العودة

35K 713 279
                                    

أرادَتْ أن تَنْتَقِمْ، فاكتشفت انها ضحية انتقام

الجمعة ٤ تموز ٢٠١٤ ، بتخنيه

كان البيت يستعد لاستقبال خادمة جديدة، ورغم كثرة الخدام في هذا المنزل الثري، فما من خادمة تشبهها. وبالطبع ليس هنالك من خادمة اختبرت ما اختبرته منال من ماضٍ غير ملامحها وكيانها وزرع ذرّات من الحقد تنمو وتترعرع في قلبها يوم بعد يوم.

نعم، هي ليست مختلفة عن باقي الخادمات في هذا المنزل فقط، بل هي أغرب النساء وأكثرهن غموضاً. فهي وحدها تعرف ما جاء بها الى هذا المنزل وما تخبئه في جيبة مريولها من مفاجآت وأسرار

تقدمت منال وأحست بأن قلبها بدأ يحرقها.. نفس الاحساس التي كانت تحس به في الماضي. ذلك الماضي الذي أبى أن يتركها وشأنها بل بقي رفيق دربها وترّبع في حاضرها. .

بدأت تتنفس بقوة وكأنّها تطلق أنفاسها الأخيرة مع كل خطوة تخطيها منال نحو القصر..

دخلت منال مدخل المنزل المكون من أربع طوابق وحدائق تنعش الأرواح وتفرح القلب. قصر ضخم تحلم العيش به كل نفس. 

وقفت قليلاً حيث خطف أنظارها صبية تسقي الأزهار في الحديقة الأمامية القريبة من مدخل القصر.

-٢٠٠١-

"ليال لا تبكي ارجوكي." قالت فاطمة بصوت مخنوق لتخفي دموعها التي كادت ان تنهمر من عينيها.
"كيف لي ان لا ابكي؟ الخالة منى أقنعت أبي أن أترك المدرسة. تريدني ان أبقى في المنزل كي أنفذ طلباتها واعتني بابنها عماد." ردت ليال وهي تمسح دموعها عن خدّيها.
"اهدأي قليلاً."
"كيف لي ان لا ابكي وانا أعيش الخوف والظلم معهما منذ خمس سنوات. أين أنت يا أمي؟ لماذا تركتيني؟"

أعطتها فاطمة وردة حمراء من الحديقة وعانقتها بشدة. لعلها يمكن ان تخفف من آلامها.

ففاطمة وليال كلاهما يبلغان العشر سنوات وهما صديقتان منذ الطفولة. وهذا ما كان يقلق منى خانم.
ففاطمة ابنة نوران الخادمة في القصر. وكانت فاطمة تساعد ليال دائماً

فهي كانت الأخت الحنونة، الصديقة الوفية التي تأتي اليها كلما ضاقت بها الدنيا... وكانت دائما تضيق بها الدنيا وتشبعها آلاما وتغذيها بالمآسي.. .

-٢٠١٤-

"عفواً، كيف يمكنني مساعدتك؟" اقتربت فاطمة من منال.
"أنا... أنا منال، الخادمة الجديدة هنا. طُلب منّي ان آتي اليوم كي أبدأ العمل."
"آه نعم. قالت لي أمي، نوران، هي المسؤولة عن الخدم واليد اليمنى لمنى خانم." قالت فاطمة حيث مدّت يدها لمصافحة منال، "أنا فاطمة، تفضّلي."

دخلت فاطمة القصر تليها منال. بركان من الذكريات الأليمة انفجر داخل منال. احمر وجهها، اقشعر بدنها، أرادت أن تبكي وتصرخ كي تخرج الجروح من داخلها، لكنها لم تفعل بل نظرت  الى جميع دوائر القصر. نعم انّه قصر سالم بيك.
نظرت الى الجدران، الى الأبواب، الصالونات الجميلة الخلابة، الى التحف الذهبية. نظرت الى الصور المعلّقة على الجدران التي تعكس سعادة وسرور عائلة ثريّة وهي عائلة سالم بيك.

لم تتمكن من ان تغض نظرها على زوايا المنزل. كل زاوية فيه عبارة عن الماضي

كل صخرة فيه تذكرها بالصخور الثقيلة التي تحملها من الماضي

فهي اعتادت عليها, بل أصبح ماضيها سلاحا بين يديها، سلاحا يفتك بها ويغرس جذوره داخلها، وسلاحا تقاتل به وتدمر الماضي الذي اعتاد على تدميرها

"منى خانم فوق، لنراها قبل." قالت فاطمة.

اشتعلت عينا منال فور سماع فاطمة،

"حسنا.." أجابتها وهي تنظر الى كل زاوية في القصر.   . .

أهي نظرة حسرة أم حقد؟
أهي نظرة اشتياق أم حيرة وقلق؟
أهي نظرة حزن على ماضٍ أليم أم هي نظرة السعي وراء الانتقام؟

فهي لم تنسى شيئاً... لقد عقدت هدنة مع الذاكرة ليس أكثر!


 

حفنات من الإنتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن