"الجزء السادس"

313 13 3
                                    


اطالت امل بالاستحمام حتى ظننت بانها اخذت قيلولة في الداخل ، فجلست اعبث بهاتفي المحمول تارة وانظر الى الباب التي تختفي وراءه امل تارة اخرى ، بعد انقضاء الساعة الا ربعاً منها خرجت امل .
- حمام الهناء .
- اوه ما زلت هنا ؟ شكراً لك .
- هل ترغبين بالخروج لمكان ما الان ؟
- ممممم الى اين ؟ 
- لا اعلم ، حالما نخرج سنفكر بالامر .
- لا بأس لدي ، لكن دعنا لا نتاخر ، حيث ان لدي مناوبة في صباح الغد .
- بالطبع .

انتظرتها في الخارج حتى تنتهي من الاستعداد للخروج ، كانت الخالة اروى قد وصلت في تلك الاثناء وجلسنا نحن الثلاثة ، دانيال وخالتي اروى وانا ، في غرفة المعيشة ندردش بمختلف الامور .
- لقد انتهيت ."خرجت امل وهي تضبط من وضعية حقيبتها"
- اذاً لنذهب .
- هل تحتاجان الى شيئاً بالخارج ؟ . "سالت امل"
- لا نحتاج سوى عودتكما بالسلامة عزيزتي ، رافقتكما السلامة .

واتجهنا انا وامل الى السيارة نتحاور عن المكان الجيد للجلوس في مثل هذا الوقت  ، قررنا بعد جدال طويل الذهاب الى مكان امل المفضل ، تلك التلة المطلة على المدينة باكملها .
وصلنا وجهتنا بأمان بعد توقُفِنا لاحضار بعض الاطعمة الخفيفة ، حقيقة بأن الموضوع غريب لديّ حيث ان امل لم تعارض الخروج ، ولكنني اظنها بحاجة الى الحديث معي لاجل امر ربما اجهله .
- لا استطيع ايجاد افضل من هذا المكان . " زفرت امل براحة"
- نعم بالطبع ، انه لاشبه بالفردوس في هذا الوقت من اليوم .
- بالفعل !

ساد الصمت بيننا لعدة دقائق ، اسرق بعض النظرات لامل التي ما تزال تمعن النظر وكأنها المرة الاولى لها في هذا المكان .


"امل"

حينما عرض عليّ يوسف امر الخروج لم استطع رفضه ، او بالاحرى لم ارد ، حيث انني بحاجة للتحدث اليه حول امور شتّى ولكن لا نستطيع ان ننفرد في المنزل ، لذا كانت تلك افضل فرصة .
اردت ان احدثه بقراري بأمر الزواج والبدء من جديد ، في هذه الفترة وحتى خلال فترة زواجنا بأكملها ، توضّحت لي مشاعري ورغباتي .
- يوسف ؟
- هم ؟
- لمَ تحبني ؟ او ما الذي امثله في حياتك ؟
رايت ملامحه تنقبض لتدل على مفاجأته التامة بسؤالي المباغت .
- سؤالك فاجأني قليلاً ... ولكن ... مممم ، انتِ كالفانيليا ، ربما ؟
- الفانيليا ؟ . "سالته بتعجب"
- نعم ، انتِ بالفعل كالفانيليا في حياتي ، التي تعبث رائحتها في نفوس من يشتمّها ويدمنها ، حتى تشعر تلك النفوس برغبة قاتلة في تذوقها لتجيب عن تساؤلها " هل طعمها زكيّ كرائحتها الطيبة ؟" وما ان تتذوقها النفس حتى تدرك بأن طعمها مرّ وغير مستساغ ، ولكن رغم طعمها غير الشهي الا ان النفس تبقى مدمنة عليها ولا تستطيع الاستغناء عنها حيث انها تزيل كل ما هو طعمه غير مستساغ او ذو رائحة كريهة ، لتنعم بعدها بألذ ما يمكن ان تتذوقه .

تصنمت للحظات لدى سماعي لكلامه الموجه لي مباشرة في عينيّ ، انقبض قلبي لكلامه ونبرته العطوفة ، لم اتخيل بأنني املك هذا القدر من التاثير على يوسف ليعطني تشبيهاً مثل الذي شبهني به .
- امل ؟ ."سحبني من شرودي"
- اوه ، سرحت لثوانً .
- هل اضقتُ بقلبك ضجراً من حديثي ؟
- لا ابداً ، كلُّ مافي الامر هو بأنني لم اتخيل بأنني املك هذا التاثير الكبير على نفسك ، لدرجة تشبيهي بالفانيليا .
- اصبت اوتار قلبك ، اليس كذلك ؟ انني رومانسيّ لو تعلمين . "سأل بمرح"
- ولكن ما قصة المرارة ؟ هل انا اضيف لحياتك طعم المرارة ؟ ."سالت مغيظة اياه"
- لا ابداً ، ولكنني بالفعل عانيت للحصول عليكِ وكنتُ على شفا تدمير دانيال .
- هل كنت ستدمره فعلاً ؟
- لا اظن ذلك ، رغم قوة ما كنت ما اشعر به نحوك في تلك الاوقات ، ورغم غضبي اتجاهه ، الا انني لا اظن بأنني كنت سأكون قادر على فعل ذلك به .
- ولكن كيف علمت بشأن تلك الحادثة ، وكيف استطعت تزويرها ؟
- رغم فراقنا لسنوات عدة ، الا انني بمجرد معرفتي لمكانه استمررت بمراقبته ، كنت فضولياً نحو ما يفعله وكيف يعيش بعد تلك الحادثة ، لم يكن افضل مني حالاً على الرغم من ذلك ! .
- انت تحبه بالفعل ، اتعلم ؟ انتم تشعروني بالحنين لاخوتي بمجرد رؤيتكم ، وتجعلونني اصدق بأن هذا العالم لا زال يحمل ارق المشاعر والطف العلاقات في طياته التي دفنتها المظاهر والجشع .
- حقاً ؟ رغم انني اظن ان علاقتنا سطحية للغاية .
- لا ابداً ، انتما حنونان جداً اتجاه بعضكما .
- ممممم!

عاد الصمت الى مكانه بيننا ولكنه لم يستغرق سوى عدة دقائق ، ليباغتني يوسف بسؤاله .
- الن تجيبني ؟ اقصد بشأن البدء من جديد ، لقد اخبرتك ما الذي تعنيه انتِ في حياتي .
- اتعلم بأنني احببتك منذ اول لقاء لنا ؟ ."اخبرته بشكل مباشر"
- ها ؟
- نعم ، حينما قدمت الى المشفى وقمت بزيارتي ، وجلسنا طويلاً في البهو الخارجي للمشفى وتحدثنا عن مختلف الامور ، بعد ذلك اليوم اظنني وقعت بحبك ، ولكن غيابك لفترة طويلة هو الذي افسد الامر .
- ما الذي تقولينه ؟ اتعنين فعلاً ما تقولينه ؟
- بالطبع ! ، ولكن عند عودتك بعد غياب طويل ومعاملتك السيئة لي في ذلك الوقت جعلانني اخفي مشاعري حتى كدت ان انساها .
- هل بدات بالاعجاب بدانيال وقتها ؟
- استطيع قول الحقيقة ، صحيح ؟ حيث اننا نعترف لبعضنا الان .
- ما اريده هو الحقيقة فقط .
- حسنٌ ، في الواقع ، لقد اعجبت به ، انه من الاشخاص نادري الوجود ، وكان يقف بجانبي في كثير من الاحيان ، وساعدني في دراستي في اغلب الاوقات ، واثناء عملي معه لم اشعر بالخوف او القلق ، خبرته وعلمه كانا يكفيان لجعلي اقف مطمئنة تحت ظلالهما ، وبعدها ظهرت انت ، وافسدت الامور مرة اخرى .
- هل كنتِ تتمنين البقاء معه ، وعدم ظهوري مرة اخرى ؟ ."سال بعبوس"
- لا ، لا اظن ذلك ، ان دانيال كان وما زال وسيبقى صديقاً ، بل اخاً ، كان يتحمل شكواي واخطائي ويحاول ان يقف بجانبي ويضعني على الوجهة الصحيحة مرة اخرى ، كما كان سيفعل معي اخوتي ذلك ، لذا مشاعري اتجاهه انتهت الى حد الاعجاب فقط .
- آآه . "تنهد براحة"
- ماذا ؟
- ظننت بأنكِ ما زلتِ تملكين مشاعراً اتجاهه ؟
- اخبرتك بالفعل ، احببتك انت اولاً ومنذ زمن بعيد .

نظراته لي بعد ان اخبرته بجملتي الاخيرة ، جعلتني اشعر بالحرج من نفسي ، وشعرت بالحرارة ترتفع في جسدي لتستقر في وجنتاي ، لمحت في عيونه بريقاً ، وازداد البريق حتى اسفر دموعاً تنساب على خديه اللذين يظهرا ابتسامة طفيفة .
- لماذا تبكي ؟
- انني فرح ، بل سعيد .
- لانني اخبرتك بالحقيقة ؟
- ربما ، ولكن لانك بجانبي ، لا تعلمين كيف كانت حياتي قبل ان القاكِ .
- الماضي هو الماضي ، ولقد تم اتفاقنا على البدء من جديد بالفعل .

"يوسف"

اثناء حديثها لم استطع استيعاب الامر في بادئه ، كيف لي ان اعتقد بأنها كانت تحبني طيلة تلك الفترة ؟ ، انه الافضل من افضل ما سمعته في حياتي كلها ، امل هي منقذتي ، التي انتشلتني من على حافة العالم المظلم ، واخذتني لارى بان هذا العالم يحمل بين طياته ضياءً يبدد ذلك الظلام بمجرد ان نحاول اكتشافه فقط .
ساد الصمت بيننا لفترة ، قلبي ما زال يتراقص على نغمات اعترافاتها لي ، ولكنني فجأة تذكرت اول لقاء لنا .
- اتذكرين اول لقاء لنا ؟
- نعم ، انه بالمشفى .
- لا اقصد ما قبل المشفى ، عندما صدمتك بالسيارة .
- لا اعلم ان كنت اتذكر الامر كما هو بالفعل ، ولكن لمَ تلك الذكرى فجاة ؟
- اريد ان اعلم ، عندما اقتربت منكِ بعد ان اصطدمت بكِ ، كنت تعتذرين رغم انك شبه فاقدة للوعي ، لماذا كنتِ تعتذرين ؟
- ممممم ، دعني اتذكر ... لا اعلم .
- لا تتذكرين ما الذي حصل معكِ قبل الحادثة لتعتذري بشأنه ؟
- في الواقع ، قبل الحادث باسبوع ، كانت صديقتي قد توفيت ، و وفاتها كانت على مرأى عينيّ ، كانت تعاني من مرض عضال ، وحاربت المرض سنوات عدة ، هي تكبرني بعام ، ولكننا في نفس المرحلة الدراسية بسبب تاخرها بالمرض ، قاتلت المرض بشدة وكانت عازمة الارادة على نيل شهادة الثانوية العامة ، ولكنها توفت قبل ان تعلم حتى بنتيجتها رغم اجتهادها ، وشعرت بالذنب يقتلني وقتها لانني قطعت لها وعداً بأننا سنحتفل معاً بتخرجنا ، وانا لم استطع ان افي لها بوعدي ، لذا اعتقد بأنني كنت اعتذر بسبب هذا الامر .

كانت امل تتحدث بتردد وخفة ، بسؤالي ذلك اخذتها الى بحر ذكرياتها الاليم ، ندمت للحظات ، ولكن بمجرد رؤيتي لدموعها التي بدات تنهمر ، لم اقوَ على النظر اليها ، وقربتها الى كتفي اربت على رأسها ، لتنفجر باكية .
-

فوضى الفانيلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن