة؟ يبة خبرتج اني اسف."
قلت له بغضب, "وممقبول اعتذارك."
اخذ نفسا عميقا, "اوكي الحين برضيج."
"شون ترضيني واذا مقبلوا يأجلون الموعد شنو الي اسوي اني؟"
ترجل من العربة ووقف امامي وقد تغيرت ملامح وجهه. زفر قائلا, "تعالي معاي وان شاء الله بنرد بعد شوي ما نطول."
تعجبت مخبرته, "اجي وين وياك؟"
"اشريلج فستان يديد."
"بس اني ماريد شي منك."
"رجاءا عشان اعوضج عن الي صار وعشان نلحك الاجتماع حكتج."
لم يكن لدي خيار اخر لذا طاوعته وتوجهت الى مكان الركوب بجانبه. صعد هو العربة وقد بان على وجهه الانزعاج كأنه كان مرغما على فعلا لا يريد تأديته لكن اردت فعلها فكان كل تفكيري متمركز حول توقيع ذاك العقد الذي لطالما انتظرته.
بينما كان يقود العربة وهو صامتا توجه بنا الى بناية كبيرة او ربما كانت اشبه بشركة, كان مكتوبا عليها بالخط العريض (Fashionesta) علمت حينها انني كنت استقل ذات العربة مع, فهد الترك!
يا الهي كيف لي ان اجهل شكله وهو موجودا على كل مجلة للازياء!
سألته بأرتباك, "انت فهد الترك؟"
أبتسم بغرور, "اي!" ناظرته وانا لا اعلم ما علي قوله, استرسل, "يلا خلينا ندش داخل عشان نشوف شي تلبسينة."
فهد كان اول عارض ازياء في ولاية كاليفورنيا ومدير شركة (Fashionesta) المشهورة في جميع انحاء الولايات المتحدة الامريكية. عندما كنت ارى صوره في احدى المجلات كان يشدني سمار وجهه, شعره الداكن, كتفه العريض, ابتسامته الجميلة, نظرته الحادة في احيان كثيرة.
ذهبت معه وأنا ما زلت في حالة صدمة غير مصدقة ما يحدث حولي. توجهنا الى مكتبه وأتت السكرتيرة معنا, "اهلا استاذ فهد."
"هلا العنود, خليج مع ..." اشار بأًصعبه لي وهو يتحدث لها منتظر مني ان اخبره اسمي, لم انطق بكلمة بينما شعرت منذ تلك اللحظة كما لو ان لساني قد ربط ولا استطيع التحدث. قال وهو يناظرني, "امممم الحين انتي شسمج؟"
"ها! غلا اسمي غلا."
عقد حاجبيه ثم ناظر العنود بعدها, "خليج مع غلا وجهزي لها فستان."
"شحقة استاذ؟"
"سالفة طويلة الحين خليها معاج وتختار اهي الي تبي."
"اوكي استاذ تامر امر."
وجهت العنود الكلام لي, "ست غلا ممكن تيين معاي."
قمت من مكاني للتوجه معها واخبرته بنبرة غاضبة, "ادعي يوافقون يأجلون الموعد."
ناظرني وعقد حاجبيه من جديد قائلا, "ان شاء الله."
زفرت وذهبت مع العنود كي اختار فستانا. كانت تناظرني بنظرات غريبة وتنظر لفستاني الملطخ بالوحل.
وصلنا الى غرفة كبيرة ممتلئة بملابس نسائية فقط وقد بدت غالية الثمن جدا لدرجة ان مرتبي الشهري لا يكفي لشراء فستان واحد منهم. نظرت الى الملابس المختلفة حتى شعرت بدقات قلبي المتسارعة فكل فتاة تحلم بغرفة كهذه.
قالت العنود, "ست غلا اختاري الي تبينة عشان تفسخي ثيابج."
اخبرتها كأنني هبلاء, "اوكي!"
قالت لي بينما كنت انا مشغولة بالنظر الي تلك الثياب الرائعة, "صحيح شفيها ثيابج؟"
"من ورة مديرج التحفة."
ضحكت قائلة, "ايش يعني تحفة؟"
ناظرت الساعة وكانت قد مرت ستون دقيقة كاملة. "اكلج بسرعة خلي اشوف شي حتى ابدل واروح راح يروح علية الموعد."
ناظرتني متعجبة, "اوكي اختاري الي تبي ناطرتج انا في الخارج."
بينما كنت انظر وقعت عيني على تنورة تصل الى الركبة لونها أبيض مع سترتها البيضاء واخذت قميص لونه اسود, غيرت ثيابي وتركت شعري البني الغامق منسدلا على كتفي.
خرجت من الغرفة الكبيرة حيث كانت تنتظرني العنود, "وايد حلو."
"شكرا. يلا اروح اني."
"انطري شوي. الاستاذ فهد خبرني اني اطرشلج السايق عشان يوصلج."
"زين وينة السايق؟"
"موجود جدام الشركة."
توجهت بسرعة الى خارج الشركة حيث كان السائق ينتظرني. اخبرته العنوان وذهب بي الى مكان عملي حيث كنت اتمنى ان يخبرني ماجد بأشياء اود سماعها وليس ما يكسر خاطري بعد الذي حدث.
لا نعلم ماذا يخبئ القدر لنا لكن تلك الصدفة تغير مفاهيم الحياة وينقلب كل شيء ولا نعلم الى اي مسار تود اخذنا هذه الحياة وبسبب تراكم تلك المشاكل نهرب الى اي شيء فقط كي نخفف عنا ذاك الحزن وتلك التعاسة التي ارتبطت بنا.

رواية الفنجان المقلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن