أغلق الستار وراءه موجهًّا نظراته إلى بُسل، إنه نائم، جلس على الكرسي بجانبه، ووضع بعض الأطعمة التي اشتراها من مطعمٍ مرَّ به قبل قليل على الطاولة، كان يخطط لتناولها معه، حدَّق به، لقد أصبح وجه بُسلٍ هو أكثر ما يراه في الثلاثة أيامٍ الماضية، لا يعلم عمَّا إذا كان بُسل منزعجًا من الأمر أم لا، ولا يهمه أن يعلم، لأن كلَّ ما يفعله حاليًّا هو لشعوره بالذنب.
بُسل، مع أنَّه يراه يوميًّا في السابق مع أصدقائه، إلا أنَّ هذه هي المرة الأولى التي ينتبه له فيها، لاحظ بعض الأشياء التي لم يلاحظها فيه من قبل، أولها جروحه، كانت تملأ جسده بالفعل، من الواضح أنَّه كان يخفيها عن الناس تحت ملابسه، كانت نظرته السابقة لبُسلٍ لا تتعدى كونه شخصًا ساذجًا يتبع القوي فقط، ولكن الآن، الأمر مختلف، بُسل شخص غامض، هادئ أكثر من اللازم، ذابل، يحبُّ أخته كثيرًا، لقد استطاع إقناعها بكونه سيبقى عند أحد الأصدقاء لمدة أسبوع بصعوبة.
بنى أيسر احتمالًا واردًا عن حالة بُسل، هناك شخصٌ من أهله يقوم بتعذيبه، وطبيعة بُسلْ لا تسمح له بالشكوى أو طلب المساعدة من أحدهم، شخصيته الضعيفة هي نتاج هذا التعذيب، صدَّق أيسر احتماله الذي بناه على عدم رغبة بُسلٍ بإخبار أهله عمَّا حدَث، وعلى طبيعته أيضًا، فقرَّر مساعدة بُسل.
"كم الساعة الآن؟" سأل بُسلٌ وهو يفرك عينه اليمنى بيده التي غُرِست فيها إبرة المغذي، ألقى أيسر نظرة على ساعته "إنها الخامسة عصرًا"، "هل اتصلت أسبار؟"، هزَّ أيسر رأسه نافيًا "لقد أحظرت بعض الطعام لنأكله معًا، لقد مللت من طعام المستشفى صحيح؟"، حدَّق بُسل بكيس الطعام، "أشكرك، لستُ جائعًا"، قال أيسر وهو يفتح الكيس "هيّا، لا تنسى أن الطبيب عاتبك يومَ أمسٍ لكونِكَ لا تأكل"، أمسك بُسل بهاتفه "آسفٌ يا أيسر، ولكنِّي قد فقدت الشهية".
زفر أيسر بضيق، وأخذ يتناول الطعام وحده، كان لذيذًا، أراد مشاركته معه، علَّق نظراته على بُسلٍ المنشغل بهاتفه، كان يستغلُّه كما أفراد مجموعته الآخرون في السابق، لم تكن لديه الرغبة في صنع صداقة (حقيقية) معه أبدًا، لم يكن يرغب في اكتشافه، ولكن الآن، الأمر مختلف، إنه يرى بُسل بعينٍ أخرى، تجعله يريد مساعدته، وإن كان غير متأكدٍ ممَّا يواجه.
"بُسل، حدِّثني عن نفسِك" يا لِهذا الطلب السخيف يا أيسر، حدَّث أيسر نفسه بذلك، وكما توقَّع، علَّق بُسلٌ نظراته الهادئة عليه "اممم، أقصد، كيف أقولها؟، أريد البدء من جديد"، انتظر أيسر ردَّ بُسل، وعندما لم يسمعه، استأنف وهو يمسك الجزء الخلفي من رقبته بيده اليمنى مطأطئًا رأسه "أقصد، أنني... كنت... في السابق... أفعل بعض الأمور السيئة لك، ولهذا..." قاطعه بُسل "تريد التعويض؟"، توقَّع أيسر من نبرة بُسلٍ أنه غاضبٌ عليه، ولهذا لم يجرُؤ على النظر إلى تعابير وجهه، هذا قبل أن يربت بُسلٌ على كتفه "لا بأس، لستُ غاضبًا، فلم تفعل شيئًا" رفع أيسر رأسه معلِّقًا نظراته على الشاب أمامه، تباعدت جفُونه عن بعضها البعض، كان بُسل مبتسمًا، ابتسامته الذابلة "كيف لكَ أن تكون هادئًا؟" همس أيسر، فبدت تعابير الاستغراب على وجه بُسلٍ عندما ضمَّ شفتيه لبعضهما قليلًا، فأكمل أيسر "لمَ أنتَ طيِّبٌ إلى هذا الحد؟، كيف لكَ أن تقول أنِّي لم أفعل شيئًا؟"، بقيَ بُسلٌ صامتًا، ممَّا جعلَ أيسر ينهض من كرسيِّه ويعطيه ظهره ثمَّ يخرجُ من مساحة بُسلٍ بتخطيه للستار، ثمَّ المستشفى بأكمله.
_.._
حدَّقَ بُسلٌ بالسِّكِّينِ الموجودة أمامه، لقد وضعتها الممرضة ليستطيع تقطيع التفاح، أرادت منه تناول التفاح على الأقل، ولكنه لم يلمسه، أمسك بالسِّكِّين، ثمَّ حدَّق بيدِه، قام بوضع السكين أعلى باطنها أي بين الإبهام والسبابة، ثمَّ ضغط بها على هذه المنطقة نزولًا إلى الأسفل، حيث الخنصر، ممَّا جعل الدمَ ينساب إلى ذراعه منتهيًا عند مرفقه، كان ذلك مؤلمًا، لم يرِد أن تكون هناك آثار للدماء على فراشه، فأمسك بسلَّة المهملات بجانبه وجعل الدم يسقط عليها بارتياح، قطب حاجبيه، وهمس "طيِّب؟ أنا؟"، لم يكن منه إلا أن أحدث جرحًا آخر على يده بمجرد أن تذكَّر سؤال أيسر "كيف لكَ أن تقول أنِّي لم أفعل شيئًا؟"، كان يريد الصراخ، ولكنَّه في مكان لا يسمح له بذلك، حدَّق بيده والدموع تملأ وجهه من الألم، ألمُ يده وألمٌ آخر في قلبه، هل قام بجرح قلبه أيضًا دون أن يشعر؟ "ذلك الحقير"، تمتم بُسلٌ بغيضٍ هو يعضُّ لسانه حتى سال بعض الدمِ منه أيضًا.
بعد أن انتبه لنفسه سحب الكثير من المناديل ووضعها داخل فمه، ثمَّ وضع أخرياتٍ على يده، كلُّ دقيقة تمر تجعله يتألم أكثر من سابقتها، دموعه لم تجف، بل ازدادت عند تذكُّرِه لما قاله أيسر "اسمع بُسل، سأصارحك، لقد ارتعبت عندما أراني الطبيب إياها، كان منظركَ مقرفًا جدًّا"، مقرف؟ تساءل بُسل.
أنت تقرأ
هَوَاءْ، مَا أَرَادَ بُسْلٌ أَنْ يَكُونَه..
Acakلم يستطع أيُّ شخصٍ فهم بُسْل أبدًا، حتَّى أخته التي كانت الشخصَ الوحيد الذي يتخلص من غلافه الشفَّاف أمامه، تمنَّى أن يكونَ هواءً مع كونها أمنيةٌ مكلفةٌ جدًّا، يالِبُسلٍ المثير للشفقة...