اسدلت الشمس ستارها لتذهب بعيدا عن عيون الناس و يتربع ذاك الساحر الجميل على عرش السماء برماديته الجميلة وحوله حسناواته الصفراوات ...
و في ذلك الطريق تمشى مراهق في الخامسة عشرة من عمره .. بقامته المتوسطة التي تناسبت مع اقرانه .. جسده الهزيل .. شعره الاسود الكثيف .. عيناها الناعستان الصفراوتان كصفرة الشمس .. و بشرته المسمره ..
تمشى بخطا بطيئة حزينة فقد سأم هذه الحياة و سأم هذه العائلة التي لا تكف عن سكب نيران الالم عليه منذ كان طفلا .. و بعيدا عن كل هذا قلبه الذي ما زال يصارع الشوق و الحرمان من محبوبته التي لم تعد منذ ذهبت ..
هو يعرف اخبارها من احاديث الناس عن تلك الراقصة الجميلة التي سحرت عيون الناس برقصها و مهارتها .. نسى الناس زمرد و استبدلوها بذكر رباب ..
كم اشتاق لها .. كم اشتاق لمغامراتهما .. كم اشتاق لتلك الشجاعة التي كانت تبثها في قلبه الذي عاد جبانا خائفا من بعدها ...
اقترب من منزلهم الصغير ذو الجدران الخشبية و على مسافة قريبة منه بستانهم الذي يعتني به اخوته الكبار و بالقرب من البستان ذاك الاسطبل الذي تعود ان ينام فيه بعد ان يطرد من المنزل ..
و حينما اقترب لاحت له من بعيد عربة خشبية كبيرة بعض الشيء واقفه امام باب منزلهم .. اقترب اكثر و اذا به يرى رجلان احدهما طويل و ضخم و ذو ملامح ارعبت قلبه و الاخر قامته متوسطه و بجانب الرجلان وقف والده مع اخواه ..
بمجرد ان رأوه حتى التفوا جميعهم يحدقون به .. وقف بالقرب منهم و قال بصوته المتعب " مساء الخير " لكن لم يجبه احدهما .. قال صاحب القامة المتوسطه بعد ان نظر له من تحت الى فوق " سنستفيد منه كما قلت ابا قيس ( والد سراج ) " ..
استغرب سراج و قد بان ذلك على ملامحهه و راح يحدق بوالده واخوته ينتظر ان يشرح له احدهم الامر لكن تقاسيم وجههم لا تبشر بالخير فالحزن و الخجل بان بهما ..
اشار مالك ( صاحب القامة المتوسطة ) الى رعد الذي جاء معه بأن يأخذ سراج و يرميه في العربة حتى يذهبوا الى وجهتهم .. ذعر سراج و تمسك بثياب والده ..
تحدث والده اخيرا طالبا من مالك ان يسمح لسراج بتوديع عائلته و اعلن مالك موافقته على الامر .. لكن سراج لم يكف عن التوسل طلبا منهم ان يخبروه ما يحدث ..
حينها تحدث مالك بصوته المزعج " بما ان والدك خجلا من اخبارك انا سأخبرك .. والدك العزيز استدان مني مبلغا كبيرا حتى يرمم مخبزكم القذر و منزلكم المتهالك .. و لم يستطع تسديد المبلغ رغم اني اعطيته وقتا كبيرا و بما ان الاتفاق ينص على ان لم يسدد والدك المال اخذ احد اولاده وقد قرر والدك اعطائك لي مقابل المال "
تهاوى سراج على الارض من وقع ما سمعته اذناه .. والده باعه لكي يحافظ على ممتلكاته .. تجمعت الدموع بعيناه و فاضت منهما .. بكى بحرقه وهو ينظر لوالده واخوته .. توقع منهم الكثير لكن لم يتوقع ان يصلوا لهذا الحد ..
جرته قدماه بعيدا عنهم لكن قبضه رعد القوية التي تلقاها على ظهره القته ارضا بلا حراك من شدة الالم ..
اخذه ذلك الوحش و رماه في العربة و دموعه بللت خديه و النار اكلت فؤاده ..
دقائق وتحركت العربة بعدها لتأخذ سراج الى مصيرا مجهول لا يعرفه .. وعلى ارضية العربة الباردة استلقى جسده النحيف .. متكورا على نفسه و دموعه لا تتوقف ...
قتله الالم ... اعتصر قلبه و احرقه تماما .. لم يرى امه حتى الفرد الوحيد في عائلته الذي كان يحن عليه ولو قليلا .. بعيدا عن ضربها و كلماتها القاسيه حينما تغضب هي كانت تحن عليه احيانا ..
ساعتان انقضتا من تلك الليلة الموحشه و ما زالت العربة تتحرك و ما زال سراج يبكي .. و ساعة اخرى حتى توقفت العربة ..
ليفتح باب العربة و تتلاقى عيون رعد المخيفه مع عيون سراج الذابلة من البكاء .. زجره لكي ينزل و بالفعل نزل سراج وهو يرتجف ..
ليرى حوله منزلا خشبيا كبير و قديم جدا .. و الاشجار الشامخه تحيطه من كل الجهات .. ارتجف قلب سراج من منظر المنزل .. دفعه رعد ليسير الى الداخل معهما ..
بمجرد ان دخلا حتى بان له المنزل .. قديم من الداخل اكثر من قدمه من الخارج .. متهالك و بيوت العناكب سيطرت على زواياه .. لا ينيره شيء عدا بعض المصابيح النارية المنتشرة هنا وهناك
قال مالك " ستبقى هنا حتى الغد ثم بعدها نأخذك معنا انت والباقون لكي نعرضكم في سوق العبيد و ستمكث هنا حتى يتم بيعك " ..
اخذه رعد ليضعه في تلك الغرفة التي صدم سراج بمجرد رؤيتها .. كانت مملوءة بالمراهقين و الاطفال اليائسين من الحياة و دموعهم تملئ وجناتهم ..
اقفل الباب و ترك سراج هناك ..
جلس على الارض و ضم ركبتيه الى صدره كما يفعل الباقون .. يفكر ماذا سيحدث له من الان وصاعدا ..
عبد من سيكون ؟؟ و هل سيرى محبوبته رباب ام ان الحياة لن تعطيهما فرصة اللقاء هذا اذا كانت ما زالت تذكره ..
رايكم
توقعاتكم
انتقاداتكم
أي شي حابين تقولونه
أي سؤال او استفسار
باااي