بين الماضي والحاضر

13K 409 186
                                    


كانون الثاني ١٩٩٩- الساعة ٣:٢٠ صباحا، بتخنيه

عصفت أيدي الشتاء في تلك الليلة المظلمة حيث أحست ليال بأنفاس المطر تطرق نافذة غرفتها. إلّا أن الضجيج في المنزل كان أقوى من صوت الرعد والمطر.
فنهظت من فراشها وفتحت باب غرفتها.

"خالة نوران، ما بكم في مثل هذا الوقت؟" قالت ليال وهي تفرك عينيها.

كانت الخالة نوران مرتبكة والحزن طاغٍ على أنفاسها.

"لا يوجد شيئاً حبيبتي. اذهبي إلى الفراش فوراً ولا تدعِ سالم بيك يراك في مثل هذا الوقت."

دخلت ليال غرفتها وظلت واقفة جنب الباب تسمع الضجيج. وبعد لحظات قررت أن تذهب لرؤية والدتها.
لوالدتها أسمى خانم حامل بشهرها التاسع وكانت حالتها سيئة في الأيام الأخيرة.

غرفة سالم بيك وأسمى خانم كانت في الطابق السفلي من القصر. لذا نزلت ليال وما ان وصلت قرب الصالونات حتى رأت والدها سالم بيك جالساً على احدى الكنبات الخمرية. بدأت شعيرات الخوف تسير في جسدها. هل من احد يخاف من والده الى هذه الدرجة. طبعاً لا ولكن يوجد سالم بيك واحد في هذه الدنيا الظالمة.

"ليال ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟" وقف سالم بيك معقد الحاجبين غاضباً.
"أردت أن أرى أمّي، سامحني." بدأ صوت ليال ينخفض تدريجياً.
"نوران... نوران..." بدأ سالم بيك بالصراخ وسرعان ما أتت الخالة نوران حيث قال لها: "خذي ليال الى غرفتها ولا تدعيها تخرج منها."
"حاضر يا بيك."

بالطبع، لا احد يجرأ ان يرفض أوامر سالم بيك.
أخذت نوران ليال الى غرفتها وبدأت تمسح دموعها الباردة والبريئة. فما ذنب هذه الطفلة أن يكون سالم بيك والدها؟

وعند الصباح استيقظت ليال على خبر صادم ومؤلم. فقد عرفت أن والدتها أسمى خانم توفيت بالليلة الماضية وهي تلد. كما مات الطفل المولود وكان صبياً.

"لاااااااء....اميييي." هذا ما تمكنت ليال ان تقوله بصوت خطفه الحزن والغصة على فراق أغلى الناس على قلبها.
هذا فقط ما تمكنت ان تقوله ليال، هذه الفتاة التي تبلغ من العمر ثماني سنوات فقط.
نعم انه خبر مؤلم. فقد خسرت الحنان، المحبة، الرعاية، والآمال...

ركضت ليال في المنزل تبحث عن والدتها كي تراها لآخر مرة وتودعها. أرادت ان ترى أخاها لأول وآخر مرة.
لكن أين هما؟؟؟
لم تجدهما...
فقالت لها الخالة نوران ان تم دفنهم باكرا عند الصباح لأنهم لم يستطيعوا تأجيل الدفن.
نعم! لقد خسرت حلاوة الماضي ولم يبقى لها سوى الذكريات...

-٢٠١٤-

"منى خانم في غرفة الجلوس." قالت فاطمة وهما يصعد ان على الدرج.
غرفة الجلوس كانت في الطابق الثاني.

نظرت ليال الى الصور المعلقة على الجدران.
عائلة سعيدة. على الأقل تعكس هذه الصور ما هو خارجيا امام الناس.
وما يوجد في الداخل من وحشية وظلم ما زال مستورا.
فهذا ما جاء بمنازل الى القصر... كي تكشف المستور!

"منى خانم مزاجية وعصبية جدا. نفذ طلباتها وكوني مطيعة. هي تدقق كثيراً. لا عليك أنا سأعلمك كل شئ." قالت فاطمة.
"حسناً. شكراً." أجابت منال.
آه يا فاطمة! الم تعرفيني؟؟ كم أنا بحاجة إليك. كم أنا بحاجة الى ان نتحدث سويا كما كان منذ سبع سنوات...
لقد اشتقت لك يا صديقتي... يا أختي...
أرادت منال ان تعانق فاطمة بشدة وتخبرها كل ما في قلبها. لكن هذا ليس الوقت المناسب.
بشرارات الحقد تشتعل في داخلها ولن تنطفئ الا بالانتقام. نعم هذا هو الانتقام. الانتقام بدون رحمة.
فيكف يكون للرحمة عنوان في حياة كان يسودها الظلم والعدوانية والوحشية؟
كيف يكون للرحمة عنوان في حياة غنية بالمآسي تشبع الشخص وجعا؟
كيف يكون للرحمة عنوان في حياة يعجز فيها الضعيف عن نصر نفسه؟؟

"منى خانم، هذه هي منال. وصلت الآن." طرقت فاطمة على الباب.
انها سيدة جميلة جدا. طويلة القامة، سمراء وبالأكادية يمكنك ان ترى تجعيدة على وجهها الناعم.
كانت جالسة على النكبة تقرأ الجريدة وتشرب قهوتها كعادتها عند الصباح.

"اهلًا بك منال." نظرت منى الى منال وابتسمت.

آه ابتسمت لها. منى خانم بقدرتها وقيمتها ابتسمت.
هل الزمان يغير النفوس ام ماذا؟
هي الآن منال، اسم جديد وشكل جديد، وليست ليال. لذا بالطبع تبتسم لها...

ابتسمت لها منال وفي داخلها بركان كاد ان ينفجر.
اريد ان أقتلها. اريد ان اخنقها... هذا ما كان يجول في فكر منال. لكن هل بهذه البساطة؟
بالطبع لا!
الانتقام جميل عندما يمتد ويتوسع...

"فاطمة دعِ والدتك تعلّم منال كل شئ." قالت منى لفاطمة.
"أمرك يا خانم." أجابت فاطمة، "منال الحقي بي، أمي في المطبخ."

_______________________________________________________
~ اترك التعليق لكم  ~

حفنات من الإنتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن