"الجزء الرابع"

336 18 5
                                    


"دانيال"

استطيع الشعور بامل وهي تحاول تغيير مزاجي ، ورغم محاولاتي الجاهدة لاتماشى مع جهودها ، الا انني فشلت في اقناعها انني اصبحت بخير وبدات اتقبل الامر ، والدليل هو جلوسي خلفها في السيارة وهي تقود مع ابتسامة عريضة تشق وجهها .
توقفت بنا في مكان شبه معتم تحفه بعض الاشجار الصغيرة ، وبالقرب من نهاية اافق رؤيتي رايت مقاعداً من الخشب تطل على الجهة المعاكسة لنا موجودة باماكن متفرقة ، وحين تمعنت بالمكان قليلاً شعرت بانني في احدى مناطق الريف من العصور الوسطى لصفاء المكان .
- ها قد وصلنا ، هيّا لنجلس هناك . "تكلمت امل بحماس"
مشينا حتى وصلنا الى المقاعدة الخشبية ، وما ان وصلنا اليها ورفعت نظري للاضواء التي عكس ضياءها على وجهي ، عيناي فتحت على اوسعهما حتى كادت ان تخرج من بين شفتيّ شهقة لتنم عن اكتمال دهشتي ، كان المكان في غاية الروعة ، والمقاعد تبدو وكانها على حافة الهاوية مع هذا المنظر الليلي الجميل .
- وااااااو ، امل ؟ من اين لكِ بمثل هذا المكان ؟ ."عبّر يوسف بتساؤل"
- رائع ، اليس كذلك ؟ ."سالته امل مداعبة"
- بل مدهش ، هذه اول مرة اعلم بان هنالك اماكن كهذه هنا . "اجابها يوسف بحماس"
- في  الواقع ، كان هذا المكان المفضل لي منذ ان استعدت ذاكرتي ، وقد اكتشفته بالصدفة البحتة ، حيث كنا نتجول انا و وليد في احدى الليالي واكتشفناه ، و اضفته الى خريطتي ، ما رايك دانيال ؟
- هااا ؟ "اجبتها بعد ان استيقظت من شرودي "
- اقصد المكان .. ما رايك به ؟
- انه خلّاب .. اعني انه مريح جداً .
- اعلم اعلم ، هذا شعوري .. اعتقد انه شعور لا يوصف ، اليس كذلك ؟
- ممممم ."اجبتها وانا اتمعن اضواء المدينة البعيدة"
- اوه ، لقد نسينا شراء المشروبات والتسالي ، انتظروا هنا ، سأذهب لشرائهم بسرعة ."نهضت امل مسرعة"
- انتظري ."اوقفناها انا ويوسف في الوقت ذاته "
- ساذهب انا ، لا باس ."اكملت دون ان انظر الى يوسف"
-بل اجلس انت ، وساذهب انا ، اعطني مفاتيح السيارة امل ."اجاب يوسف معارضاً"
- ولكنك لن تعرف طريق العودة الى هنا ، ثم لا باس لدي .
- لا بل اجلسي انتِ هنا وساذهب انا ، كيف من الممكن ان ارسلك وحدك الى محل البقالة ؟


استسلمت امل له ، واعطته مفاتيح السيارة لينطلق الى محل البقالة ، اما انا فجلست امل بالقرب مني على نفس المقعد الطويل بعد تردد ، وما ان لبثت بالجلوس حتى بدات بفتح عدة مواضيع معي وانا لا انطق الا بالكلمات الخفيفة ، حتى سالتني بشكل مباغت .
-اذاً ، كيف اصبحتَ الان بعد انكشاف الحقيقة كاملة ؟ 
- همم ؟ 
- اقصد يعني ما الذي تريد فعله الان ، في الواقع اخبرني يوسف بالامر .
- اوه نعم ، لا اعلم بالفعل ، بدات اتقبل الامر فقط ، ولكن لقد مضت مدة بالفعل منذ ان رايت امي اخر مرة ، لذا لا اعلم .
- وكيف لا تعلم ؟ بل انت تعلم كثيراً عن ماهية الشعور الذي تشعر به ، الا انك ما زلت في حالة النكران ، الا تعلم مراحل الصدمة ؟
- مراحل الصدمة ؟
- بالطبع ، انت مررت بالصدمة وانت ما زلت في المرحلة الاولى الا وهي نكران ، والثانية هي الغضب ثم تليها الثالثة وهي الحزن حتى تتقبل الامر وتصل الى المرحلة الرابعة الا وهي التصديق ، لذا اريد منك ان تمر بهذه المراحل سريعاً ، لا اريد ان يضيع الوقت من بين يديك اكثر من الذي ضاع بالفعل ، لذا ما الذي تريدني ان افعله انا و يوسف لك ؟

سؤالها اتى اليّ في الصميم ، حيث اشعر بانني في امسِّ الحاجة لها هي بالذات ، رؤيتها وهي تحاول اشراق مزاجي المظلم تبث في الامل ، لا انكر ذلك ، ولكن وقوفها بجانبي وحاجتي لها على نحو شخصي لهو امرٌ اخر بالفعل ، وانا فعلا اشعر بشيء كبير يكتم صدري جاعلاً مني انساناً واهناً منكسراً لا يقوى على شيء .
اجبتها بعد صمت قد دام طويلاً .
- احتاجك انتِ فقط !
رايت عينيها تتوسعان وفمها الذي ما ان كاد يفتح حتى طبقته مجبرة ، فاستيقظت من تفكيري و تذكرت الذي قلته بشكل مباغت دون اذنٍ مني .
- اوه انا اعتذر ، لم اقصد ذلك ، لقد خرج  الكلام مني عنوة ، ارجو ان تعذريني وتنسي ما حدث ."حدّثتها بتوتر"
شعرت بملامحها تهدأ رويداً رويدا ، حتى ظهرت ابتسامة خفيفة على محياها وما هي الا ثوان حتى انفجرت بالضحك ، حتى ادمعت عينيها .
- هههههه ، لقد اضحكتني بالفعل ، لمَ تعتذر عن شيء قد قلته بالفعل ؟
- اوه ، لا اعلم .
عادت الى الضحك ثانية ، حتى مرت بضع ثوان وبدات ملامحها الجدية تعود الى وجهها ، ثم ادارت راسها نحوي .
- انا بالفعل سأبقى بجانبك ، لا تقلق ، اعلم شعور الضياع اكثر من اي شخص ، لذا ساقف بجانبك واوجهك حتى تجد وجهتك من جديد ، ما رايك ؟ "سالتني بسكينة "
- هممم ."اجبتها موافقاً"


"يوسف"

ما ان انتهيت من محل البقالة ، عدت مسرعاً الى المكان الذي جلسنا فيه وركنت السيارة على حافة الطريق وترجلت منها ، وما ان اقتربت من المقعد الذي يجلس عليه دانيال وامل ، سمعتهما يتحاوران ، فامتنعت عن اصدار الازعاج و وقفت مستمعاً ، كانت تساله عن الذي يريد فعله مع والدته اروى بعد ان اكتشف الحقيقة ، حتى وصلت الى مسامعي جملته وهو يحدثها " احتاجك انتِ فقط" ، شعرت باقدامي تفقد توازنها ، ويديّ بداتا تتعرقان ، لا اعلم لمَ شعرت بالقلق وقتها وحتى بالندم ، ولكنني انتظرت ردة فعل امل ، الذي فاجاني بانها ضحكت وبشدة ، ولكن هيأتها الجدية وكلامها المطمئن الذي ظهر بعد ضحكها الطويل ، اصابني بالقشعريرة ، حيث تمنيت لو انها تحدثني بتلك الطريقة لو لمرة واحدة .
لا اعلم لمَ ما زلت واقفاً في مكاني دون ان اتقدم نحوهما ، تلك اول مرة اشعر بانني متطفل عليهما ، رغم انها زوجتي حتى وان كان ذلك بالاكراه ، الا ان الحزن التف بقلبي وعصره حتى دمعت عيناي والندم يتسرب الى قلبي كالماء المنسكب .
اعدت رباطة جأشي وتمسكت بها ، وتقدمت نحوهما دون ان اظهر اي شيء على ملامحي التي اخفيت وراءها المي .
- ها قد وصلت ."هتفتُ بحماس"
- لقد تاخرت ، ما الذي ابتعته لتستغرق كل هذا الوقت ؟ "سالتني امل"
- ممم لقد استغرقت وقتاً في البحث عن بقالة ، لكن لا يهم ، لنتناول البوظة قبل ان تذوب ، احضرتها حتى تنعشنا في هذا الجو الحار .
- حسناً فعلت . "تحدثت امل مبستمة"

تناولنا البوظة واضواء المدينة التي امامنا اخذت كل واحدٍ منا و وضعته في محطة احلامه الخاصة ، حتى ساد صمت قاتل ،  فقطعته موجهاً حديثي الى دانيال .
- ما رايك ان نسافر في اقرب طائرة الى كندا ونرى والدتك ؟ لقد ضاع الكثير بالفعل .
- في الحقيقة لا اعلم ، اظنني لست مستعداً بعد ."اجاب بتردد"
- ما الذي تقوله يا رجل ، وما الامر الذي تحتاج لان تستعد لاجله ؟ انها والدتك ، سنذهب في اقرب طائرة ، لقد قررت بالفعل .
- لكنني ...
- دون لكن دانيال ، انا مع يوسف ، عليكما ان تذهبا وتنظرا الى الحقيقة التي بحوزة والدتك ، انها بالفعل حزينة ، الا تعلم ما هو شعورها حيث انها لم ترك منذ زمن بعيد ."قاطعته امل معترضة"
- وانتِ ستبقين لوحدك ؟ "سالتها قلقاً"
- بالطبع لا ، ساجلس في منزل والديّ اثناء غيابك ، لن ابقَ بالمنزل وحيدة ، لا تقلق .
- وما رايك في القدوم معنا ؟ "سالها دانيال"

رايت نظرات الترجي في عينيّ دانيال ، شعرت بالغيرة للحظات وانا اتذكر كلامه منذ دقائق مرت ، ولكنني تمسكت باعصابي وحاولت تشجيع قراره ، الا انني اصبحت معارضاً للفكرة حيث اقترحها هو .
- اوه بالفعل ، لتاتي معنا ، تغيير اجواء ."وانا اصرّ على اسناني"
- لا ، لا باس ، ساغير اجوائي بين اجنحة المرضى ، هذا افضل لقلبي ، ولكن حاولا ان تدبرا اجازة بكل ما اوتيتما من قوة ، حيث ربما تواجهان صعوبة في الامر بسبب نقص الاطباء في الآونة الاخيرة .

ارتحت بالفعل لمعارضتها الحاسمة على الفكرة ، اعلم بانني اتجاوز حدودي اتجاه دانيال ، الا انني بالفعل لا استطيع التنازل عن امل ، الا هي انا ارجوه .


"امل"

بعد تعديل جداول الاطباء وحجز تذكرتا الطائرة ، ودعت يوسف ودانيال بعد ايصالهما الى المطار .
- هيّا يوسف ، توجه الى مكتب الجوازات حتى لا تتاخرا ، وخذ لوزام الحيطة نحو دانيال ولا تتركه لوحده .
- لستُ صغيراً بالفعل امل ، استطيع الاهتمام بشؤوني لا تقلقي ."اجابني بغيظ"
- نعم نعم سيد كبير ، اذاً لتذهبا الان ، هيّا هيّا ، رافقتكما السلامة .
لوحت لهما بيديّ وهما يتجهان خلف الحواجز الى مكتب الجوازات وانا ما زلت اراقبهما ، حتى لمحت يوسف يحدث دانيال ثم يتجه اليَّ مسرعاً ، وما شعرت حتى شدّني الى حضنه بقوة .
- لم اودعك جيداً ، اشعر بانني ساشتاق لك خلال مدة غيابي ."حدثني وانا ما زلت في حضنه"
شعرت بتوتر بالغ ، وما زاد توتري وجود الناس من حولنا ، ولكن ما هي الا لحظات حتى شعرت بشهقاته تخرج وتهز جسمه الذي ما زال يحضنني ، لم اقوَ على ارساله حزيناً ، وما ان همّ بان يبتعد عني حتى مددت يديّ الى ظهره اربت عليه ، فاستقر دقائق اخرى وهو يبكي .
- لا تقلق ، ساكون بخير ، وستكون انت بافضل حال ، والامور ستحل ان شاء الله ، وما هي الا ايام وتعود وتملّ من رؤيتي الدائمة ، حسناً ؟
- امل انا اسف ، ولكنني احبك بالفعل .

ما ان تفوه بجملته الاخيرة ، حتى طار بعيداً عني ، وتركني في دوامة مشاعري وافكاري ، تلك اول مرة احس بها بصدقه اتجاهي ، والذي زاد استغرابي هو بانني بدات بالبكاء لرحيله انا ايضاً .


_____________________________


توقعاتكم : امل حتكون مع يوسف ولا دانيال بالنهاية ؟ وانتوا مين بدكم اكتر ؟
عن نفسي لهلا عم بخطط بنهاية مناسبة بس لسا ما طلع معي شي ... فشو رايكم ؟



فوضى الفانيلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن