"حالته مستقرَّة ولله الحمد، كلُّ ما بقي هو انتظار استيقاظه، وبقاؤه لأسبوعٍ حتَّى تعافيه بالكامل"
ارتسمت على شفته ابتسامة صغيره، أطلق الهواء من رئتيه بهدوء وهو يرخي جسده على الكرسي بارتياح "أشكرك حقًّا أيها الطبيب"، ابتسم الطبيب "لا شكر على واجب، فهذا عملي" ولكن سرعان ما تحولت ملامحه المرتخية إلى ملامح جدية بتقريب حاجبيه إلى بعضهما وإنزال طرفي شفتيه قليلًا "ولكن، هناك شيء أريد التحدث عنه معك، بشأن جسده"، قطب حاجبيه "جسده؟"
_.._
وأخيرًا، نجح في فتح عينيه، كان الضوء ساطعًا، حدَّق بالسقف، استغرق الأمر وقتًا ليستوعب أنه ليس في غرفته، وزَّع نظراته على كلِّ الاتجاهات دون تحريك جسده بعد ملاحظته لكون الأمر مؤلمًا، فاستطاع معرفة المكان الذي يتواجد فيه حاليًّا من عوامل عدَّة، الرائحة، وأصوات الأشخاص خلف الستارة وهم يهنئون المريض بجانبه على نجاته من حريق في منزله، وأيضًا صوتُ الطبيب الذي يتحدث مع إحدى المرضى المتواجدين في نفس الغرفة.
تتسلَّل الذكريات إلى رأسه شيئًا فشيئًا، متذكِّرًا بذلك كلَّ ما حصل، مع أن الأمر مريعٌ قليلًا إلا أنَّ مظهره لا يوحي بأي علامة للانفعال، كان هادئًا -كالعادة-، لم تمضِ إلا دقائق قليلة سُحِب بعدها الستار يمينه، دخل بذلك شخصٌ في نفس عمره مغلِقًا الستار وراءه، علَّق نظراته عليه، ثمَّ ابتسم بارتباك "حمدًا لله على سلامتك، بُسل"، أومأ بُسل برأسه لأيسر، ثمَّ وجه نظراته للسقف.
جلس أيسر على الكرسي بجانب بُسل "آآ، أتريد شيئًا؟، شيء تحتاجه، أو اممم، أعني" هزَّ بُسل رأسه لليسار واليمين بهدوء "كم مضى على ما حدث؟"، أجاب أيسر "يومٌ تقريبًا"، لم يتكلم بُسل بعدها.
"حاولت الاتصال على أهلك من خلال هاتفك، ولكن الرقم السرِّي الذي وضعتَه قد منعني، ولا أعرف أي طريقٍ إليهم، لذا، لا أحد منهم يعلم"، همس بُسل بهدوء "أشكرك"، مع أنَّ أيسر لا يستحق الشكر على ما فعله، إلا أنه شكره، ليس لطيبة قلبه كما يتوقع البعض، وأيضًا كما يتوقع أيسر "أنت تعرف أني لا أستحقه، بُسل"، ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفته "لا تقل ذلك عن نفسك، أراك تستحقه، فلقد ساعدتني مع كونكَ المتسبب"، بُسل يستعيد قناع طيبته شيئًا فشيئًا، لم يعلِّق أيسر على ما قاله "أعتقد أنه يجب عليك إخبار أهلك عن كونكَ موجودًا هنا"، اتسعت ابتسامة بُسل "لا تقلق، فيما بعد".
بعد هدوء دامَ لبضع دقائق "بُسل، أعلم أن هذا ليس بالوقت المناسب، ولكن، أريد سؤالك"، علَّق بُسل نظراته على أيسر، فاستأنف "أتتعرض للتعدي من قِبَل والديك أو شخصٍ آخر؟"، رفع بُسل حاجبه، وكأنه لم يفهم سؤاله جيدًا، لأنه استغربه "أقصد، جسدك، إنه مليء بالجراح، إذا كان هناك شيء تخاف من إخبار أحدهم به، فأخبرني" يعلم أيسر عن أنه لا يحقُّ له قول هذه الكلمات بعد ما حدث، ولكن مع ذلك، قالها، خاصة بعد أن أراه الطبيب جروحه، إنها ليست جروحًا نتجت من ذلك الحادث، بعضها قديم خلَّف آثارًا، والآخر في مرحلة الشفاء، أو بالأحرى تخليف الآثار.
"لا" أجاب بُسل بهدوء، قطب أيسر حاجبيه "كيف وُجِدَت إذًا؟، من الواضح أن ذلك يحدث منذ زمن طويل"، اكتفى بُسل بالصمت، فزفر أيسر بضيق "بُسل، أنا أعلم بكوني آخر شخص يجب أن يحاول كسب ثقتك، أعلم بكوني أبدو أحمقًا، ولكن مع ذلك أنا مُصِر"، لا زال بُسل صامتًا، فأكمل أيسر عندما لاحظ ذلك "اسمع بُسل، سأصارحك، لقد ارتعبت عندما أراني الطبيب إياها، كان منظركَ مقرفًا جدًّا"، تكلَّم بُسل أخيرًا "وبأي حقٍّ يريكْ؟"، سكت أيسر، وسرعان ما ابتسم بُسل عندما لاحظ ذلك "أمزح فقط، لا تقلق، نتجت عن بعض المشاكل الصغيرة".
فهم أيسر أن استماعه للسبب من بُسل شبه مستحيل، لذا، غيَّر الموضوع عندما أخرج شيئًا من جيبه "خذ هاتفك، لقد وجدته في جيب معطفك"، أراد بُسل رفع يده لإمساكه، ولكنه لم يستطع، فانتبه أيسر لذلك ووضعه على الطاولة الصغيرة بجانبه، وما إن فعل ذلك حتى أصدر رنينًا، حدَّق بالشاشة "فتاة تدعى أسبار تتصل بك"، ابتسم بُسل، وتفاجأ أيسر، هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها ابتسامة مفعمة بالحياة لبُسل، دائمًا ما تكون ابتسامته ذابلة بعض الشيء "أتريد منِّي الرد عليها ووضعه على أذنك؟" هزَّ بُسل رأسه موافقًا، ففعل أيسر ذلك.
"مرحبًا حبيبتي"، حبيبتي؟ تساءل أيسر "نعم، أنا بخير، تطلَّب الأمر بقائي في بيتِ أحد الأصدقاء"، اتسعت ابتسامته "لا داعي للقلق، آسفٌ لأني لم أخبركِ مسبقًا، فلقد كنتُ مستعجلًا"، بعد دقيقتين من هذه المكالمة التي انتهت بتوديع بُسل لأسبار.
"أأنت متزوج؟" سأل أيسر بعد أن وضع هاتف بُسل على الطاولة، "لا، هذه أختي"، أجاب بُسل، "من الواضح أنك تحبها"، علَّق "جدًّا"، حسنًا، ذلك واضحٌ من الأثر الذي خلفته عليه، ابتسامته الجديدة على أيسر، ونبرة صوته المرتاحة الجديدة عليه أيضًا، أخته مذهلة، أن تجعل شخصًا ذابلًا كبُسل يبدو مفعمًا بالحياة.
"أخبرني الطبيب عن كونك ستخرج بعد أسبوع"، قطب بُسل حاجبيه، ولكنَّه لم يعلق، كالعادة، هو لا يحاول معارضة ما لا يعجبه أبدًا، إنه ضعيف، ولهذا يستغلُّه الناس، هذا ما فكَّر به أيسر.
أنت تقرأ
هَوَاءْ، مَا أَرَادَ بُسْلٌ أَنْ يَكُونَه..
Randomلم يستطع أيُّ شخصٍ فهم بُسْل أبدًا، حتَّى أخته التي كانت الشخصَ الوحيد الذي يتخلص من غلافه الشفَّاف أمامه، تمنَّى أن يكونَ هواءً مع كونها أمنيةٌ مكلفةٌ جدًّا، يالِبُسلٍ المثير للشفقة...