13)(صِفْرْ

224 34 10
                                    

استلقى على سرير غرفته بعد عودته من المدرسة، لم يغير ملابسه حتى، تعابير الحيرة تغطي وجهه، بازي وتفان يبدوان واثقين مما قالاه، بُسل تسبب بقتل أحدهم؟ أي أنه قاتل!، أحقًّا ما قالاه أم أنها كذبة ليبعداه عنه؟.
إنه يستطيع التفريق بين الكاذب والصادق، لم يبدوا كاذبين أبدًا، كانا يتحدثان معه بكل صدق، ولكن، لا يمكن لبُسل أن يفعل شيئًا كهذا!، قطب حاجبيه، ثم بعثر شعر رأسه بكلتا يديه وهو يصرخ، حتى أنه قد تجنب الحديث معه طوال هذا اليوم، أهو غاضب يا ترى؟، لا، هذا غير ممكن، فبُسل بدا شارد الذهن بسبب تِبر، لا يملك الوقت ليفكر بشيء جانبي كأيسر، "بُسل"، همس بنبرة حزينه، هو مخيرٌ الآن، بينه، وبين أصدقائه.

_.._

"بُسل!"
بينما كان بسل يتجول في الشوارع بعد المدرسة، سمع صوت خطوات مسرعة خلفه، وشخص يلهث وهو ينادي اسمه، "بُسل"، التفت، فإذا به الأستاذ، كان يلحق به، "لمَ ذهبت دون أن تنتظرني؟، ألم أخبرك عن كوني سأذهب معك بعد المدرسة؟"، قطب بُسلٌ حاجبيه بانزعاج، ثمَّ ابتسم "أعتذر، نسيت هذا"، حدَّق الأستاذ فيه، ثمَّ ابتسم "كاذب، على كلِّ حال، أين ستذهب؟ هذا ليس طريق منزلك"، أمال بُسلٌ رأسه قليلًا ورفع حاجبه "كيف عرفت؟"، اتسعت ابتسامة أستاذه "أنا معلِّم".
لا يستطيع بُسلٌ الإنكار، أحسَّ براحة غريبة تجاه هذا الأستاذ، وكأنه سيحقق ما يتمناه، لأنه يعرفه، يعرفه جيِّدًا، هو يعلم ما يريد أن يكونه، وهذا ما أخافه، بدا له وكأنه اخترق مساحته "أريد مقابلة أختك، بُسل، تعرف عن كوني لا أستطيع تركك"، حدَّق بُسلٌ فيه، ثمَّ تنهد "ومن أخبرك عن كوني أعارض ما تفعله أختي؟"، اقترب تِبرٌ منه، وربت على رأسه "حسنًا حسنًا لا داعي للَّف هنا وهناك، أنت هواء، بالطبع لن ترغب بالسير في طريقك، بل في الطريق الذي يريده من حولك منك" أشار تِبرٌ بسبابته إلى قلب بُسل "أنت لن تستمع إليه".
حاول بُسلٌ رسم الابتسامة على وجهه قدر المستطاع "أنت مذهل يا أستاذ، كيف تعرف كلَّ هذا؟"، سكت تِبر، لم يعرف كيف يجيبه، اكتفى بإلقاء نكتته لتغيير الموضوع "لأنني خارق".

_.._

كان أغيد مرتديًا لنظارته، جالسًا على كرسيِّ مكتبه منهمكًا في عمله، لاحظ رسالة نصيَّةً كان تِبرٌ مُرسِلها، فتحها، وقطب حاجبيه فور قراءتها.
*يبدو أنِّي سأصل للصفر اليوم، صديقي، شكرًا على كلِّ شيء*
أحسَّ بالتوتُّر، لقد فهمها، ليس الأمر وكأنه يريد توريط نفسه فيما لا يعنيه، اكتفى بإرسال *وداعًا*، ثمَّ أكمل عمله.

_.._

"أختي، أأنتِ هنا؟" نادا على أخته وهو يخلع نعليه، فسمع صوتها "نعم، مرحبًا بعودتك"، احمرت وجنتيه خجلًا، فهو لم يلقِ التحيَّة، لقد كان مشغولًا بذلك الأستاذ الذي تبعه حتَّى هنا، "أستاذي قد أتى للزيارة".
قطبت أسبار حاجبيها بينما كانت تطبخ الغداء، كانت تريد جعل بُسل يتحدث معها عن يومه، ولكن الآن لن تستطيع، هي كبيرة على الجلوس مع الرجال :)
لحظة، فكَّرت أسبار، لمَ يزور أستاذٌ منزلهما؟، أحدث شيء ما لبُسل؟.

أعدت مائدةً لهما، ثمَّ أخبرت بُسلًا ليجعله يجلس عندها بينما هي ستأكل في المطبخ، أهي خادمة؟ أحست بالغضب، ولم تبدِه، بل ذهبت للمطبخ الذي يقع أمام غرفة المعيشة حيث المائدة.
ابتسم تِبر وهو يحدِّق في الطعام أمامه "أختكَ طباخة ماهرة"، شعرت أسبار عندما سمعته بالغضب أكثر، ما هذه الزيارة المفاجئة، لم تطبخ هذا له، بالنسبة لبُسل، فكون تِبر يريد التحدث مع أخته عن هذا الموضوع يقلقه، هو لا يريد ذلك ولكن يبدو أن تِبر مُصِر.
حسنًا، تِبر لم ينتظر كذلك، لقد بدأ بالحديث بعد أن تناول اللقمة الأولى مباشرة "أخت بُسلٍ العزيزة"، سمعته أسبار، ولم تَرُدْ، وهو لم ينتظر ردَّها، "أتعلمين عن سبب مجيئي إلى هنا؟"، أجاب وهو يجمع بعض الأرز من الصحن بالملعقة "إنه أنتِ"، عضَّ بُسلٌ على شفته بينما تِبرٌ همس "خمسة".
لم تعلِّق أسبار، وأكمل تبِرٌ تناول الطعام بدلًا من إكمال حديثه، حتى انتهوا.

بعد الإنتهاء، أمر تِبرٌ بُسلَ بالذهاب إلى غرفته، ولكنَّه رفض ذلك، إلا أنَّ أسبار أمرته كذلك.
بعد ذهابه، وضع تِبرٌ رجله فوق الأخرى، ثم شبك أصابعه وتشبث بركبته، كانت جلسته تعبر عن ثقته "ما هو الموضوع الذي تعتقدين أني سأتحدث عنه؟"، كانت أسبار جالسة على كرسيٍّ في المطبخ واضعة لمرفقها على الطاولة مسندة لخدها على راحة يدها، كانت تحدق في الأرض بملل "أتحفني به"، ضحك تِبر، "أعتقد أنكِ قد تصورته على الأقل، ولكن لا تقلقِ، أنا لن أنصح تلك الأخت المتوحشة بعدم تعذيب أخيها"، قطبت أسبار حاجبيها "ومن قال أني اعتقدت ذلك؟ تحدث بسرعة رجاءً، أنت ممل".
ابتسم تِبر "أتذكرين المسكين سام؟"، تباعدت جفون أسبار، فأكمل تِبرٌ وهو يفتح باب المطبخ ويوجِّه مسدَّسه نحوها "أنا أخوه اللذي يعشقه جدًّا، واللذي أتى هنا من أجل الإنتقام".
صَرَخَت أسبار بأقصى ما لديها وهي ترى المجنون أمامها مبتسمًا لكونه سيحقق هدفه أخيرًا، ولكنَّ صراخها قد انقطع عندما همس "صِفر" وتبع همسه صوت إطلاق.

وهاقد أتت اللحظة التي طال انتظارها، قد يبدو متسرِّعًا، وهذا صحيح، ولكن بالنسبة له، لقد انتظر هذه اللحظة منذ وقتٍ طويل، منذ أن قابل أخاه المسجون الذي يعدُّ أيامه المتبقية لموته.

._._._._._._._._._._._._._._._._._._._._._._._._.

إلى هنا يصل فصلنا :)

ما هي توقعاتكم؟ بانتظارها..

هَوَاءْ، مَا أَرَادَ بُسْلٌ أَنْ يَكُونَه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن