الفصل الاول : اللقاء / "الجزء الاول"

3.7K 104 14
                                    

كانت في ذلك اليوم منهكة ومتعبة .. مكتئبة حد الموت ، كانت في انتظار نتائج الثانوية العامة ، خائفة من مرحلة تحديد مصيرها المستقبلي ، لذا فكانت مع اخواتها في الخارج يتناولن البوظة لعل بعض التوتر يذهب عنها ، كن يجلسن في حديقة دائرية ملتفة بالشوارع والسيارات ، كانت حديقة وسطية ، كن يتاقتلن على من تذهب فيهن لشراء بعض المكسرات واصرت هي على الذهاب .

"اريد الهروب ، اريد الذهاب الى اي مكان ، عوضا عن سماع هذا التانيب " كان يحدث نفسه امام والده وهو يانب به لسبب لا يعلمه حتى هو .. كان والده غاضبا في ذلك اليوم وهو كان يحاول تحسين مزاجه منذ الصباح ، ولكن يبدو بان العكس قد حصل ، اخد مفاتيح السيارة وهرول الى الباب بعد مقاطعة حديث والده ، لم يكن يريد لاعصابه ان تفلت في تلك اللحظة ، بدا يمشي بسيارته في الشوارع لا يعلم اين يذهب لا يريد ان يلتقي بايٍ من اصدقائه ، لم يكن يريد سماع اي سؤال او يتحمل اي مناقشة ، ظل فقط يجول بالشوارع ، اثناء تجوله وبسبب عدم انتباهه كاد ان يصطدم بسيارة قادمة عن يساره لذا ادار عجلة القيادة بشكل غريزي نحو اليمين مسرعا محاولا تفاديها ، ولكنه اثناء ادارته للسيارة بسرعة شعر وكان شيئا ما اصطدم بسيارته من الامام وعندما حاول النظر والتركيز لم يجد شيئا ليراه ولكنه سمع صوت شيئا ما يتدحرج فوق سقف سيارته ويسقط على الارض بشدة ، السيارة كانت مسرعة لم يستطع التوقف بسهولة ، لم يستطع التصرف , اوقف السيارة ونزل مسرعا ليتاكد ما الذي اصطدم به كان هناك خمسة امتار بينه وبين ذلك الجسم ، كان يشعر بان قلبه اصبح تحت قدميه بدا يقترب وهو يحاول اقناع نفسه بان الجسم عبارة عن شخص ، اقترب واقترب واقترب ، حركة السير متوقفة ، صمت في المكان ، بدات الناس تتجمع ، اصبح بينه وبين الجسم اقل من نصف متر الان ، سقط على ركبتيه ورفع راسها ، بهدوء ، وضع كفه على خدها وبدا يتلمسها ، يحاول ان يمسك بذراعها ليجس نبضها ، ولكنها بدات بالهمس ، بدات تهمس ، اقترب منها ، " انا اسفة ، انا حقا اسفة " قالت تلك العبارة بانين صوتها ، وثم فقدت الوعي ، نظر الى وجهها ما يقارب الدقيقة ، سمع باحد يصرخ باسم " امل ، امل " سحبوها من بين يديه وهم يصارخون باسمها ، وينادونها بان تستيقظ ، رفع راسه ونظر الى السماء ، كان الجو حارا وشعر ان الجو يكتم على انفاسه ، حاول ان يستعيد وعيه ، وذهب للفتاة محاولا اجراء بعض الاسعافات الاولية ، ولكن اخواتها لم يسمحن له بسهولة ، حاول اقناعهن حتى سمع صوت سيارة الاسعاف تدوي من بعيد ، حملوها في سيارة الاسعاف وحاول اللحاق بها ، الا ان الشرطة امسكت به واخذته الى مركز الشرطة بعد معرفتهم بانه هو الذي اصطدم بالفتاة .

وهو في مركز الشرطة لم يستطع التركيز على ما الذي يقوله او يساله الشرطي ، كان تركيزه في الفتاة ، " نعم .. انا فعلت الكثير الكثير من الاخطاء ولكن هذه فعلا الاكثر سوءا ، لماذا كانت تعتذر لي ، كيف كانت تعيش لتعتذر لي وحياتها تقارب ان تفارقها " يانب نفسه ، كلما يتذكر عباراتها الاخيرة يحتقر ، ويحتقر نفسه ، اراد التملص من التحقيق اراد ان يسرع اليها ليراها ، ليرى كيف اصبحت ، سمع بان والده اصبح بمركز الشرطة ، جلس ساعة اخرى في تلك الغرفة شبه المعتمة ينتظر بايلام نفسه اكثر ، دخل شرطي وقال : "افرج عنك لعدم شكوى اهل الضحية عليك ، عليك فقط دفع الكفالة " ، احتقر نفسه اكثر في تلك الحالة ، كيف يفرجون عنه وقد فعل اسوء خطا قد يرتكبه ، بعد عدة دقائق لانتهاء الاجراءات خرج مهرولا ، اصطدمت عيناه بوالده، كان يستشيط غضبا ، رفع يده ليضربه لكنه خرج مسرعا .

ركب اول سيارة اجرة توقفت ، اعطاه اسم المستشفى ، بعد ان علمه من مركز الشرطة ، كان على اعصابه ، دموعه في عينيه ، ربما هذه اول مرة يشعر بمثل هذا الشعور " لا تموتي ، ارجوك لا تموتي " شعر وكانه يعرف تلك الفتاة ، بل هو قلق من فقدانها .

استعلم عن مكان وجودها بالمستشفى وذهب مسرعا الى حيث هي ، وجد امراة خمسينية تنتحب ، علم بانها امها ، ووجد رجل ستيني ايضا يبكي بصمت ، وتعرف على اخواتها الاثنتين ، كن ينتحبن بصمت وكل واحدة تهدا بالاخرى ، ظل واقفا هناك ، لم يستطع التقرب منهم ابدا ، كان خائفا من الخبر الذي سوف يسمعه الان ، خائفا من ردة فعل اهلها عليه ، بقي في تلك الحالة ساعة اخرى ، حتى خرج الطبيب من غرفة العمليات ، رآه فاقترب ليسمع ، " اوقفنا نزيفها الداخلي ، وقمنا بوقف نزيفها في كتفها ، لديها بعض الرضوض في انحاء جسدها ، ولديها كسر من الدرجة الثانية في قدمها ، قمنا بتجبيره ، حالتها الان مستقرة ، ولكن من الممكن ان يستغرق استيقاظها بعضا من الوقت بسبب نزيفها الداخلي ، وعندما تستيقظ سنرى ان كان هناك اية اعراض اخرى " ، دموعه تتلالا ، بدات تسقط بصمت على خديه ، عاد الى الوراء بضع خطوات بصمت ، خرج الى باحة المستشفى وجلس على احد الكراسي هناك ، حاول ان يستعيد وعيه ، استعاده وبصعوبة ، كلما كان يتذكر كلمتها الاخيرة كان يشعر بالم في صدره وتانيب الضمير ، تلك الكلمة كانت كالسكاكين في صدره .

ظل هناك بضع ساعات ، نظر الى ساعته وكانت ستتجاوز العاشرة صباحا ، لمح والدي الفتاة ،كل واحد منهما يتكا على الاخر ، كان يفكر " هل اتقدم ، او لا اتقدم "عزم امره وتقدم منهما ، دموعه بدات تتلالا مرة اخرى ، لم يستطع التحكم في نفسه لاول مرة بعد زمن طويل ، بدا يتفوه بكلمات الاعتذار ، صوته كان به اشيجاً مؤلماً ،سمع بعض الكلمات التي آلمته من والدتها ، ولكنها هدات وازاحت نظرها عنه واستمرت في المشي .

دخل الى المستشفى وسال عن رقم غرفتها ، صعد اليها ، كانت في قسم العناية المركزة ،الزيارة او الدخول الى الغرفة كانا ممنوعان ، وجد اختيها لدى الباب ، تقدم منهن زاحفاً متوتراً ، خشي ان يسمع كلمات قد تؤلمه اكثر ، " انا استحق ذلك بل اكثر ايضاً " تقدم منهن ، شرح لهن من يكون ، راى بعض نظرات الاستغراب من احدى اختيها ، ولكن الاخرى بدات تتكلم بنبرة بها شيء من البرود " لا تقلق ، ستصبح بخير ، اتمنى انك بخير ايضا ، كي لا يضيع الم اختي الان هباءاً ، قدر الله وما شاء فعل " ، احس بانها متفهة قليلا لوضعه ولو انه يعلم بان مافي قلبها غير ذلك ،حاول ان يسال بضعة اسالة عن الفتاة ، لكن كن يجبنه باجوبة مختصرة جدا ، حتى كاد ان لا يستشف منها شيئا .

فوضى الفانيلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن