مهما حاول إقناع نفسه، لم يستطِع الإحساس بالراحة، كيف يجعل تِبر يتحدَّث مع أسبار عن شيء لا يريده؟، أو بالأحرى كيف يتركها تتحدث مع رجل لوحدهما؟، نزل من الدرج بخطواتٍ بطيئة، ولكنَّها توقفت بمجرد أن سمِع "أتذكرين المسكين سام؟"، كيف يعرف تِبر السيِّد قاتل؟، أكمل النزول، حتَّى رأى تِبرًا وهو يقترب من باب المطبخ، ما الذي يخطط لفعله؟، تباعدت جفونه عن بعضها البعض بسرعة، مسدَّس؟
"صِفر"، قبل أن يطلق تِبر، ركض بُسلٌ بسرعة وجعل جسده أمام المسدَّس، حيث أن الطلقة أصابته، وهذا ما جعل أسبار تتوقف عن الصراخ من شدَّة الصدمة "بُسل!" نادته برعب، ثمَّ اتجهت إليه ممسِكَةً إياه.
"انتظر قليلًا، سأتصل بالإسعاف"، ولكنَّه أمسكها موقِفًا إياها، كانت الطلقة قريبةً من قلبه، وجَّه نظراته إلى أستاذه، الذي لم يستوعب ما حدث حتَّى الآن، سقط تِبرٌ على ركبتيه، ووجه نظراته اليائسة نحو بُسل "لمَ فعلتَ هذا؟ ألهذه الدرجة أحببت أختك؟"، كانت تعابير بُسلٍ حزينة جدًّا، كان يتنفس بسرعة، إنه يتألم جدًّا، لم يستطع إخفاء صوتِ أنينه، قال بصعوبة "كنتُ أعتقد أنِّي وجدت من يفهمني أخيرًا"، كان بينَ أحضانِ أخته، ومع ذلك لم يشعر بالرَّاحة، انسكبت الدموع من عينيه "أنا لم أحبَّ أختي أبدًا"، تباعدت جفون أسبار، وأكمل بُسل "أنا كرهتها، كرهت كلَّ شيء فيها، كرهت اسمي الذي تناديني به"، أحسَّ بألمٍ في حلقه، ذلك الألم الذي يأتيكَ عند البكاء، أكمل بصعوبة وهو يعلم أن هذه هي نهايته، أراد تفريغ كلِّ ما في قلبه "أنا، أردت العيش كالهواء حقًّا... ليس لكوني أردت تجنَّب المشاكِل حتى لا أواجه ما واجهه السيِّد قاتل"، شدَّ على ملابس أخته وهو يتشبَّث بها جيِّدًا "بل لكوني ندمت كلَّ الندم على جعله يقابل أختي"، رفع صوته وهو يرتجف "أردت على الأقل أن أحقق ما كان يتمناه أخوه منه"، وجَّه نظراته إلى أخته "أسبار"، شعرت المقصودة بقلبها ينقبض ألمًا "كان كلُّ ما فعلتِه مؤلمًا"، انسكبت دموعه بغزارة، أحسَّ بصعوبة في التنفس "كلُّ ليلة أحاول إخفاء جسدي خجلًا"، حاول مقاومة آلامه والتحدُّث مع كونِ أنفاسه غير كافية، كان صوته مبحوحًا ضعيفًا "أنا... لم أرد هذا"، هذه آخر لحظاته، يجب عليه الاستمرار "أردت العيش كأي فتى أراه أمامي، أصبحتِ أنتِ والسيِّد قاتل شيء أكرهه في حياتي"، غطَّى عينيه بكلتا يديه، أحسَّ بدموعه تسلل من بينهما وتنساب عبر خديه، بدأ يتحدَّث بكل ما يجول بخاطره محاولًا استغلال كلِّ ثانية.
"أحسد أيسر"
"أكرهكِ"
"أكره السيِّد قاتل"
"لمَ أنا الذي سيموت وأنتِ التي ستعيشين؟"
أحسَّ بالسواد وهو يغشي عينيه، ولكنَّه لمِح دموعَ أخته تنسكب على وجهه
"أكره كونِي لا أريد رؤية دموعِك"
ثمَّ لفظ أنفاسه الأخيرة وهو في حضن أخته، فضمَّته وهي تبكي، أمَّا بالنسبة لتِبر، فأمسك بالمسدَّس فورًا، ووجَّهه نحو أسبار، أراد قتل نفسه بعدها بسرعة، ولكنه فوجئ بيدٍ أمسكت برقبته وطرحته أرضًا، الشرطة تقتحم المكان، صرخ "اتركني، ألا ترى أنِّي في منتصف عملي؟؟ حياتي كلُّها معلَّقةٌ فيه!"
جنَّ جنونه وهو يرى أغيد متَّجِهًا نحو أسبار يغطِّيها عن أعين الرجال، "أيها الوغد ... أغيد!!!!" وجَّه أغيد أنظاره نحوه "أعتذر"، همسَ بها بهدوء.
_.._
مرَّت شهورٌ على هذه الحادثة، سُجِنت أسبار، وأظنُّكم تعرفون السبب، بالنسبة لأيسر، فعندما سمِع بخبر قتلِ أستاذٍ لطالب، وعلِم فيما بعد من هما القاتل والمقتول، أصابه اكتئابٌ حاد، لم يخرج بسببه من غرفته أبدًا، وقد رسِبَ في صفِّه وتوجَّب عليه إعادة المرحلة.
بازي وتفان أُحبِطا ممَّا حدَث، لم يتوقَّعَا هذا أبدًا، كانا يعتقدان أن موتَ بُسل غير مهمٍّ بالنسبة لهما، ولكنَّهما حزنا، حتَّى بازي النشيط لم يصبح على طبيعته، تالد طلَّق زوجته، هذه هي زوجته الأخيرة، لم يعد يحتمل، اختفى بعدها، أغيد سافر إلى الخارج بعد ذلك، ولم يجرؤ على مقابلة تِبر أبدًا قبل إعدامه، لقد لاقا مصير أخيه.
لقد أُعدِم تِبر، أخُ السيِّد قاتل.
هل السبب هو خروجهما عن النَّمَطِ الهوائي يا ترى؟، من يعلم.
يقال أنَّ جميع الذكريات تعيد نفسها أمام الميِّت في آخر لحظات موته، وهذا ما حدَث مع بُسل، لقد رأى ذكرياته معها.
في الصغر، عندما نام بجانبها حيث كان خائفًا من الرعد، أو عندما أعدَّ الطعام معها، أو عندما ساعدته في دروسه، أو عندما دافعت عنه أمام أبيها، عندما عمِلت بجدٍّ وتعبت وتخلَّت عن أيَّامِها كشابَّة في سبيل الحصول على بيتٍ يأويها هي وأخوها الصغير دون الذلِّ في بيتِ زوجات أبيها، جعلته يعيش دون الإحساس بالنقص المادِّي.
ما جعله في النهاية يقول بألمٍ لا يطاق، ليس ألمَ تلك الطلقة، بل ألمٌ آخر، ألمُ قلبه، هل جرحته أخته يا ترى؟ أحسَّ بأنَّه واجه هذا الموقف مسبقًا.
"أكره كونِي لا أريد رؤية دموعك"، حيث همس بضعف "أختي".
كانت هذه آخر كلمات بُسلٍ الذي أحبَّ أخته، وكرهها في الوقتِ نفسه.
لم يستطع أيُّ شخصٍ فهم بُسْل أبدًا، حتَّى أخته التي كانت الشخصَ الوحيد الذي يتخلص من غلافه الشفَّافِ أمامه، حتَّى نفسه، تمنَّى أن يكونَ هواءً مع كونها أمنيةً مكلفةً جدًّا، يالِبُسلٍ المثير للشفقة...
._._._._._._._._._._._._._.
يالِبُسْلٍ المثيرِ للشفقة، هذا ما استطعتُ ختم قصَّتي به، أراد أن يكون هواءً، لا يكونَ للنَّاسِ شيئًا، يدخل حياتهم ويخرج منها دون أن يكون شيئًا يذكر، أمنيةٌ مكلفة، وقد حقَّقها، دخل حياتهم كالهواء، خرج منها كالهواء، ودون أن يدركوا، كان هذا الهواء قد أثَّر تأثيرًا كبيرًا عليهم، ليس إيجابيًّا كما نعرفه نحن، بل سلبيًّا، حتَّى أنهم تمنوا لو أنَّهم لم يعرفوه، أليس هذا أفضل من دخولهم في هذا الجحيم؟.
حسنًا، أنتظر تعليقاتٍ طويلة جدًّا :)
أنت تقرأ
هَوَاءْ، مَا أَرَادَ بُسْلٌ أَنْ يَكُونَه..
De Todoلم يستطع أيُّ شخصٍ فهم بُسْل أبدًا، حتَّى أخته التي كانت الشخصَ الوحيد الذي يتخلص من غلافه الشفَّاف أمامه، تمنَّى أن يكونَ هواءً مع كونها أمنيةٌ مكلفةٌ جدًّا، يالِبُسلٍ المثير للشفقة...